رومانى صبرى
سألني صديق ذات يوم عن سينما رأفت الميهي حيث لم يكن قد أبصرها ، قلت له : سينما رأفت الميهي ربما تشعرك ببعض الضيق لكن في النهاية ستجد نفسك سعيدا ، تضحك من كوميديتها السوداء ، ستبهرك فانتازيتها وواقعيتها ، لن يستطيع الملل ان يحط رحاله داخلك وانت تشاهدها . رأفت الميهي هو السينما التي تكشف الواقع وتعريه وتشنق السائد و تفضح الموروث دون ان ترتدي زي رجل الدين الذي يحمل في يده مبخرة ليباركنا ، او تعيش في دور الواعظ العلماني . مدرس العلوم في المعمل يقوم بتخدير الضفدعة ، ثم يشق بطنها ويفرغ احشائها لان العلم يرى في ذلك حسن ، يحق للفن ايضا ان يخرج ما في باطن المجتمع ويقدمه عن طريق الكوميديا السوداء ، الفنتازيا ، الدراما ... الخ ، لكل شكل ما يؤيده . حياتنا الإنسانية منقسمة الي فئات من البشر لذلك يجب علينا ان نتهيأ لاستقبال الافكار الفنية المختلفة احتراما للمنطق ! ثمة تناقض كبير في المجتمع الشرقي تجاه نظرته للفيلم واعمال الميهي كانت صادمة لكثيرين في وقت عرضها . سينما الميهي لم تكن تلك السينما التجارية بالمعني ، هناك فرق كبير بين القتل والانتحار حتي وان تشابها ! الواقعية و الفانتازيا والفوضي في افلام الميهي تحررنا من اقمصتنا الحرير الخادعة ، تجعنلنا نعزي انفسنا بانفسنا ، حتي نطرح داخلنا السؤال العظيم : هل سنبقى طويلا هكذا ؟ هل نستسلم لما وصل اليه المجتمع ؟ ام اننا في وضع جيد ؟! . عندما ولدت السينما في فرنسا كان الانسان اول من ابصرته الكاميرا السينمائية عند خروجه من المصنع .
في عام 1895 اخترع الاخوة لومير ( السينما ) -جهاز العرض السينمائي - عندما اكتشفا الحركة القريبة للحركة الطبيعية للانسان والاشياء ، وذلك عن طريق تحريك 16 كادر من الصور الثابتة في الثانية الواحدة ، لذلك كنا نشاهد الحركة في الافلام الصامتة سريعة عن الحركة الطبيعية للانسان علي ارض الواقع . كان اول افلام اخوان لومير هو خروج العمال من المصنع و وصول القطار الي المحطة حيث قاما بتصوير القطار من زواية قاما بدراستها جيدا قبل وضع الكاميرا والتي اظهرت مقدمة القطار في خلفية الكادر اولا ثم ظهور باقي عربات القطار كلما اقترب من الكاميرا وهو الاسلوب الاكثر استخداما حتي يومنا هذا في تصوير مشاهد القطارات في السينما ، فولدت السينما التسجيلية التي صورت حياة الناس العادية علي ايدي اخوان لومير ، فحملها الانسان الادب ومشاكله ، واستخدمها في تصوير مسرحيات شكسبير في ذلك الوقت
وتعد رواية من الارض الى القمر من اولي الروايات التي تحولت الي فيلم سينمائي صامت يحمل اسم رحلة الي القمر اخرجه الفرنسي جورج ميلييس في فرنسا ، وسبق الفيلم عصره من حيث التصوير والخدع المبهرة والصورة حيث تم انتاجه في عام 1902 ، بدأ الانسان يكرس نفسه في تطوير السينما ، فتوصل الي الحركة الطبيعية للانسان وذلك عن طريق تحريك 24 كادر من الصور الثابتة في الثانية فاصبحت حركة الانسان والاشياء طبيعية داخل الفيلم ، ثم اخترع الصوت والالوان.. الخ ، وبذلك صارت الشعوب اقوى بالسينما ، واقترب الانسان منها مثلما يقترب العاشق من عشيقته ليضم كتفيها . ليس من الصعب فهم هذا اﻷمر ، هذا ما يقوله الواقع . يولد الانسان باكيا ، لم نسمع ذات يوم عن أولئك الذين ولدوا وهم يضحكون ، منذ بداية مولدنا ونحن في حاجة للشكوى ، نقضي تسعة اشهر في رحم يحكمه الصمت حتي نخرج الي الضجيج فلا يسعنا الا ان نبكي ، كلنا هذا الانسان ، لذلك استخدم الانسان السينما والادب والموسيقي والرسم والنحت ليعبر عن اشياء تسكن داخله كا صراعه مع الاشتهاء وتحقيق الذات وحياته المشحونة بالقلق والخوف .
عندما وطأت اقدام الميهي ارض السينما حملت افلامه مشاكل المواطن المصري وصراعه الداخلي والمادي والاسئلة الكثيرة التي تنازعه دون ان يفقد الفيلم جماله او ان يقع في دراما الندب والنواح ، وهذا ما يميز سينما الميهي ومحمد خان وداود عبد السيد وخيري بشارة وعاطف الطيب وسعيد مرزوق وشادي عبد السلام حيث لم يعد الفيلم ذلك العجوز الكهل الذي تحرقه شمس القواعد القاسية وظروف الانتاج التجاري . ولد الميهي عام 1940 وتخرج من كلية الاداب ثم قام بدراسة الاخراج السينمائي وحصل علي دبلوم معهد السينما بدأ الميهي كاتبا للسيناريو فكتب سيناريو فيلم غروب وشروق وعلي من نطلق الرصاص والهارب . اقول دائما لا يجب علينا ان نخشى من مخرجا بدأ حياته كاتبا ، ليس هناك اعظم من ان يصبح الكاتب مخرجا . سينما المؤلف سينما خاصة ، مميزة ، جريئة وحالمة ، لا تلتفت كثيرا للقواعد الجامدة التي قد تحد من ابداعها . مشهد قد يمتد لاكثر من خمس دقائق قد يتسبب في خوف مخرجه لو كان من هؤلاء الذين يسيرون بجوار الحائط من اجل الشهرة واكل العيش ،
ربما سيقوم بالتحدث مع كاتب السيناريو في الامر قائلا : سوف يشعر المشاهدون بالملل لم نتعلم ذلك ! . فانتازيا الميهي وكوميديته السوداء ربما تجعل المشاهد ينهار من الضحك وداخله قد تخضل بالدموع لانه يعلم انها سينما تخاطبه ومما لا شك فيه فانه سوف يجد من يشبهه في الفيلم ، من ينسي الصول عبد الجبار في الافوكاتو الذي اصبح مثل النعش الذي لا يمانع في ان يحمله اي احد ، لقد قتلت الحاجة عبد الجبار فجعتله عبدا لحسن سبانخ المحامي الذي يحترف التلاعب بالقانون ومن يملكون النفوذ والمال امثال حسونة محرم وسليم ابو زيد . في فيلمه سمك لبن تمر هندي يقرر والد كلا من حسن سبانخ واحمد سبانخ السفر للعمل بالخارج ليساعد ابنه احمد في تكاليف الزواج وليكفر عن خطيئته تجاة ابناءه لانه من انجبهم في هذا العالم وساعدهم حتي حصلوا علي شهادات جماعية ، يجتمع احمد سبانخ مع والده في مستشفي مكافحة مشاغبي العالم فنجد الوالد العجوز يقدم اعتذار لابنه وهذا يعتبر من الكبائر لدي الكثيرين في مجتمعنا الشرقي . سينما الميهي تستطيع ان تقول كل شيء واي شيء ولا تعرف افلام الذاتيه والخطابة ، لان مثل تلك الافلام كالصداع ، ، يجب ان يكون هناك فرق بين الخطبة الدينية و العمل الفني ! من يبحث عن الرسائل فلديه كتبه الدينية ، والقصص المحلية المصورة التي كانت تباع بخمسون قرشا امام المدارس . اعتقد ان هناك مبررا كبيرا ساعدني في قول ذلك ! نحن لا نذهب الي السينما بمريلة المدرسة !
البداية كمخرج - عيون لا تنام - واقعية صريحة بعيدة عن الفنتازيا
يعد فيلم عيون لا تنام من اهم افلام الواقعية الجديدة في حقبة الثمانينات وهو الفيلم المأخوذ عن المسرحية الامريكية رغبة تحت شجرة الدردار لأوجين أونيل . كتب الميهي له السيناريو والحوار وكان تجربته الاولي في عالم الاخراج ، لم يتخبط الميهي كثيرا في تحديد اسلوبه كمخرج مثل يوسف شاهين ، ،اعتقد انه كان يريد ان يدخل الكوميديا السوداء و الفنتازيا الخاصة به علي الفيلم المصري قبل ان يقوم باخراج فيلم عيون لا تنام لانه سرعان ما خلع سترة الواقعية الدرامية الصريحة بعد عيون لا تنام حتي وان عاد اليها بعد ذلك في مختلف ايضا . يكشف عيون لا تنام عن هشاشة المجتمع ، وصعوبة الحياة وسط الصدأ المجتمعي والفقر والاحباط والانانية والازدحام حيث من السهل التنبأ باستحالة رؤية حبيبين يتسكعون داخل شوارعه بعد عشر سنوات وتوقع نهايات مشؤومة لاطفاله مثل ابن اسماعيل ومحاسن ، الطفل الذي ولد فوجد ابيه مقتولا وامه فارقت الحياة وعمه قد اصابه الجنون .محاسن فتاة مريضة بالفقر ، يعرقل جمالها وفقرها الاسطى ابراهيم العجوز صاحب ورشة السيارات فيتزوجها لان فقرها جعلها صيد ثمين له .
تقع محاسن في صراع مع اخوته الذين يرفضون تلك الزيجة ظنا منهم بان محاسن سوف تشاركهم بعد زمن في الارض والورشة ، يقرر ابراهيم شراء نصيب اخوته بثمن بخس حتي يذهبون بعيدا عنه ، يرفض اسماعيل الاخ الاصغر الغير شقيق لابراهيم ويقرر البقاء حتى يحصل علي حقه كاملا . يكن كل من اسماعيل ومحاسن الكراهية لبعضهم ، ينصب اسماعيل لمحاسن فخا فيعتدي عليها ابراهيم بالضرب . بعد تلك الواقعة تجتاح ابراهيم مشاعر طيبة تجاه محاسن ، يدرك انها مثله تشاركه ذلك الظمأ الداخلي الذي تسبب فيه اللامعقول والخيبة والضعف الذي يحيط بهما معا امام السطوة البشرية المتمثلة في ابراهيم ، وان حربه مع ابراهيم وليست معها ، فيقرر الاعتراف لابراهيم بفعلته ، فيطرده الاخير من الورشة والمنزل .
اصبح اسماعيل لا يكف عن النظر الي محاسن . يوقع الحب اسماعيل ومحاسن في شباكه ، فيدركون لاول مرة ذلك الشيء العظيم الذي ساعدهم في نسيان الماضي ، والبعيد عن فكرة جسدا يشتهي جسدا وهذا ما سوف تؤكده نهاية الفيلم . تحمل محاسن من اسماعيل ، فيطلب منها ان تخبر ابراهيم بانها حامل منه لانه يعلم كم يحتاج اخيه الى ذكر ليورثه وبذلك يستطيع ان يضمن ان يعود له حقه . تستسلم محاسن في النهاية بعد ان توبخ ابراهيم . في يوم الولادة يخبر الطبيب ابراهيم بانه يجب عليه ان يختار بين الام او الجنين فيختار ابراهيم الجنين فيدرك اسماعيل ان محاسن بالنسبة لابراهيم مثلها مثل الوعاء فينتصر عليه حبه لمحاسن ويبعده عن خطته فيحاول اقناع ابراهيم بالرجوع عن قراره ، لكن الاخير يرفض انه في حاجة الي وريث وسوف يضحي بالمئات من محاسن من اجل ذلك الهدف الذي باركه وقدسه المجتمع للذكر ، يتملك الغضب اسماعيل فيقتل ابراهيم ويصاب بالجنون . تموت محاسن في النهاية مثلها مثل كل انسان ضعيف لا يستطيع حماية نفسه من الواصيين عليه . لقد كانت نهاية شديدة البؤس والواقعية و صراخ طفل اسماعيل ومحاسن في المشهد كان مثل الانذار الذي يحذرنا من المستقبل الذي سوف يقصد اهانتنا بإجحاف دون ان يرتجل لاننا من صنعناه .
الافوكاتو كوميديا سوداء تكشف عن شلل الانسان امام المال ( فيلم الازمة )
يضعنا الميهي في فيلم الافوكاتو الذي كتب القصة والسيناريو والحوار له امام خطورة التلاعب بالقانون وسط فوضى المجتمع ، يتلاعب حسن سبانخ القانون من اجل مصلحته الشخصية . انه زمن جني الكثير من الاموال قبل التقاعد . دوافع اتجاه ابطال الفيلم ليست دوافع من اجل الثقافة او اعتناق فكر معين بل هي دوافع من اجل المصلحة الشخصية وتحقيق الذات المتمثل في النقود بعدما قضي الانفتاح علي الكثير من المسميات . حسن سبانخ يعلم خبايا مجتمعه اكثر من رغبته في جمع الاموال ، احدث الفيلم ازمة كبيرة عند عرضه فخاض القاضي مرتضي منصور الشاب في ذلك الوقت حربا شرسه معه وفي النهاية استقال من القضاء بعدما فشل في وقف الفيلم وقال جملته الشهيرة : القانون في مصر لا يطبق الا علي الفقراء لان دوافع اتجاهه تخبره بانه من المستحيل ان يتغزل ثلاثة من القضاة في امرأة بسبب جمالها داخل قاعة المحكمة ومن المستحيل وجود ذلك الافوكاتو في الواقع ، وهذا امر لابد وان يحدث لاننا دائما ما نحمل الفيلم الكثير لا نستطيع ان نتعامل معه بلغته . . الميهي يدرك جيدا ضعف النفس البشرية داخل دائرة التجارب والمجتمع ، حتي الانبياء والقديسين فهم اولا واخيرا بشرا . مشهد مرافعة حسن سبانخ لمؤكله حسونة محرم والمكسو بالكوميديا السوداء ما هو الا مشهد يكشف عن واقعنا بعد الانفتاح في حياة اصبحت غنية باللامعني ، ليس هذا فقط المشهد يقول ان الانسان ربما لا يستطيع ان يكافح ميله تجاه احد حتي وان كان قاضيا وبرغم ذلك المشهد لم يشيطن القضاه . نحن نسمع عن فساد بعض القضاه في امريكا وكشفهم والقبض عليهم ، . وبرغم كل ذلك لم يوقف الميهي اي شيء او ان يجعله يغير من قناعاته .
المرأة في سينما الميهي - السادة الرجال ثورة حواء لتبكيت المجتمع
المرأة في سينما الميهي يحق لها ان تثور وان تتطاول علي الموروث والسائد ، تستسلم لغضبها عندما يطفح بها الكيل ولاي شيء بإمكانه القضاء علي تعساتها وضعفها حتي وان كان لبعض الوقت ، بهذة الطريقة تجد لحياتها مبررا . في فيلمه السادة الرجال ، تتخلي المرأة عن انوثتها فتقرر ان تخضع لعملية تخلصها من انوثتها وتحولها الي رجل اي نحن امام فيلم تعتريه الكوميديا السوداء والفنتازيا الصريحة . انه فيلم تكمن حقيقته في قتل الانسان لنفسه حتي يحصل علي مزايا لم يكن ليحصل عليها لو ظل ذلك الانسان الذي كان عليه ، ليس هناك اسوأ من ان تزدريء حواء انوثتها فتقتلها ، لا لانها تريد ان تكون رجلا ولكن بسبب سطوة الرجل الوهمية والالوهية التي يمنحها له المجتمع ورجال الدين . انها تستطيع ان تمارس معك الحب وانت غارق في عرقك لكنها لا تستطيع السماح لاصابعك بمداعبة خصلات شعرها وهي تعلم انك تراها اقل منك شأنا ، لم يكن في نية الرجل ان يعادي السماء ويغضب الله كما رود البعض ، ان بحثنا عن الشر المطلق فهو الرجل الذي سلم نفسه لعادات وتقاليد تقضي علي حياة الاخرين وتسلبهم احترامهم لانفسهم . لا اقصد ان انفض كل شيء عن المرأة والصقها بالرجل ولكن ليس ذلك موضوعنا الان . لقد انتصر شرف النفس وكرامتها علي فوزية فقررت ان لا تكون نصف انسان ، قتل فوزية لانوثتها هو الصفعة التي صفع بها الميهي المجتمع ، ايعقل ان يكون هناك عالما من غير انوثة ! ولان سينما الميهي لا تشيطن الانسان بل توضح بؤسه الذي سببه ادمانه للعادات والتقاليد فنحن نرى الزوج في نهاية الفيلم يقرر ان يتحول الي امرأة من اجل ابنه و لكي يدفع ثمن اخطائه
سمك لبن تمر هندي - فانتازيا صريحة تتفق مع الواقع المجتمعي والدولي
ينجح الميهي في سمك لبن تمر هندي بمزج الواقع مع الفانتازيا كالعادة . وهو ما يميز فنتازيا الميهي عن فنتازيا هوليوود والتي عندما نشاهدها نقول بانه من المستحيل ان يتحقق كل ذلك الخيال والفوضى في الواقع او في المستقبل حتي العلم لن يستطيع تحقيق كل ذلك الخيال ! . في سمك لبن تمر هندي نشاهد الدكتور وهو يقوم بشواء قلب مريض داخل مستشفى مكافحة مشاغبي العالم ويضعه داخل رغيف وياكله ، اذا ربطنا ذلك المشهد الفنتازي بالواقع الحالي او حتي بالواقع وقتها سنجده لم يخرج عن واقعية المجتمع المالي الموحش الذي نعيش فيه . يريد الميهي من خلال سمك لبن تمر هندي البقاء داخل نفس مجتمع حسن سبانخ الافوكاتو الذي يستسلم للمجتمع المادي فيعانق الانفتاح ويحترف اللعب بالقانون من اجل مصالحه ولكن ذلك المرة من خلال اخيه الشقيق ، حيث تدور احداث الفيلم حول الطبيب البيطري احمد سبانخ الذي يقف في وجه المجتمع المحلي والدولي بعد مقتل ابيه في الخارج ، يتهم الانتربول الدولي احمد سبانخ وحبيبته بانهما يعملان داخل منظمة ارهابية ، يطاردهم الظابط ملاك حتي يوقع بهما ويضعهما داخل مستشفي مكافحة مشاغبي العالم حتي يحصل منهم علي الاعترافات الذي يريدها . يعلن احمد وحبيبته كفرهم بالسياسات والروتين وبمن يدعون الايمان حتي يصدقهم الفقراء ويصبحون مثل عرائس الماريونت في ايديهم . ، احمد سبانخ يفصح عن نفسه كمحارب لم يكن يريد خوض تلك الحرب لانها قد تكلفه حياته بل كان يطمع في ان يعيش حياة طبيعية مثل الانسان الاول ، سمك لبن تمر هندي يعري المجتمع ولا يخجل منه . اكثر ما اعجبني في الفيلم هو صراحته وايمانه بحق الانسان في مستقبل خالي من هؤلاء الذين يرتدون القناع الديني والسياسي ومن يعتبرون العالم قد خلق لهم فقط .
الميهي غارق في واقعه
لا يجيد الميهي السير علي نغمة واحدة مثل اعمال بعض المخرجين التي تحمل قضية واحدة يتم تكرراها في كل فيلم فتتسبب في اصابة المشاهد بالملل فيهرب منها لانه يكتشف ان ما يشاهده ليس الا خطبة سياسية داخل فيلم ، لذلك اصبحت افلام الهواه الجدد تسحقهم داخل دور العرض . يسلط الميهي الضوء في فيلمه علشان ربنا يحبك علي العطب والتشوه الذي اصاب العلاقات الزوجية في المجتمع من خلال سعاد التي تحمل زوجها الذنب في تعاستها فتحاول قتله . لم ينهك الميهي نفسه في تطوير قواعد الاخراج السينمائي بل عمل علي تطوير السيناريو ومعالجة المشهد باسلوب يميزه عن غيره ، لا يمكنني ان انكر ذلك البتة . افلام الميهي شابة في مواضعيها ، تحمل تكشيرة بريئة مثل حزن السمراوات . لم يتخذ اي فيلم من افلام الميهي الشكل الفظ وحتي ان تراءى ذلك للبعض . لو تخيلنا ان الرجل لم يصنع في تاريخه سوي الافلام التي تحدثت عنها ، اليست تلك الافلام تجعله من اعظم مخرجي العالم ؟! . تكاد الشمس تحرقنا في الصيف فنشكو ، عندما تفترس الانفلونزا الطفل تجعله طريح الفراش فيبكي ، يشتكي حي بأكمله من صوت النقل الثقيل الذي يجعل منازلهم تتراقص ، هذا هو العالم لذلك من حق الفيلم ايضا ان يشكو من شيئا ما !