الأقباط متحدون - كيف تقاومها ببراعة؟!
  • ١٨:١٩
  • السبت , ٢٨ يوليو ٢٠١٨
English version

كيف تقاومها ببراعة؟!

مقالات مختارة | مفيد فوزي

٥٣: ٠٨ ص +02:00 EET

السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٨

مفيد فوزي
مفيد فوزي

لست أقصد مقاومة جمال يخترق القشرة المخية كجمال رئيسة كرواتيا ولا أقصد مقاومة جمال فينسيا وهى تتهادى بقواربها السابحة فى شوارعها تحت ضوء القمر ولا أقصد هوليوود ليلة الأوسكار ونجوم العالم تزفهم الأضواء والجوائز.

أنا أقصد فى الواقع مقاومة «حشرة» ضارة تفتك بالدول والحكومات اسمها «الإشاعة» فيها جزء ضئيل جداً من الحقيقة وكأنه البدروم فى عمارة من الكذب والبهتان! وقد بحثت فى قاموس عربى قديم عن كلمة «البهتان» التى كنت أرددها دون أن أفهم فحواها. وعرفت أن البهتان «أشد من الكذب وهو ذنب يجمع بين الكذب والافتراء والزور» والبهتان هو الكذب وعدم مطابقة الخبر للواقع. والزور هو الذى سُوِّىَ وحُسِّن فى الظاهر ليحسب أنه صدق. أما البهتان فهو الشىء الذى لم يحدث ويؤكدون أنه حدث بالفعل وهم كاذبون منافقون. والإشاعة لها مصدر وأحياناً مصادر ولجذب الانتباه إليها يضاف إليها شىء من الحقيقة هدفه الإصغاء للنهاية أو القراءة حتى آخر سطر بحيث تُرَصّ الأكاذيب والأقاويل بصيغة ذكية. وفى مصنع أو معمل الإشاعات متخصصون فى السياسة وعلم النفس الاجتماعى يعرفون هندسة الإشاعة وتوقيتها وأين تلقى؟ فالإشاعة ربما تلقى فى المترو وربما فى طابور بوتاجاز وربما فى مدرج كرة. المهم هو التجمعات. ومن يبدأ بالإشاعة له صفات معينة وصوت يوحى بالإقناع وفى زمن عبدالناصر، كلف حسن إبراهيم أحد أعضاء ثورة يوليو بجمع الإشاعات المتداولة فى السوق. وكان عبدالناصر يسمعها ويرد عليها مستهلاً بكلمة «بيقولوا كذا وكذا»!

■ ■

تطورت «الحشرة» أقصد الإشاعة ودخلت عالم الميديا وصار للإشاعات معامل إلكترونية وميليشيات! صارت تلعب بالصورة والمعلومة وجزء من حقيقة ومقطع مزيف تم تسريبه وصورة مزورة وأرقام مزيفة. ومعامل الإشاعات تختار العشوائيات والمناطق الريفية والأماكن النائية وأخيراً المدن والمجتمعات العمرانية. وهى تلقى صدى ورواجاً بعيداً عن المدن والمجتمعات العمرانية. وقد تتسرب إلى محطات تليفزيون بعينها ولكن مواقع التواصل ورسائل الواتس آب مرتعها الأكبر. يعرف مصدرو الإشاعات أن «التجمعات» هى الأرض الخصبة من الانتشار فى ملعب كرة أو حفل عام إلى مواقع التواصل. وهم يصدرون أشخاصاً يقولون فى وسائل المواصلات كلاماً درامياً مشفوعاً بالبكاء عن أحداث لم تحدث بالمرة وهدفهم جذب الانتباه والتعاطف، وتتسع دائرة الانتشار كما لو ألقيت حجراً فى بحيرة! والناس ينقسمون إلى درجات. هناك من يصدق ص«الكذباية» ويسلمون بها وهناك من يرفضون هذا البهتان وهناك من «يُشَغِّل مخه»، ويزن الأمر ويقاومها ببراعة ويكتشف مدى الكذب فيما يقال. يتوقف الأمر على درجة الوعى، فهدف «الكذباية» التشكيك والتنغيص وإثارة الزوابع والتحريض على كراهية النظام. والدولة القوية لا تهزها الإشاعات.

■ ■

ما يساعد على انتشار الإشاعة والقابلية للتصديق، بعض حالات الضجر عند البعض وبعض حالات الضيق وبعض الكارهين لثورة يونيو وبعض الموالين المتعاطفين مع الأشرار فهم أصحاب المصلحة فى ضرب الاستقرار وزعزعته والتنفير من الحكم. صحيح أن الداخلية تترصد «معامل» الإشاعات ومن أين تأتى. وصحيح أن الأجهزة السيادية «تحلل» كل إشاعة على حدة وصحيح أن مجلس الوزراء يصدر نشرة تصحيح لأكاذيب تضمنتها هذه الإشاعات ويرسلها للصحف والشاشات، وزمان لم تكن هذه النشرات تلقى اهتماماً ولكنها اليوم تقابل اهتماماً غير عادى. ويرى المتخصصون أن ظهور المسؤول على الشاشات لقصف عمر الإشاعة ضرورى ويفرضه المنطق، وهناك رأى يعارض ويرى أن ظهور الوزير أو المحافظ يعطى الإشاعة أكبر من حجمها وقد يعتقد فريق ثالث أن تصدى الدولة لإشاعة ما بظهور أحد أفراد النظام يعكس أن لها نصيباً من الصحة!! ولهذا يحتاج الأمر إلى ميزان دقيق حين تنوى الدولة الرد على إشاعة ما. عموماً تنشط معامل الإشاعات وقت الأزمات: ارتفاع سعر تذكرة المترو مثلاً وارتفاع أسعار الوقود، فى هذه اللحظة تكون النفوس مهيأة لسيل من الإشاعات «تجد أذناً تصغى لها» وربما تتعاطف معها بعض الوقت ثم تفيق على حقائق دامغة، من هنا ينصح الخبراء بعدم «تمدد» الإشاعة فى البقعة السكانية أو المكانية التى تنبت فيها حتى لا تنتقل بسرعة «شرارة النار» وهو وصف دقيق للإشاعة فى زمن النازية ولعل أهم ما فطن إليه تقرير توضيح الحقائق ومقاومة الإشاعات بمهارة هو الاعتراف بأى حقيقة دون إخفائها أو التحايل عليها بعبارات وهمية فإذا كان هناك بعض من حقيقة اعترف التقرير بصحتها وإذا كان هناك إحصاءات دقيقة حول ضحايا حادث فإن التقرير لا ينفيها إن كانت حقيقية، وذلك لاكتساب «المصداقية» عند الناس وهو المطلوب فور انطلاق «شرارة النار»!

■ ■

إن أول حائط صد لمقاومة الإشاعات ببراعة هو وعى الناس ومدى ثقافتهم القومية وحجم التفافهم حول الرئيس الذى يرد هو الآخر على إشاعات استهدفت مصر فى برنامجه «اسأل الرئيس». الإشاعة، هذه الحشرة لن تُمْرِض جسد مصر الذى يتمتع بالمناعة.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع