الأقباط متحدون - 23 يوليو52 وانتكاسة مصر
  • ١١:٢٥
  • الأحد , ٢٢ يوليو ٢٠١٨
English version

23 يوليو52 وانتكاسة مصر

منير بشاي

مساحة رأي

٢٦: ٠٥ م +02:00 EET

الأحد ٢٢ يوليو ٢٠١٨

ارشيفية
ارشيفية

بقلم منير بشاى
فى 23 يوليو 1952 استطاع عدد من ضباط الجيش المصرى الذين أطلقوا على انفسهم اسم الضباط الأحرار الإطاحة بالاسرة العلوية التى اسسها محمد على الكبير وحكمت مصر منذ 1805.  كان محمد على من اصول البانية ويعمل ضابطا فى الجبش فى اواخر الخلافة العثمانية ونجح فى الوصول لحكم مصر ويعزى له الفضل فى تأسيس دولة مصر الحديثة.  وكان محمد على يؤمن بوضع الرجل المناسب فى المكان المناسب معطيا المصريين جميعا الفرصة المتكافئة للوصول الى أعلى المناصب بناء على الكفاءة وبغض النظر عن انتمائهم الدينى.  فى خلال حكم تلك الاسرة رأينا مصريين مسيحيين من الاقباط ومن الأرمن يصلون الى منصب رئيس الوزراء ووزارات سيادية مثل الخارجية والمالية ورئيس البرلمان.  بل وحتى المستعمر رأيناه لا يفرق بين المصريين فى العقاب فينفى المسيحى والمسلم على حد سواء نتيجة مواقفهم الوطنية ضد الاستعمار.

        قامت مجموعة الضباط الأحرار بالاطاحة بنظام لم يكن مثاليا ولكنه كان يتميز بكثير من الخصال الجيدة التى لم تراها مصر منذ ذلك الوقت.  كانت هناك ديمقراطية حقيقية  واقتصاد عفى.   وكانت مصر بلد الفرص التى يهاجر لها العرب بل والاوربيون من دول حوض البحر الأبيض المتوسط مثل اليونان وايطاليا وقبرص وتركيا وغيرها.  ولم تعرف مصر وقتها الارهاب أو ازمات فى المواصلات او الاسكان او الصحة او التعليم.

        ومع ذلك فما حدث فى 52 وما صاحبها من أمنيات أعطت المصريين فى البداية الأمل فى ان يروا مصر افضل مما كانت عليه.  كان المصريون يحسون بالفخر انه لأول مرة منذ آلاف السنين تحقق  لهم استقلالا فعليا وأصبح يحكمهم رجال من ابناء بلدهم.

والحق يقال انه لو استمرت مصر تحت قيادة اللواء محمد نجيب لكان الوضع قد اختلف.  فالرجل كانت له اجندة لبناء مصر الوطن والمواطن تحت شعار "الاتحاد والنظام والعمل". بل وكانت له خطة اجتماعية لتحديد الملكية الزراعية ولكن بخطوات محسوبة.  بينما جيل الشباب وعلى رأسهم جمال عبد الناصر لم يعجبه التفكير المتمهل فاستبعدوا محمد نجيب لتخلو لهم الساحة لإقرار اجندة متهورة.  وشخصيا احترم عبد الناصر الوطنى والانسان واقدر تعاطفه مع الفقير وحزمه كحاكم بل واقدر مشاريعه فى التصنيع وبناء السد العالى وانهاء ما تبقى من الاحتلال البريطانى.  ولكن أرفض سذاجته السياسية المصحوبة بالغرور والعناد واعتقد انه لم يكن يملك القدرات التى تؤهله لحكم بلد فى حجم مصر وان طموحاته فاقت امكانياته وامكانيات العرب.  حاول تاسيس دولة عظمى من العرب ففشل وناطح دولا عظمى اقوى منه فتحطم وحطم مصر معه.

لعل من أهم العوامل التى تسببت فى تقويض الاقتصاد المصرى بعد 52 كانت القرارات الاشتراكية التى كانت تهدف الى رفع شأن الفقير بإعطائه جزءا من ثروات الوطن.  ولكن رغم نبل الفكرة ظاهريا كانت غير صائبة.  فالإقتصاد القومى لا يستقيم بمجرد ان تسلب الغنى لتعطى الفقير.  بهذه الطريقة لا تستطيع ان تنهض بالفقير بل تحوّل الأغنياء الى فقراء.  فعندما اخذت الدولة آلاف الافدنة من الاغنياء واعطتهم للفقراء بواقع خمسة فدادين لكل اسرة فان هذه الأسر لم يكن لديها الخبرة الكافية لحسن ادارة تلك الاراضى.  ونتيجة لذلك وجدنا مصر تفشل زراعيا فتستورد الطعام الاساسى لقوت شعبها مثل القمح.  ثم رأينا الارض الزراعية يتم تفتيتها فالفدادين الخمسة لكل اسرة تم توزيعها بمرور الزمن وبعد وفاة الأب على الابناء لتصبح ربما فدانا لكل اسرة، وبعد وفاة الابناء تم تقسيمها على جيل الاحفاد لتصبح كل اسرة لا تمتلك غير بضعة قراريط.

وكان قانون تحديد ايجارات المساكن مأساة أخرى.  ذلك القانون حل المشكلة لفترة من الزمن  ولكن بعد ذلك عقّدها لدرجة اختفاء الشقق المعروضة للايجار.  واضطرت الدولة الى سن قانون جديد وبهذه الطريقة اصبحت تجد شقة ايجار قديم بمبلغ خمسة جنيهات وشقة ايجار جديد فى نفس المنطقة بعدة آلاف من الجنيهات.  واصبح مؤجرو الشقق القديمة كأنهم يمتلكونها ويستطيعون ان يورثوها لأولادهم بينما ملاك العقار الأصليون يعيشون فى فقر مدقع.

ولكن المغامرات العسكرية التى اشتركت فيها مصر كانت هى التى حطمت ما تبقى من اقتصادها.  الحروب العديدة انتهت بالهزيمة وتدمير قوة مصر العسكرية واستشهاد ابنائها واصابة الكثيرين بالعاهات.  هذه الحروب قامت اساسا لتحرير فلسطين ولكنها انتهت الى احتلال العدو للمزيد.  وان كنا نلتمس لعبد الناصر العذر فى فشل مشروعه الاصلاحى الى قلة خبرته فكيف نلتمس له العذر فى الفشل العسكرى الذى هو صميم اختصاصه؟  كنا نتوقع على الاقل ان يعرف قدر نفسه وقدر عدوه ولا يدخل فى معارك ليس كفءا لها ثم يبرر الهزيمة بعذر مضحك وهو "كنا ننتظر ان يأتوا لنا من الشرق ولكنهم اتوا من الغرب!"  هل كان يريد ان يحدد للعدو من اين يأتى؟! 

هناك تفاصيل كثيرة لا يتسع المجال للخوض فيها ومنها تحويل مصر الى دولة بوليسية يتجسس فيها جهاز أمن الدولة على المواطنين ولكل جهاز هناك جهاز آخر يتجسس عليه.  والمواطن يعيش فى رعب من  ان يأتى زوار الفجر ليقبضوا عليه ويلقوا به الى ما وراء الشمس.

من سخريات القدر ان يبدأ العد التنازلى لسقوط مصر عندما تحقق لمصر ان يحكمها ابناؤها بداية بالزعيم الأوحد ومرورا بالرئيس المؤمن ثم صاحب الضربة الأولى وانتهاء بمن وعدوا انهم يحملون الخير لمصر.  ومن المفارقات ان دولة مصر الحديثة التى أسسسها محمد على الألبانى  الجنس قد تحولت على يد البعض من أبناء مصر الى مجرد شبه الدولة.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع