الأقباط متحدون - ضمائر أهل النخبة زمان
  • ٢٣:٥٠
  • السبت , ١٤ يوليو ٢٠١٨
English version

ضمائر أهل النخبة زمان

مدحت بشاي

بشائيات

٤٨: ١٢ م +02:00 EET

السبت ١٤ يوليو ٢٠١٨

ضمائر أهل النخبة زمان
ضمائر أهل النخبة زمان

مدحت بشاي
تعالى عزيزي قارئ موقعنا الرائع " الأقباط متحدون " لأذكرك بما ما كتبه الكاتب والناقد الفنى الرائع الراحل رجاء النقاش، حول ما جاء على لسان الكاتب الكبير " يحيى حقى " فى حوار إذاعى طويل أجراه معه المذيع المثقف عادل النادى بتاريخ ‏25‏ أبريل سنة ‏1991م،‏ أى قبل رحيله عنا بعام واحد وثمانية شهور ( توفى فى 10 ديسمبر سنه‏1992 )،‏ والذى نشرته مجلة  الإذاعة والتليفزيون  فى عدة حلقات بعد ذلك‏.‏

قال يحيى حقى عن نفسه‏:‏ إننى الآن عندما أعيد قراءة مقاطع مما كتبته فى قنديل «أم هاشم» أقول إننى كنت قليل الأدب وكنت بذيئًا لأننى شتمت الشعب المصرى شتائم فظيعة جدًا‏،‏ وأنا شديد الخجل بسبب ذلك‏،‏ فعندما أقول عن الشعب إن بوله فيه دم وديدان أى أنه مصاب بالبلهارسيا والاإنكلستوما أو أقول عن الناس إنهم يسيرون كالقطيع‏،‏ فليس فيهم من يسأل أو يثور‏...‏ فى مثل هذا الكلام بذاءة شديدة ولابد من الاعتذار عنها‏.‏.. ذلك ما قاله يحيى حقى بلسانه عن نفسه‏.‏
إنه الضمير اليقظ والانتماء الطيب لبلده وشعبه من جانب كاتب كبير يُحاسبه ويوقظ فيه نبض الإحساس بوقع الكلمات وتبعات أثرها ، فيتراجع ويعتذر لكل الدنيا بصراحة ونقاء سريرة.

لاشك ، يتفاوت الناس تفاوتًا كبيرًا فى مدى يقظة ضمائرهم، وفيما أنعم عليهم الله من ملكات روحية وإيمانية، فالبعض تاهت ضمائرهم وفقدوا ظل وجودهم، فى حين أن البعض الآخر يتألق فيه الضمير ويتيقظ، لدرجة الإحساس الدقيق، وكلا الأمرين خطر على الحياة الإنسانية، لأنه فى الحالة الأولى يستهدف صاحب الضمير المتحجر إلى القساوة والشر والتجرد عن المزايا البشرية، وفى الحالة الثانية يتعرض صاحب المزاج الرقيق إلى مؤثرات تقلق راحته وتسلب سكينة عيشه، وخير منهج هو طريق وسط بين الطرفين، فيناط بالضمير أن يرعى الإنسان حق غيره وأن يحسن ولا يسىء، فتبلغ نفس الفرد قصارى ما تبلغه نفس طيبة من رعاية حقوق الناس ومن كلف بالخيرات وسخط على الشرور.

وأعود مرة أخرى لكاتبنا الراحل رجاء النقاش الذى عقب على تراجع وأسف «حقى» وكتب: نحن هنا نقف مع يحيى حقى ضد يحيى حقى،‏ ففى الأدب الصادق الجميل ، الزعل مرفوع أى أننا لا يجوز أن نزعل من أديب فنان قلبه علينا‏،‏ ومن حق أديب كبير‏،‏ موهوب وحساس ونبيل‏،‏ مثل يحيى حقى‏،‏ أن يقول ما قاله عن شعبه عندما وجد فى هذا الشعب أحوالاً لا ترضيه فى النصف الأول من القرن العشرين والغاضب الناقد الناقم هنا وهو يحيى حقى‏،‏ يريد بشعبه خيرًا ولا يريد به السوء‏،‏ وقد كان الأديب الروسى أنطون تشيكوف (‏1860‏ ‏1904م)‏ يقول‏:‏ إن بلدنا روسيا بلد سخيف، غليظ القلب. ولم يتهمه أحد بالبذاءة أو قلة الأدب أو انعدام الوطنية بل إن الذين يفهمون معنى الغضب المقدس عند الأدباء والفنانين العظماء قد اعتبروا ما قاله تشيكوف صرخة من أجل نهضة شعبه وبلاده‏،‏ وهكذا نعتبر نحن كلمات يحيى حقى‏،‏ أو يجب علينا أن نعتبرها كذلك‏،‏ فقد كانت كلها كلمات مبنية على حسن النية والمشاعر الطيبة النبيلة والرغبة فى أن يتحرك أهل مصر من نومهم واستسلامهم لظروفهم الصعبة السيئة‏.‏

نعم ، عزيزى القارئ فنفوس الناس تختلف فى سعتها وضيقها كما تختلف بيوتهم، فبعضها تفيض بغرف متسعة، وأخرى ليس بها إلا غرف ضيقة، ومن الناس من تضيق نفسه لثقب إبرة، ومنهم من تتسع حتى تحتضن الدنيا بأسرها، وتولد النفس ضيقة فيزودها الإحساس بالتجارب وينال التهذيب منها كل توسيع وعمق، ويضفى عليها الدين من أنوار الرجاء ما يفتح مغالقها، وينير ظلماتها، ويوسع رقعتها، ومن ضروب توسيع النفس ويقظة الضمير الاتصال بنفس كبيرة، والأخذ بتعاليمها، والتناغم مع حياتها، وما أكثر ما اتسعت النفس واستيقظ الضمير عند أهل الخير، وما أروع النور الذى يسقط على صاحب الضمير المظلم فيبهره بلمعانه ويجدد حياته ويضفى عليه هالة من النورانية القدسية التى توقظ ضميره وتوسع نفسه، ولا شك أن فى يقظة الضمير سعادة كبرى، واستجابة إلى نداءات سماوية عالية، والاستمتاع بقيم رفيعة فى الحياة.

ولقد كان عمل الأنبياء والهداة طيلة الزمان الغابر موجهًا إلى توسيع النفوس وإيقاظ الضمير فى الأفراد والجماعات، فمتى اتسعت النفس تيقظ الضمير.
medhatbeshay9@gmail.com