شريعة المتعاقدين
مقالات مختارة | بقلم وجيه وهبة
الأحد ٢٢ يوليو ٢٠١٨
■ «يولد الإنسان حراً، ويوجد الإنسان مقيداً فى كل مكان، ويظن الإنسان أنه سيد الآخرين، بينما هو أكثر منهم تمسكاً بعبوديته». بهذه العبارة البليغة الصادمة، افتتح الفليسوف السويسرى/ الفرنسى «جان- جاك روسو Rousseau» الفصل الأول من كتابه «العقد الاجتماعى أو مبادئ الحقوق السياسية». ذلك الكتاب المثير للجدل ـ اتفاقاً واختلافاً ـ والذى لعب دوراً رئيسياً فى تغيير شكل العالم، والذى اعتبر بمثابة «إنجيل الثورة الفرنسية ١٧٨٩»، تلك الثورة التى نشبت بعد وفاة «روسو» بأحد عشر عاماً، رافعة شعاراته الشهيرة: «حرية.. مساواة.. إخاء»، مكتسحة مناطق عدة من العالم. ولكم كان تأثير «روسو» عظيماً فى فكر «التنوير» ورواده.
■ مفهوم «العقد الاجتماعى» مفهوم موغل فى القدم، وإن لم يحمل ذات الاسم عبر تناول الفلاسفة له فى العصور المختلفة. وهو ببساطة واختزال عقد افتراضى تخيلى غير موثق بين الحاكم والمحكومين، لإدارة شؤون البلاد، بما يحقق الصالح العام (وهو الآن يوثق فى صورة دساتير وقوانين وبرامج انتخابية، وتعهدات رئاسية... إلخ)، وبه يتم التحول من الحالة الطبيعية الفطرية للمجتمع البدائى إلى مجتمع يتوافق الجميع فيه على قواعد، يتنازل بموجبها الفرد عن قدر من حريته المطلقة مقابل تمتعه بقدر من الأمن والاستقرار والنظام، أى خضوع إرادته الحرة إلى الإرادة العامة. وتختلف تفاصيل دوافع وأسباب نشأة «العقد الاجتماعى»، بين «روسو» وبين من سبقوه، من فلاسفة، من أمثال «هوبز Hobbes» و«جون لوك Lock»، ولكن عقد روسو الاجتماعى ظل هو الأكثر بريقاً وهيمنة على معظم مسار تاريخ الاجتماع السياسى، ما بعد عصر التنوير. فعن نشأة «المجتمع السياسى»، فإن «روسو» يتحيز للطبيعة والريف والفطرة، فى مواجهة المدينة وأخلاق المدينة التى هى منبع الشرور، فى رأيه. كما عرض «روسو» إلى الحق فى التملك، وإلى «حيازة أول من استولى على الأرض بالقوة»، وأرجع السبب فى التقسيم الطبقى للمجتمع إلى الملكية (تملك الأرض). أما عن مفهوم «السيادة»، فهو لا ينحو نحو «هوبز» فى الإقرار بالسيادة المطلقة للحاكم (الملك)، ولا يلجأ إلى وسطية «لوك» فى رؤيته للسيادة، بل يتطرف فى إقراره بالسيادة المطلقة للشعب، وينادى بالجمهورية. وفيما يلى نعرض لبعض من عبارات «روسو» فى «العقد الاجتماعى»، اللافتة للنظر.
■ «يمكن أن تعد الأسرة أول نموذج للمجتمعات السياسية، حيث يكون الرئيس صورة الأب، والشعب صورة الأبناء، وبما أن الجميع يولدون أحراراً متساوين، فإنهم لا يتنازلون عن حريتهم إلا لنفعهم، والفرق هو أن حب الأب لأبنائه هو دافع رعايته لهم، فى حين أن شهوة قيادة الدولة تقوم لدى الرئيس- كدافع للرعاية- مقام هذا الحب الأبوى الذى لا يكنه الرئيس لرعاياه».
■ انتقد «روسو» مقولة «أرسطو» بأن: «الناس ليسوا متساوين بحكم الطبيعة، وإنما يولد بعضهم للعبودية ويولد الآخرون للسيطرة»، فقال بأن «أرسطو» كان سوف يكون محقاً، لو أنه «لم يتخذ المعلول محل العلة (النتيجة مكان السبب).. وأن «القوة صنعت العبيد الأولين والجبن أدامهم عبيدا».
■ «إن الذى يخسره الإنسان بالعقد الاجتماعى هو حريته الطبيعية (تلك التى تعتمد على قوة الفرد) وحقه المطلق فى كل ما يحاول وما يمكن أن يحصل عليه. أما الذى يكسبه فهو (الحرية المدنية) وتملك ما يجوز. ويجب التمييز بين الحرية الطبيعية التى لا حدود لها غير قوى الفرد، وبين الحرية المدنية المقيدة بالإرادة العامة…».
■ «.. حينما يكون الدافع للإنسان هو الشهوة وحدها، فإن ذلك هو العبودية ذاتها، وإن إطاعة القانون الذى نلزم به أنفسنا هو الحرية».
■ «غالباً ما يوجد اختلاف كبير بين (إرادة الجميع) La volonté de tous و(الإرادة العامة) La volonté générale، فالإرادة العامة لا تبالى بغير المصلحة المشتركة، أما إرادة الجميع فتعنى بالمصلحة الخاصة لكلٍ».
«… الإرادة العامة تكون دائماً على صواب، وتهدف إلى النفع العام دائماً، ولكن ذلك لا يعنى أن مداولات الشعب تكون على صواب دائماً. ونحن نريد ما فيه خير لنا دائماً، لكننا لا نرى ذلك دائماً، والشعب لا يٌرشى مطلقاً، غير أنه يُخدع فى أغلب الأحوال، وهنا فقط، يبدو كأنه يريد ما هو سيئ».
■ «العقد الاجتماعى»، كتاب يستحق القراءة، ويستحق أن نرى له ترجمة عصرية جاذبة لعموم القراء، بدلاً من تلك المتوفرة بالأسواق، بإشراف «اليونسكو»، والتى صدرت منذ عقود بعيدة، فهى وإن كانت ترجمة أمينة، إلا أنها طاردة، لا تتسم بالسلاسة الجاذبة، التى يتسم بها الأصل الفرنسى. واليسر لا يتعارض مع أمانة الترجمة.
■ ■ ■ ■
■ قرار الرئيس بإنهاء مهزلة ما سمى «الافتتاح الجزئى»، للمتحف المصرى الكبير، وتوجيهه بأن يكون الافتتاح كاملاً لكافة عناصر المتحف. هو قرار حكيم ويبين عن إعلاء صوت العقل والمصلحة العامة، فوق أى عناد فردى، أو مؤسسى.. أو تزيد فى المداهنة.
نقلا عن المصري اليوم