سرطان الطلاق المصرى (١)
مقالات مختارة | خالد منتصر
السبت ٤ اغسطس ٢٠١٨
أنتما تبحران فى الحب بدون خريطة أو بوصلة
مصر الأولى على مستوى العالم فى نسب الطلاق، بمعدل 20 حالة طلاق كل ساعة!! إحصائية مخجلة ومهينة لنا كمجتمع، وكأفراد، خرجت من الأمم المتحدة، ولا نستطيع تكذيبها لأننا نرى على أرض الواقع كل يوم حالات طلاق تصدع البيوت المصرية وتهز أركان الأسر، وضحاياها أطفال أبرياء لا ذنب لهم ولا حول ولا قوة. والذى يثير الخجل والمهانة أكثر هو موقف المؤسسة الدينية من توثيق الطلاق الشفوى الذى طالب به رئيس الجمهورية نفسه، والذى يكشف عن تزمت وعدم مرونة وفهم شكلى للدين ولوظيفة تلك المؤسسة التى باتت مجرد الدفاع عن آراء بشر هى مجرد اجتهادات لا تحمل أى قداسة وتحويلهم لأصنام لا تُمس، نرمى لها بقرابين نذبحها رغم أنها سر حياتنا وصميم وجودنا وتقدمنا وإنسانيتنا.
كرر الرئيس تحذيره مرة أخرى فى مؤتمر الشباب، وخرجت اقتراحات بمراكز تأهيل للمقبلين على الزواج، لكن قبل مراكز التأهيل لا بد أن نسأل أنفسنا: لماذا انتشر سرطان الطلاق فى مصر بتلك الصورة الكارثية المنذرة بزلزال يفتت نسيج الأسرة المصرية؟ الإجابة ستحدد لنا ماذا سنقول فى تلك المراكز، وما الرسائل التى يجب تضمينها فى مناهجنا.
هناك عوامل نفسية واجتماعية كثيرة، على رأسها غياب الحوار بين الرجل والمرأة فى مصر وعدم معرفة كل طرف منهما بخريطة الآخر النفسية، الفصل المتعسف فى المدارس بين الجنسين فى الطفولة، والذى بات هاجساً ووسواساً لدى مدارس كثيرة حتى فى الحضانة، هذا الفصل والتعامل مع الاختلاط على أنه بذرة دعارة ونواة عهر خلق وسواساً قهرياً لدى الأطفال تجاه هذا الآخر الذى من المؤكد أنهم يفصلوننى عنه لأنه شيطان رجيم يريد اغتصابى أو تريد إغوائى! ثم يتضخم الوسواس مع سن المراهقة، حتى تُترجَم كل لفتة أو كلمة أو نظرة على أنها مشروع لقاء جنسى محتمل، فيتربص المجتمع لاغتيال الصداقات البريئة وقتل أى فضول معرفى لخريطة الآخر النفسية، فينشأ الطفل، ثم المراهق، ثم الشاب، على أن البنت هى «واحد صاحبه»، يتعامل معها بجفاء وغلظة، وينسى أنها كتلة أحاسيس تمشى على الأرض. الكلام الكثير عندها، والذى يمل هو منه، هو فضفضة وليس ثرثرة، احتياج نفسى للأمان، طلب تأكيد بأنك ما زلت تمتلك كنز الحب وبئر نفطه الذى لا ينضب، الشاب يترجم هذا الاحتياج إلى أنه «تلكيكة» وهشاشة وإضاعة وقت وتفاهة. الولد لا يعرف خريطة البنت السيكولوجية، ولا كيفية الحوار معها، ولا لماذا تبكى بحرقة عند سماعها كلاماً منه لا يعتبره هو «شىء يزعل» أو يحمل أى إهانة، وهو بالنسبة لها قمة الإهانة، والبنت أيضاً أحياناً تقتحم الولد فى لحظات يعتبرها هو شرنقته الخاصة التى خدشت هى جدارها بإلحاح فى وقت يريد فيه اتخاذ قراره بشكل فردى وهادئ. تلك المشكلة العويصة شبيهة ببحثك عن إذاعة معينة على الراديو إذا لم تضبط الموجة عليها بشكل دقيق ستظل دائماً تسمع تشويشاً. علاقات أولادنا وبناتنا هى هذا التشويش المزمن، لا يتقنون ضبط موجاتهم العاطفية والنفسية لأنهم لم يتعلموا ذلك، ببساطة أكثر لأنهم غير مسموح لهم بخلق هذا الحوار على مهل وبأسلوب التجربة والخطأ الذى تعلمنا به الحبو ثم المشى ونرفض أن نتعلم به الحب والتواصل.
حوار طرشان، تواصل أخرس، حميمية مفتقدة، علاقة مجانية لم ندفع فيها لذلك سرعان ما نخسرها، لم ندفع تنازلات أو إنصاتاً أو حتى مشاعر، لذلك تبدو لنا علاقات بين روبوتات وليست بين بنى آدمين، علاقات بأزرار و«كيبوردات»، نلقى فيها بمسارات الأعصاب العاطفية فى سلة المهملات لتحل محلها أسلاك الكهرباء «المصلحجية» التى تتعامل مع الحب على أنه صفقة، ومع الزواج على أنه مشروع تخرج من كلية الحاسبات والمعلومات!
نقلا عن الوطن