بقلم: حامد الحمداني
مرت بسلام الانتخابات النيابية اللبنانية يوم السابع من حزيران بسلام بعد تلك الحملة الانتخابية التي اتسمت بالصراع السياسي العنيف بين جبهة قوى 14 آذار بزعامة السيد سعد الحريري التي ضمت كتلة المستقبل بالتحالف مع حزب الكتائب اللبنانية بزعامة السيد أمين الجميل، وحزب القوات اللبنانية، بزعامة السيد سمير جعجع والحزب الاشتراكي التقدمي بزعامة السيد وليد جنبلاط بالإضافة إلى العديد من الشخصيات المستقلة، وبين جبهة 8 آذار بقيادة السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله، بالتحالف مع حركة أمل بزعامة السيد نبيه بري، وحركة الإصلاح والتغيير بزعامة الجنرال ميشيل عون، وتيار المردة بزعامة السيد سليمان فرنجية.
فقد كان الصراع على أشده بين التيارين المتباعدين في توجهاتهما ونظرتهما حول مستقبل لبنان، ولاسيما وأن حزب الله الذي يمتلك ميليشيا ذات تسليح يتجاوز إلى حد كبير تسليح الجيش اللبناني، وأن هذا السلاح الذي كان يُدعى بسلاح المقاومة ضد إسرائيل قد جرى استخدمه في السابع من أيار 2008 في الداخل اللبناني ضد الخصم المتمثل بقوى 14 آذار حيث جرى احتلال بيروت من قبل ميليشيا الحزب ، وكادت الأمور أن تأخذ لبنان إلى الحرب الأهلية الكارثية لولا الجهود العربية والدولية والوطنية التي انتهت بمؤتمر الدوحة المعروف.
كان أمل جبهة قوى 8 آذار في تحقيق الغالبية في الانتخابات، وتشكيل الحكومة الجديدة، وبطبيعة الحال كان فوزها يعني إجراء تغيرات كبيرة في توجهات الدولة اللبنانية ونظامها القائم على أساس اتفاقية الطائف التي انتهت 15 عاماً من الحرب الأهلية المدمرة، والتي تتالت تصريحات من جانب زعماء هذه الجبهة بإجراء تعديلات على تلك الاتفاقية، وعلى الدستور اللبناني.
وفي المقابل كانت جبهة قوى 14 آذار ينتابها القلق الشديد مما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات، ولاسيما وأنها كانت قد اٌستهدفت كما ذكرنا من قبل ميليشيا حزب الله التي احتلت بيروت والجبل في 7 أيار 2008، وبوجه خاض كان القلق ينتاب المسيحيين على مستقبلهم في ظل حكومة يقودها حزب الله الشيعي المرتبط بإيران وسوريا، وما يمكن أن يجر حزب الله البلاد إلى حرب جديدة مع إسرائيل، ولاسيما وأن التهديدات الإسرائيلية والتهديدات الإيرانية المقابلة بشن الحرب والاحتمال الكبير بمشاركة حزب الله في أية حرب تندلع بين الطرفين، مما يمكن أن يقود لبنان إلى كارثة غير مسبوقة.
ولذلك حشدت جبهة قوى 14 آذار كل ما تستطيع من إمكاناتها للحيلولة دون فوز جبهة 8 آذار في هذه المعركة الانتخابية التي اتسمت بأهمية بالغة، وشراسة منقطعة النضير من قبل الطرفين، وكان معظم المحللين السياسيين اللبنانيين والعرب قد توقعوا أن يكون الفارق بين الجبهتين في المعركة الانتخابية ضئيل جداً لا يتعدى مقعداً واحداً أو مقعدين.
وكان زعيم جبهة قوى 14 آذار السيد سعد الحريري قد أعلن أنه سيقبل نتائج الانتخابات أي كان الفائز فيها، لكن جبهته لن تشترك في حكومة تشكلها جبهة 8 آذار، في حين صرح السيد حسن نصر الله وبعض قادة الحزب أن لبنان لا يمكن أن يقوده طرف واحد، وأنهم لا بد أن يكون لهم ثلث معطل في أية حكومة في حالة فوز قائمة 14 آذار.
واليوم وقد انتهت الانتخابات بسلام، وجاءت نتائجها مفاجئة للجميع حيث فازت فيها جبهة قوى 14 آذار بفارق 14 مقعداً [ 71 مقعداً لقوى 14آذار مقابل 57 مقعداً لقوى 8 آذار]. وتدور على السنة الجميع تساؤلات عديدة عن مستقبل الوضع السياسي في لبنان:
• كيف ستشكل جبهة قوى 14 آذار الحكومة الجديدة ، هل بمفردها أم بالاشتراك مع جبهة 8 آذار؟
• ما هي الشروط التي ستحدد طبيعة المشاركة من قبل الطرفين، وهل سيصر قادة قوى 8 آذار على ما يسمى بالثلث المعطل؟
• هل يمكن أن تقبل جبهة 14 آذار بالثلث المعطل والذي سيعيد بدوره نظام الحكم في لبنان إلى تلك الدوامة التي استمرت طيلة السنتين الماضيتين، والتي تميزت بتعطيل مؤسسات الدولة، وعمل مجلس الوزراء، والبرلمان الذي تم إغلاقه من قبل قوى 8 آذار، والاعتصام في ساحات وشوراع بيروت، في محاولة لإسقاط حكومة السيد فوأد السينورا؟
• هل يقبل حزب الله بنزع سلاحه، وتسليمه إلى الحكومة الشرعية ؟
• هل سيبقى قرار السلم والحرب بيد زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله؟
• هل ستقبل حكومة جبهة قوى 14 آذار ببقاء جيش موازي لجيش الدولة الرسمي، وبسلاح يتجاوز سلاحه كماً ونوعاً؟
• ماذا سيكون موقف مجلس الأمن من استمرار تمسك حزب الله بسلاحه خلافاً لقراره بنزعه، وتحوله إلى حزب سياسي كبقية الأحزاب السياسية اللبنانية؟
• ماذا سيكون رد فعل حكومة جبهة قوى 14 آذار أذا ما أصر حزب الله على مواقفه، ورفض نزع سلاحه.
• هل يمكن أن يستمر السلم الأهلي في لبنان إذا ما بقيت الأحوال المشحونة بالمخاطر على حالها ؟
أسئلة كثيرة، ومشاكل معقدة، ومخاطر جسيمة من تحول الصراع السياسي القائم حاليا إلى محاولة فرض إرادة قوى 8 آذار شروطها بالقوة، مما يحول دون تمكن الحكومة الجديدة من القيام بمهامها، ويعرض أمن وسلامة الشعب اللبناني لمخاطر كبيرة بات يتحسس بتكرارها.
إن مسؤولية الولايات المتحدة بوجه خاص، والمجتمع الدولي بوجه عام، تتطلب العمل على تحقيق حل جذري لمشكلة الشرق الأوسط دون إبطاء، وهذا الحل يتلخص بإجبار إسرائيل على الانسحاب من الضفة الغربية والجولان السورية، ومزارع شبعا بصورة كاملة، بما فيها القدس العربية، وإيجاد حل دائم ونهائي للاجئين الفلسطينيين في الشتات، من خلال إسكان جانب منهم في المستعمرات الإسرائيلية المشيدة في الضفة الغربية، وبقية انحاء الضفة الغربية، وتعويض من لا يود العودة تعويضاً عادلا، وإيجاد ملجأ آمن ودائمي لهم يؤمن لهم وللأجيال القادمة من أبنائهم عيشة محترمة في ظل وطن يرعاهم كمواطنين دائمين دون تمييز، وكف حكام إسرائيل عن المماطلة في إقامة الدولة الفلسطينية على كامل الضفة الغربية وغزة حتى حدود الرابع من حزيران عام 1967، مع ضمان الأمن السلام في الدولة الفلسطينية الوليدة من قبل قوات دولية مؤقتة تساعد قوات الأمن الفلسطينية، وتسحب الذريعة لمماطلة حكومة إسرائيل بحجة الخوف من مخاطر الإرهاب كما تدعي، وإزالة جدار الفصل العنصري، وإقامة العلاقات الطبيعية مع الفلسطينيين، ومع سوريا ولبنان قائمة على أساس احترام سيادة واستقلال جيرانها، ونبذ العدوان والتسلط واغتصاب الأرض بحجج واهية لا تنطلي على أحد .
إن تحقيق هذا الحل سيسقط كل حجج حزب الله ويجبره على نزع سلاحه سلميا، وتحوله إلى حزب سياسي شانه شان الأحزاب اللبنانية الأخرى، فلا يمكن أن تقبل أية دولة بوجود حزب سياسي مسلح بأسلحة تفوق سلاح جيشها الوطني، ويبقى سيفاً مسلطاً على رقاب الشعب .