الأقباط متحدون - من يكون الهوموـ ديوس؟
  • ١٧:٤٠
  • الجمعة , ١٣ يوليو ٢٠١٨
English version

من يكون الهوموـ ديوس؟

مقالات مختارة | نوال السعداوي

٤٩: ٠٢ م +02:00 EET

الجمعة ١٣ يوليو ٢٠١٨

نوال السعداوي
نوال السعداوي

لم يعد الإنسان رجلا فقط، ولم يعد رئيس أى دولة يخاطب الشعب بكلمة يا رجال، لقد شاركت عقول النساء فى الاكتشافات العلمية الجديدة، بل تفوقت، خاصة فى المجالات الإلكترونية والميكروبيولوجية والبيوكيميائية، التى تحتاج للذكاء والتنظيم والصبر والتعاون مع الآخرين، وليس قوة العضلات وخشونة حبال الحنجرة والتهديد بالقتل أو الاغتصاب أو الحرق فى نار جهنم.

منذ ثمانين عاما وأنا طفلة فى السابعة، صفعنى أخى على وجهى لأنى رفضت أن أسقيه بالماء وهو متربع على الكرسى، فرفعت يدى وصفعته على وجهه، ولم يتوقف العراك بينى وبينه بالأيدى والأرجل، حتى جاءت أمى وأبى، وانتهى التحقيق بأن قال أبى لأخى: أنت المخطئ، وقالت أمى له: يجب أن تسقى نفسك كما تسقى أختك نفسها.

هذا الحكم العادل فى طفولتى لعب الدور الأساسى فى تشكيل شخصيتى، وأصبحت أرفض أى حكم غير عادل، من أى سلطة سياسية أو دينية، فى البيت أو فى الدولة أو فى العالم، وإن أدى ذلك إلى فصلى من عملى، وإيداعى السجن والنفى وتشويه سمعتى ومصادرة أعمالى والتهديد بقتلى وحرقى فى النار، رغم كل هذا، ظل الحكم العادل منذ طفولتى هو إيمانى الوحيد.

طافت بى الذكرى وأنا أقرأ كتابا جديدا لباحث اسمه «يوفال نوح هرارى» أرسله لى بالإنترنت الدكتور «كمال عبدالملك»، أحد الأساتذة بالإمارات، ويلخص الكتاب نتائج البحوث العلمية الحديثة، ويخاطب البشر بصيغة المؤنث، والإنسان بالإنسانة فى معظم الأحيان، ربما يكون ذلك دليلا على تقدمه فكريا وإيمانه بالعدالة والمساواة بين البشر، بصرف النظر عن الجنس، لكن هذه النظرة تفقد عدالتها فى الأمور السياسية، والتحيز لأمريكا ولإسرائيل ضد روسيا وفلسطين.

اسم المؤلف (يوفال نوح) يوحى بأن أصوله يهودية، ورغم إلحاده العقلى المتين، وعدم إيمانه بالآلهة الأرضية والسماوية، إلا أنه لم يتخلص من وجدانه اليهودى الذى تكون فى طفولته، ولم يستطع شعوريا (أو لا شعوريا) إدانة الحرب الإسرائيلية فى فلسطين، رغم إدانته للحروب جميعا، وهو يؤكد أن المشاعر والأحاسيس ليست خاصة بالإنسان أو الحيوان أو الكائنات العضوية فقط، بل إن الأجهزة اللاعضوية الصناعية تتمتع بالمشاعر والأحاسيس، وإن الإنسان الآلى، الروبوت، أو البيو روبوت، الروبوت البيولوجى، الذى اخترعه الإنسان، لا يفتقد الإحساس بالألم أو السعادة والرغبة فى الجنس أو فى القتل والانتقام، وقد أصبحت «النانو ـ البيو ـ روبوتات»، قادرة اليوم على السباحة فى الأوردة والشرايين وقتل الخلايا السرطانية فى جسم الإنسان، وربما خلال السنوات القادمة يتفوق ذكاء البيو روبوتات على الذكاء الطبيعى لخالقها الإنسان، وبضغطة خفيفة على رقم ما بإصبع البيو ـ روبوت النانو، يتم تغيير النظام الفضائى، وسقوط كوكب الشمس على كوكب الأرض، وحرق العالم بما فيه الجنس البشرى، ثم ظهور جنس أرقى من «الهومو - سابيانس» الدى تطور من الغوريلا على مدى أربعة ملايين عام، وهذا «الهومو» الجديد سيكون أكثر تطورا وذكاء وأقل جشعا مما نحن اليوم.

يسميه المؤلف «الهومو - ديوس » وتعنى: الإنسان الإله.

أصبحت أرفض أى حكم غير عادل، من أى سلطة سياسية أو دينية، فى البيت أو فى الدولة أو فى العالم، وإن أدى ذلك إلى فصلى من عملى، وسجنى وتشويه سمعتى ومصادرة أعمالى والتهديد بقتلى وحرقى فى النار.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع