سقط سهواً من حسابات الحكومة
مقالات مختارة | سحر الجعارة
الاربعاء ١ اغسطس ٢٠١٨
توقفت طويلا أمام حيرة الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، فى جلسة «اسأل الرئيس»، التى عُقدت فى ختام مؤتمر الشباب السادس بجامعة القاهرة، وهو يتحدث عن «الانفجار السكانى».. فالرئيس لم يجد أنه من «العدالة الاجتماعية» أن يحرم أسرة فيها أربعة أبناء أو ستة من «الدعم» مثلا.. كإجراء رادع لمن يتجاوز إنجاب طفلين.. وكان واضحا أنه اطلع على التجربة الصينية كاملة والمسماة بسياسة «الطفل الواحد»، والتى تم تطبيقها منذ عام 1978 حتى عام 2015، وكانت تتلخص فى عدم السماح بأكثر من طفل لكل زوج فى المناطق الحضرية، وتعفى من ذلك الأزواج فى المناطق الريفية والأقليات العرقية.. وقد تسببت هذه السياسة فى زيادة فى حالات الإجهاض القسرى، ووأد البنات. كما سببت عدم التوازن بين الجنسين فى الصين.. واكتشفت الصين أنها ستصبح «جمهورية تعانى الشيخوخة» ليس بها شباب، فألغت هذه السياسة فى 2015، لتكتشف عزوف الشعب نفسه عن إنجاب أكثر من طفل واحد!.
أما الهند فحين وصل عدد سكانها إلى 1.25 مليار نسمة، لجأت لحل غريب لخفض أعداد المواليد وهو «تعقيم السيدات» وجعلهن غير قادرات على الإنجاب، وفى المقابل لكل سيدة تعويضات مادية.
وكلها حلول يستحيل تطبيقها فى مصر لأسباب «دينية» فى المقام الأول.. ولأسباب إنسانية واجتماعية أيضا.. لم يكن سد التحريم المنيع هو الوحيد الذى منع الرئيس من حرمان «الطفل الثانى» من حقه فى خدمات الدولة، كالدراسة المجانية والمظلة الصحية.. بل كانت إنسانية الرئيس الذى ترقرق الدمع فى عينيه وهو يتابع فيلما وثائقيا عن قوائم انتظار المرضى.
لكن الدولة لاتزال بيدها حزمة من الإجراءات الرادعة التى يمكن أن تحد من إنجاب نسل هزيل، يتسرب من التعليم ويحترف التسول والمهن المؤثمة قانونا. بداية يجب أن يكون «الإعلام» طرفا أصيلا فى عملية توعية الشعب بخطورة الانفجار السكانى على «النمو» الذى هو رزقهم ودخلهم القومى بالأساس.. وأن تعود «القوافل الطبية» لزيارة الريف ومقابلة النساء- كما كانت موجودة- وهذه مسؤولية السيدة وزيرة الصحة والسكان!. لابد أن يتغير مفهوم أن «الأطفال عزوة» وأنهم قوة عمل يزيدون من دخل الأسرة، بعد الزج بهم فى ورش النجارة وتصليح السيارات.. وأن يطبق قانون «عمالة الأطفال» بصرامة.. حتى لو احتاج الأمر لمنح جهة محددة «الضبطية القضائية» للتفتيش على تلك الورش وعلى الحقول أيضا وتطبيق القانون على «صاحب العمل».. ساعتها فقط ستعرف الأسر الفقيرة أن الأطفال عبء وليسوا «عزوة».. وأنهم حولوهم إلى أنصاف آدميين بالخدمة فى المنازل والعمل مع عصابات النشل!.
«تحديد النسل» ليس عارا.. لكنه مفهوم ملتبس فى مجتمع جاهل، «مجهول» فى قرى فقيرة نائية محرومة من العلم والخطاب الدينى المعتدل.. وكأنها سقطت سهوا من خريطة الحكومة!!.
نقلا عن المصري اليوم