بقلم منير بشاى
 
منذ ان تأهلت مصر للعب فى كاس العالم المنعقد فى روسيا والآمال عالية فى ان تحقق نجاحا كبيرا يشرفها بين دول العالم.  وازدادت نغمة التفاؤل بعد اعلان محمد صلاح انه سيلعب مع منتخب بلده.  رأى الكثيرون ان صلاح سيضيف لمنتخب مصر البعد العالمى الذى ينقصه.  ولكن جاءت النتائج مخيبة لكل الآمال، وبدلا من ان تصعد مصر الى القمة هبطت الى القاع.  ولم تحرز نصرا واحدا فى كل مبارياتها الى ان تم استبعادها وهى ما تزال عند نقطة البداية.
 
ولم يكن لصلاح تاثيرا كبيرا على اداء الفريق المصرى لأسباب عديدة.  منها انه لم يكن فى كامل لياقته البدنية بعد اصابته الاخيرة.  ثم ان التطور الحديث للعبة يقلل من فاعلية الاندية التى تعتمد على النجم الواحد.  فالنجم بمفرده لا يحقق المعجزات وهو لا يلمع الا بوجود فريق متكامل قوى الى جانبه أى عن طرق العمل بروح الفريقTeam Work .  وكنموزج لذلك فريق البرتغال الذى تمت هزيمته مع وجود رونالدو الذى يعتبره الكثيرون  من افضل نجوم الكرة فى العالم.
 
هذا ويؤخذ على صلاح انه مع كونه لاعبا محترفا ويلعب فى نادى ليفربول بانجلترا ولكن ما تزال عالقة بتفكيره بعض العصبيات الدينية التى تعم مجتمعاتنا العربية.  فمن الغريب ان لاعبا يتقاضى نحو مليون جنيه يوميا نظير احراز اهداف فى الفريق المضاد الا انه بعد تسديده هدفا فى مرمى السعودية شعر بالحرج ولم يعلن عن فرحه بل قال انه شعر بالالم لأن الهدف حسب تعبيره أصاب "دولة يحبها".  فهل معنى هذا ان صلاح يعتبر الاهداف فى لعبة كرة القدم عملا عدائيا؟  واين هذا من الفهم الصحيح للروح الرياضية التى تحتفى باللعبة الجيدة دون نظر للعصبيات؟
 
فى محاولتنا لمعرفة اسباب فشل منتخبنا فى روسيا لابد من الرجوع لما حدث قبل ذلك وخاصة فى عملية اختيار اللاعبين.  فهل تم اختيار افضل من يمكن ان يمثلوا مصر فى هذا العرس الرياضى؟  الاجابة تشير الى ان هناك عوار فى الاختيار نتيجة العشوائية التى تعم مصر فى هذه الايام.  وهناك كلام يتردد عن وجود محسوبيات ادت الى اختيار لاعبين بناء على من يعرفون من ذوى النفوذ وليس ما يعرفون من مهارات اللعبة.  وكقبطى اشعر بالمهانة ان أرى لاعبين من أصول افريقية فى منتخبات أوروبا بينما لا ارى لاعبا واحدا من أصل مصر الأقباط فى منتخب مصر.  ويزيد من هذا الشعور ان هذا يحدث تحت سمع وبصر المسئولين وكأنها سياسة عليا مرسومة للدولة. هذا فى الوقت الذى لا نكف عن وصم الغرب بالعنصرية.  بل ونجد لاعبا مصريا مسلما يلعب فى احد نوادى انجلترا ويتغنى باسمه "محمد صلاح" اطفال انجلترا.
 
عندما وصل منتخبنا الى روسيا وابتدأ يلعب ضد منتخبات الدول الأخرى بدأت فى الحال تظهر ضحالة مستواه.  وهذا راجع بداية لتدنى الموهبة فقد كان هناك فارقا كبيرا فى القدرات الفنية فى التحكم فى الكرة ودقة التمريرات والمقدرة على المحاورة وفى حالة الوصول الى مرمى الفريق الآخر كان هناك ضعف التسديد والعجز عن احراز الاهداف.  بل ان فريقا مكونا من 11 لاعبا لم يكن فيه غير مهاجم واحد وهو محمد صلاح والذى لم يكن فى كامل لياقته البدنية.
 
هناك أيضا قصور التدريب.  فماذا عمل المدرب ليعد فريقه؟  هل قام بتدريبهم ليواجهوا افضل اللاعبين فى العالم؟  هل المدرب نفسه كان كفءا فى مجال التدريب ويفهم خطط اللعبة التى وصلت اليوم لمستوى العلوم التى تشبه الخطط العسكرية؟  ام ان المدرب كان محدودا في مستواه ومحدودا فى قدراته وتأثيره.
 
تدنى الاداء يمكن أيضا ان يعزى الى غياب المجهود.  كل فرق العالم كانت تحارب لكى تنتصر الا فريقنا.  يضاعف من ذلك محدودية فريقنا فى مجال اللياقة البدنية بالمقارنة بالمنتخبات الأخرى. 
 
كل الفرق التى انتصرت كانت تضم لاعبين متفوقين بدنيا الى جانب تفوقهم فى الكرة.  ويظهر هذا فى ضخامة اجسامهم وصلابة عودهم وكأنهم مثل عواميد الخرسانة التى لا تهتز او تتساقط امام تصادمات اللعب.  مثالا على ذلك فريق البلجيك الضخم البنية بالمقارنة بفريق البرازيل الذى يميل الى النعومة.  انا شخصيا أميل الى طريقة البرازيل فى اللعب ولكن هذه الطريقة لم تعد كافية لتحقيق البطولات امام الفرق القوية والتى تلعب بخشونة وجرأة.  انتهى للاسف زمن الفن الجميل واصبحنا نعيش زمن القوة  الغاشمة.
 
الآن لا جدوى من البكاء على اللبن المسكوب.  ليس الوقت لجلد الذات وأيضا لن يفيدنا اسلوب التهوين من الاخطاء.  اعيننا يجب ان تركز على الاعداد لما سيحدث بعد اربع سنوات من اليوم.  الامانة فى التشخيص هى ما نحتاجه.  يجب ان نعرف اين اخفقنا وكيف نعالج نقاط الضعف.  العلاج يجب ان يتم دون تحيز او محاباة ويجب تعاطى الدواء حتى لو كان مرا.
 
ولعل اهم ما يجب عمله  ان نتحرر من التطرف الدينى فى مجال الرياضة.  الدين مهم ولا احد يطالب بالتخلص منه ولكن الدين الصحيح علاقة شخصية بين الانسان وخالقه تظهر فى حسن المعاملة والامانة والاتقان فى العمل.  مشكلتنا تكمن فى السلبية التى يأخذها البعض من فهمهم الخاطىء للدين عندما يعتقدون ان كل شىء مقدر ومكتوب ولا مكان لوجود دور للانسان فيما يحدث له.  الدين الصحيح يساعدنا على اظهار افضل ما فينا وبقوة الله يمكننا من تحقيق المعجزات.
 
ولذلك اتمنى مخلصا ان ارى فى مصر الفصل بين الدين والرياضة فنحن ننتصر فى الرياضة بالموهبة والتدريب والمجهود وليس فقط بالدعاء والسجود.