قلق مصري وإسرائيلي من حوار أميركا والإخوان
تخوّف الرأي العام القوى السياسية المصرية من أن تساهم دعوة كلينتون للحوار مع الإخوان المسلمين بتقوية شوكة الجماعة ودعم سيطرتها على البرلمان والدستور الذين تتحضر لهما البلاد في سبتمبر المقبل. وكذلك طالت الهواجس إسرائيل التي تخوّفت بدورها من إضفاء الحوار شرعية دولية على الجماعة بشكل يهدد أمنها ومصالحها.
أثارت دعوة وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، جماعة "الإخوان المسلمون" للحوار مخاوف القوى السياسية والرأي العام المصري من أن تكون لهذا الحوار مساهمة في تقوية شوكة الجماعة في مواجهتها، مما قد يؤدي لسيطرتها على البرلمان المقبل، وفرض رؤيتها الخاصة على الدستور المزمع وضعه بعد الإنتخابات النيابية في سبتمبر المقبل. ولم تقف المخاوف عند الجبهة الداخليه فقط، بل تعدتها إلى الخارج، بحيث أعربت إسرائيل عن قلقها من هذا الحوار، معتبرة أنه سوف يضفي الشرعية الدولية على الإخوان، وسيكون موجها ضد أمنها ومصالحها، لاسيما أن هناك ارتباطاً ما بين إخوان مصر وحماس في قطاع غزة.
شروط الإخوان
إخوانياً، بدت جماعة الإخوان المسلمين وكأنها كانت في إنتظار تلك الدعوة على أحر من الجمر، إذا بمجرد توجيه وزيرة الخارجية الدعوة إليها، حتى لاقت الترحيب. وقال محسن راضي القيادي بالجماعة إن الإخوان يرحبون بالحوار مع أميركا "بشروط"، واضاف ل"إيلاف"، أن أهم تلك الشروط: رحيل أميركا عن العراق، وإيقاف مساندتها لإسرائيل في مواجهة الحقوق الفلسطينية، أو ما يمكن وصفه بتحقيق العدالة في رعايتها لعملية السلام بين العرب واسرائيل، والتخلي عن لغة الإستعلاء، وتحقيق مصالح مشتركة للوطن ولسائر الدولة العربية والإسلامية.
مشيراً إلى أن الإخوان يمدون أيديهم للجميع وليس لأميركا فقط، بشرط أن يكون الحوار مبنياً على الإحترام وتحقيق المصالح المشتركة، ولفت إلى أن أميركا استوعبت الدرس من الثورات العربية، وعلمت جيداً أن دعمهما للأنظمة الديكتاتورية لا يفيد، وأن مصلحتها مع الشعوب وليس الأنظمة الحاكمة.
وحول ما ذكرته كلينتون من أن الدعوة تمثل إحياءً لمبادرة أطلقتها أميركا في العام 2005 للحوار مع الجماعة، أوضح راضي أنه لم تكن هناك أية إتصالات للجماعة معها في الماضي على أية أصعدة، مشيراً إلى أن اللقاءات التي جمعت أعضاء بالجماعة مع مسؤولين أميركيين جاءت في إطار رسمي، حيث كانت تلك اللقاءات مع أعضاء في مجلس الشعب المصري وكان النواب المنتمين للإخوان من بينهم، نافياً بشكل قاطع أن تكون للجماعة أية إتصالات سرية في السابق مع أية أطراف دولية، ونوه بأن أميركا لم توجه دعوة للجماعة أو حزب العدالة والحرية لإجراء الحوار بعد إعلان هيلاري كلينتون للدعوة.
مصلحة الوطن
شارك الدكتور سعد الكتاتني أمين عام حزب العدالة والحرية، والكادر الإخواني في لقاءات مع مسؤولين أميركيين أثناء عضويته بالبرلمان في دورة 2005، وقال ل"إيلاف" إنه لم تكن هناك أية حوارات أو لقاءات للأخوان مع أميركا إلا ما تم في العلن في إطار البرلمان، مشيراً إلى أن الحوار سيكون موجهاً لمصلحة مصر أولاً ثم الأمة العربية، ونوه بأن أميركا تريد الإطمئنان على مصالحها في المنطقة بعد زوال النظام السابق، وأشار إلى أن الحوار سيكون وفق شروط أهمها عدم التدخل في الشأن الداخلي للمصر.
قلق اسرائيلي
اسرائيلياً، أثارت الدعوة الأميركية والترحيب الإخواني قلق إسرائيل، وقال السفير الإسرائيلي السابق بالقاهرة تسيفي مازيل في تصريحات صحافية "لاشك عندي أن المسؤولين الإسرائيليين متخوفين بشدة من هذه الخطوة حتى ولو لم يعلنوا عن ذلك وأعتقد أن قلقهم سوف يزداد في المستقبل." وأضاف أن "هذا الإعلان بمثابة خطوة من الولايات المتحدة لمنح الشرعية الدولية لجماعة الإخوان المسلمين". مشيراً إلى أن " الإخوان جماعة خطيرة، تقدم وجها معتدلاً للعالم بينما الحقيقة أنهم جماعة متطرفة".
حوار في مصلحة حماس
لكن ما السر وراء القلق الإسرائيلي؟ ويجيب عنه الدكتور سعيد علام النجار الخبير في الشؤون الإسرائيلية بالقول إن اسرائيل قلقة جداً من الدعوة الأميركية، موضحاً ل"إيلاف" أن إسرائيل تعلم جيدا أن حركة حماس الإسلامية التي تحكم قطاع عزة الآن خرجت من رحم الإخوان في مصر، ولديها علاقات مباشرة بها. وأشار إلى أنه في حالة بناء الإخوان علاقات قوية ومباشرة مع أميركا سوف سيكون ذلك بمثابة علاقات مباشرة لحماس معها أيضاً مما يقوي موقفها ضد إسرائيل ويكسبها شرعية دولية، وتتحول من جماعة إرهابية إلى جماعة مقاومة، وهو ما تعتبره إسرائيل خطراً على أمنها.
وأضاف النجار أن إسرائيل لديها مخاوف شديدة من صعود الإخوان سياسياً بعد الإطاحة بمبارك، وتخشى سيطرتها على السلطة، والإنقلاب على إتفاقية السلام، وتصبح محاصرة من جميع الجهات، لاسيما بعد ترنح النظام السوري أمام الإحتجاجات الشعبية أيضاً. متوقعاً أن تعمل إسرائيل بكل نفوذها وقوتها من أجل الحليولة دون بدء هذا الحوار، أو إفشاله في حالة إصرار أميركا على المضي قدماً فيه.
دعم للإخوان ضد التيارات السياسية
داخلياً، أعربت التيارات السياسية في مصر عن قلقها من الحوار الأميركي الإخواني، لاسيما وأنه سيدعم موقف الجماعة سياسياً ويقربها من السلطة أكثر. وقال شريف صادق عضو إتحاد شباب الثورة ل"إيلاف" إن جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي يتعاملان حالياً مع الشارع والقوى السياسية بإعتبارهم الأقوى والأقرب للسلطة، مشيراً إلى أن هذا الحوار لو نجح سوف يكون له مردوداَ سيئاَ على باقي التيارات و سيساهم في تهميشها إلى أبعد الحدود، لتعود مصر لعهد الحزب الواحد من جديد، أي أن يكون هناك حزب واحد ينفرد بالسلطة، وأحزاب أخرى هامشية تقوم بأدوار الكومبارس. ودعا صادق أميركا إلى عدم التدخل في الشأن المصري، والكف عن لعبة صنع الديكتاتوريات في العالم.
لا للحوارت السرية
ويشير المستشار بهاء الدين أبوشقة نائب رئيس حزب الوفد إلى أن حوار أميركا مع الإخوان في المرحلة الحالية مشروع ما دام سيصب في مصلحة مصر، ودون أن تكون هناك إجتماعات أو صفقات سرية على حساب باقي القوى السياسية، وأضاف أبوشقة ل"إيلاف" أن علاقات جميع القوى السياسية مع الخارج يجب أن تكون علنية، و ألا تسمح له بالإنفراد بالسلطة، حتى لايكون ذلك إنقلاباً على الثورة.
وحسب الدكتور عمار على حسن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية فإن أميركا تقرأ جيدا الأوضاع في مصر حالياً وتحاول فتح قنوات إتصال مع جميع القوى بما فيها الإخوان، لاسيما أن الملعب السياسي مفتوح وهناك فرص للصعود السياسي لكل القوى الفاعلة بعد الثورة.
وأضاف ل"إيلاف" أن أميركا تتعامل بمنطق برغماتي فهي تعتقد أنه من الممكن وصول الإخوان للسلطة في الإنتخابات البرلمانية المقبلة المزمع إجراؤها سبتمبر 2011، ومن ثم فهي تحاول فتح قنوات إتصال معها مبكراً حتى لاتفاجأ بما لا يسرها في المستقبل، وأشار إلى أن الجماعة أعلنت أنها لن تقبل الحوار مع أميركا إلا وفق شروط مسبقة، حتى لا تبدو وكأنها تسمح لها بالتدخل في الشأن المصري.
اميركا ترسم ملامح مصر
هناك مخاوف حقيقية لدي الشارع والتيارات السياسية في مصر من سعي الإخوان نحو السلطة ولعب الدور نفسه الذي كان الحزب الوطني المنحل يلعبه في الإنفراد بالسلطة، حسبما يقول الدكتور محمد نجيب الأستاذ بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية.
وأضاف ل"إيلاف" أن معركة الدستور أم الإنتخابات أولاً بين التيارات الليبرالية والإسلامية تأتي من هذا المنطلق، ولاسيما في ظل تدخل الإخوان وباقي التيارات الإسلامية في الإستفتاء على التعديلات الدستورية باسم الدين لحسم النتيجة لتكون "نعم"، مشيراً إلى أنه في حالة السير وفق خطة الإنتخابات أولاً فهذا يعني سيطرة الإخوان على البرلمان، ويبدو أن أميركا تحاول إجراء إتصالات معهم من هذا المنطلق.
وأشار إلى أنها تسعي أيضاً لتطبيق النموذج التركي في مصر، بحيث يكون هناك حزب قوي يسطير على السلطة عبر إنتخابات، وفي الخلفية جيش قوى يحمي مدنية الدولة، متوقعاً أن تدور المناقشات بين الإخوان وأميركا في هذا الإطار، خاصة أن الأخيرة أثنت كثيراً على النموذج التركي وحاولت نسخه في الدول العربية، لكنها فشلت نتيجة وجود أنظمة ديكتاتورية، لكن الأجواء الآن مهيأة لذلك وفي حالة نجاحه في مصر سيكون سهل التطبيق في دول أخرى.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :