الأقباط متحدون - «ساعة عدل» فى «قصر العينى»
  • ١٤:٠٠
  • الخميس , ٢ اغسطس ٢٠١٨
English version

«ساعة عدل» فى «قصر العينى»

مقالات مختارة | د. محمود خليل

٥٢: ٠٩ ص +02:00 EET

الخميس ٢ اغسطس ٢٠١٨

د. محمود خليل
د. محمود خليل

 على هامش الجدل المثار حول انتزاع قرنية متوفى بمستشفى قصر العينى، أكد عدد من المسئولين أن القانون يمنح المستشفى هذا الحق. ومع احترامى الكامل لهذا الطرح توجد مجموعة من الأسئلة التى تستحق الإجابة عنها: أولها سؤال حول الشرعية الدينية لهذا الأمر ورأى الأزهر فيها مع احترامى لما يردده البعض من أن دار الإفتاء أصدرت فتوى عام 2003 تبيح ذلك.. وهل تنطبق الفتوى على الحالة محل الجدل؟.. ثانيها: هل يطبق هذا القانون على مرضى قصر العينى خصوصاً أم على المرضى فى كل المستشفيات (الحكومية والخاصة).. وإذا كان يطبق على موتى المستشفيات الحكومية دون الخاصة أو الاستثمارية فما الحكمة فى ذلك؟.. وثالثها: إذا كنا بصدد عملية «انتزاع قرنية» وليس تبرعاً بها أليس من الواجب إعلام أهل المتوفى بالإجراء.. وهل ترتب تبعية المتوفى لهم حقوقاً مالية معينة على أساس أن المستشفى لن يمنح القرنية مجاناً للمريض الذى يحتاجها (تقدر بآلاف الدولارات)؟!

 
العدل جوهر القانون. وأصل نشأة القوانين فى حياة البشر مردها السعى إلى تحقيق العدل فيما بينهم. وبمناسبة الحديث عن العدل فى سياق ما شهده مستشفى قصر العينى قد يكون من المفيد أن نتذكر كتاب «ساعة عدل واحدة» الذى ألفه الطبيب الإنجليزى «سيسيل ألبورت» الذى وفد إلى مصر عام 1937 ليدرّس الطب، وتصف فصوله الأوضاع ومستوى الأداء داخل «قصر العينى»، ويصور قدر المعاناة التى وقع فيها الفقراء والبسطاء من المرضى من أبناء هذا الشعب وحجم الإهمال الذى يعاملون به. ويمثل الكتاب صرخة مبكرة تنوه بحالة التردى التى أصابت المستشفيات وتستحث الحكومة المصرية وكذا الإنجليزية (الكتاب صدر أيام الاحتلال) على التدخل من أجل حلها.
 
احترام القانون أمر واجب، ولكن احترام حرمة الحياة وحرمة الموت أمور واجبة أيضاً. وقد نصت المادة رقم (60) من دستور مصر الصادر عام 2014 على: «لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه، أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون. ويحظر الاتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أى تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقاً للأسس المستقرة فى مجال العلوم الطبية على النحو الذى ينظمه القانون». ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن الدستور يعلو القانون ويهيمن عليه. فى هذا السياق يمكن تقييم واقعة انتزاع قرنية المتوفى بمستشفى قصر العينى، فحتى لو كان القانون يمنح المستشفى هذا الحق العجيب فإن ذلك لا يمنع مراجعته فى ضوء ما ينص عليه الدستور، لأنه ليس من العدل أن يخص القانون مواطناً دون مواطن، فيطبق على مرضى المستشفيات الحكومية دون غيرها، وأن يتم تفعيله هكذا فى المطلق دون استئذان من ذوى الشأن أو من يرون أن ضرراً يمكن أن يقع عليهم جراء تطبيقه.
 
فى الثقافة العامة المصرية تجد أن الغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب يتأففون للغاية من فكرة تشريح «جثة المتوفى»، ويرفضون ذلك رفضاً قاطعاً. وأقصى أمنيات من أصبح «رهن الاختيار» -رهن الاختيار عبارة تصف العجوز أو الشيخ الذى يشرف على الموت- أن يموت على سريره وأن يقيه الله -وأهله- شر الموت فى المستشفيات. وأخطر الخطر الاصطدام مع مكونات الثقافة الراسخة لدى الناس، خصوصاً عندما تتصل بمسألة لها حرمتها وحساسيتها مثل «الموت». متع الله الجميع بالصحة والعافية.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع