ألبير ثابت
فهيم فضيلة القناعة تكسب الإنسان غني النفس وقوة الإيمان ، والرضا بما قسم له بل تجعل الإنسان يعيش حياة هانئة طيبة
دون نميمة وحسد ، كما أنها تعطي راحة للبال والنفس ، والبعد عن دائرة الهموم والتوترات والاكتئاب وسبب لنيل محبة الله
، وطريق يؤدي إلي الجنة . فغنى النفس خير من غنى المال ، كما أن السعادة الحقيقية ليس في امتلاك الأشياء بل في
سيادتنا وسيطرتنا علي نفوسنا. فالعين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع . فالقناعة هي امتلاء القلب بالرضا
، والبعد عن السخط والشكوى بل تعتبر أعلى درجة يمكن للإنسان أن يصل إليها، لأن الإنسان القنوع هو من عرف حقيقة نفسه
، واقتنع بحالته . يقول القديس أغسطينوس: جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي أني لا أخاف شيئًا ولا
أشتهي شيئًا ، ويقول القديس بولس في رسالته إلي أهل فيلبى : ( تعلّمت أن أكون مكتفياً ) .
وفي هذا السياق أود أن أشير إلى القصة التالية : دخل أحد الأطفال إلى أحد المطاعم المزدحمة وجلس على إحدى
الطاولات وسأل الفتاة العاملة : هل يوجد آيس كريم بالشيكولاته ؟
فإجابته نعم يوجد ثم سألها بكم الآيس كريم بالشيكولاته هنا ؟ أجابته بخمسة جنيهات . سألها مرة أخرى بكم الآيس كريم بدون شئ ( حليب فقط ) فإجابته بتأفف بأربعة جنيهات
... طلب منها أن تأتى له بكوب من الايس كريم حليب فقط ، فأحضرت الطلب وظل الطفل يأكل وهو مستمتع وفى هذا
الوقت ازدحم المكان ووقف البعض في انتظار الطفل ، وكانت الفتاه العاملة تنظر للطفل بغيظ لملابسه البسيطة ولاعتزازه
بنفسه وثقته وبطئه بالأكل والبعض بالانتظار أن ينهى الطفل الآيس كريم .. ثم قام الطفل وطلب الفتاة وترك الحساب على
الطاولة ، فأسرعت الفتاة لتنظف الطاولة وتأخذ الحساب ، وهنا كانت المفاجئة التي أدمعت الفتاة ... الطفل ترك خمسة
جنيهات أي أنه حرم نفسه من الآيس كريم بالشيكولاتة لكي يترك للفتاة الجنيه الخامس بقشيشاً لها .
أحيانا نخطئ في الحكم على البعض وأحيانا ننظر للبعض هذا غنى وهذا فقير، كما نحكم على البعض من خلال المستوى
المادي للشخص قد يكون الإنسان الذي أمامي غنياً ولكن نفسه داخليا فقير فكل كنوز العالم لا تغنيه لأنه لا يشعر بالرضا
والغنى الداخلي وأحيانا يكون الإنسان فقيراً ولكنه غنى ... غنى لأنه يشعر داخليا بالغنى وأنه قانع بما يملك ، ولا ينظر
للآخرين ولا يحمل في قلبه شهوة أو طمع لما يملكه الآخرين ، كما أن القانع يشكر ربه دائماً . لذا نجد أن فضيلة القناعة
ضد الطمع . يقول الشاعـر في هذا المعنى :
غنى النفس ما يكفيك من سد خلة ... فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقـراً .
كما قال أحد الحكماء : وجدت أطول الناس غما الحسود، وأهناهم عيشًا القنوع .
ومن القصائد العربية النيرة :
النفس تجــــــزع أن تكون فقيرة ... والفقـــــــر خير من غنـى يطغيـــــــها
وغنى النفوس هو الكفاف ... فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها
وأخيراً ، أنهى طرحي بالكلمة الدائمة للكاتبة / جويس ماير : ( يارب أختار أن أنعم بالسلام والشعور بالاكتفاء والرضا بغض النظر عن الظروف ) .