كيف غزت السعودية مصر وحضارتها؟ (تقرير)
محرر المتحدون ن.ى
السبت ٢١ يوليو ٢٠١٨
كتب - محرر الأقباط متحدون ن.ي
كيف تغيرت مصر، ولم تعد وريثة مشاريع التنوير، وكيف تمكن منها الغزو السعودي، وترك بصمته على أقدم المجتمعات العريقة تاريخيًا.. هاذ ما أجاب عنه تقرير نشره موقع رصيف 22.
تعود البداية إلى الحرب المستعرة بين المعسكر التقليدي المحافظ، والمعسكر التقدمي الاشتراكي، الذي يتبنى أفكار فصل الدين عن السياسة وتحرير المرأة، وذلك في خمسينيات القرن العشرين عندما احتضنت المملكة العربية السعودية جماعة الإخوان المسلمين الهاربين من مواجهة الرئيس المصري آنذاك جمال عبدالناصر.
في ذلك الوقت كانت مصر تمثل الفن بكل أنواعه، من تمثيل وغناء ورسم ونحت وغيره من الفنون المزدهرة، أما المجتمع السعودي فكان كل ذلك محرما، ويقيد تعليم المرأة، ويفرض عليها زيا معينا، وحتى الآن لا يزال جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غائبا عن الدولة المصرية، ولكنه ترسخ في المجتمع كرقابة ذاتية أفرزتها هجرة منظومة التفكير الاجتماعية من السعودية إلى مصر.
اختلاف أخر بين المجتمعين، حيث أن السعودي، هو مجتمع صحراوي، أحادي اللون لا يوجد به تنوع، فالاسلام السعودي جاء ليعبر عن تلك النظرة الأحادية لما هو صحيح وخاطئ وابيض وأسود، وكفر وإيمان بهامش ضيق جدا للنقاش والاختلاف، بينما تمثل المجتمعات المدنية التي بنيت منذ القدم على ضفاف الأنهار وفي بلاد الحدود المفتوحة فتحمل من الألوان الفكرية الكثير مما يجعل بنيتها أكثر تنوعا.
قامت السعودية بتقديم الرعاية للإخوان، الهاربين، حتى عصر السادات الذي أنشأ دولة شعارها "العلم والإيمان"، ثم ترك العنان لعودة الإخوان، وقد تزامن هذا مع سفر العمال المصريين إلى دول الخليج للعمل في مشاريع داخلية بعد عام 1973، لتخرج مصر من العزلة الاشتراكية إلى أسلوب حياة استهلاكية ذات سوق مفتوحة براقة الألوان تزخر بكل متطلبات الرفاهية، لتبدأ الحاجة الاقتصادية، والانكسار السياسي يلعبان دورا في الواقع الجديد لدى المصريين الذين يعيشون في السعودية، وأصبح النموذج السعودي بشقيه الاقتصادي والاجتماعي الديني هو أهم ما تصدره السعودية لمصر مع العائدين أو الزائرين من المصريين الذين بدأوا يربطون النعمة الاقتصادية بالتدين، لتبدأ رحلة تغيير الشخصية المصرية.
الإسلام السلفي
رصد مظاهر التغيير في عدة نقاط، أولها انتشار السلفية في مصر، حيث اعتمدوا على الدعم الفكري والمادي السعودي، وأصبح لهم تأثيرا قويا بين الشباب، بعد خلو الساحة لهم، وبعد انتشار البث الفضائي تزايدة شعبيتهم، وفرضوا تغييرا كبيرا على الإسلام الوسطي في مصر، وأصبحت المدرسة الإسلامية أكثر انتشارا من ذي قبل بفضل العائدين من السعودية، وتزايدت شعبية دعاة مثل أبي اسحق الحويني، ومحمد حسان وغيرهم.
مصر لم تكن أبدا تتبع المذهب الحنبلي، ولم يكن "ابن تيمية" من الشيوخ المؤثرين في الأزهر، أما الآن فقد أصبح المجتمع أكثر تقبلا لذلك، ومن المفارقة أنه حتى في التراث الشعبي كان المصريون يربطون بين المذهب الحنبلي والتشدد في المثل المعروف " ما تبقاش حنبلي".
المرأة
المظهر الثاني، من مظاهر الغزو السعودي هو معاملة المرأة، فقد أصبحت النظرة إلى المرأة محكومة بزيها، وإلى أي حد تراجعت الحريات الشخصية في مقابل القيود الاجتماعية الدينية التي فرضها التأثير الديني السعودي، ويحاول شيوخ الفضائيات استنساخ تجربة القرن السابع الميلادي وتصويره على أنه الاسلام الحق، ما تسبب في انتشار المحال التي تبيع الأزياء الاسلامية ولوازم النقاب وأنواعه وهو أمر لم تعهده مصر لفترة طويلة من القرن العشرين.
التراث الديني المصري
أما المظهر الثالث فهو التراث الديني، حيث تصطدم التعاليم القادمة من السعودية مع التراث المصري المتراكم عبر التارخي، وحتى يومنا هذا يتجدد هذا الصدام داخل مصر، حيث أن السلفيون المصريون يعدون الموالد المصرية والتي تمثل التجسيد الاجتماعي المصري للاحتفاء بالرموز الدينية شركا محرما، على الرغم أن هذه الاحتفالات كانت مصدرا ملهما ينهل منه الكتاب والملحنون والمغنون وكل من يريد دراسة وفهم التراث المصري.
نفس الأمر ينسحب على مدرسة تلاوة القرأن المصرية العريقة التي كانت في فترة سابقة الأكثر انتشارا في مصر والعالم العربي، حيث أن الدول العربية كانت تحتفي بالقراء المصريين، ولكن ذلك تراجع لصالح قراء المدرسة السعودية كالعفاسي والدوسري والقحطاني، وهي مدرسة تعتمد على الفهم الديني الأحادي أيضا، فهي تسعى لإيصال المعنى دون أي تجويد أو لمسات فنية كما هو الحال في المدرسة المصرية.
الأزهر
المظهر الرابع من مظاهر التأثير كان في الأزهر، هذه المؤسسة العريقة التي تعد الأهم في العالم المسلم السني شكل التمويل السعودي الآن نفوذا واضحا على أولوياته، ولم تعد رائدة في التجديد أو التقريب بين المسلمين، بل أصبحت وضع ثقله الديني ضد التشيع كجزء من صراع النفوذ في المنطقة بين السعودية وإيران، وهو ما يقرره الباحث المصري أيمن زهري في كتابه "دفتر أحوال المجتمع المصري"، موضحا أن "الإختراق الثقافي والإجتماعي الذي أحدثته هجرة المصريين لدول الخليج لا يمكن إختزاله في إرتداء الجلاليب البيضاء ذات الياقات المنتشاة أو اصطحاب الخادمات السريلانكيات والفلبينيات عند عودة الأسر المصرية لقضاء إجازة الصيف في مصر ولا إنتشار قيم المجتمع الاستهلاكي، فهذه التغيرات قد تكون إنعكاسا غير مباشر للتحولات العالمية حولنا، ولكن ما يؤلمنى هو إنحسار قيم التسامح والمودة والرحمة والبساطة، وإلاهتمام بالمظهر دون الجوهر"، لافتا إلى أن "النمط الثقافي والاجتماعي الوارد إلينا متستراً خلف الدنانير والريالات المبللة بعرق المصريين وجهدهم قد يكون أشد خطرا على المجتمع المصري من الغزو الثقافي القادم إلينا من الغرب".