الأقباط متحدون - أغنى رجل فى العالم
  • ٠٢:٢٥
  • الخميس , ١٢ يوليو ٢٠١٨
English version

أغنى رجل فى العالم

مقالات مختارة | بقلم أيمن الجندي

٠١: ٠٧ م +02:00 EET

الخميس ١٢ يوليو ٢٠١٨

أيمن الجندي
أيمن الجندي

توقفت بانبهار أمام شجرة الورد المزروعة أمام المسجد. تعانقت زهراتها الحمراء والزرقاء، فراحت تترقرق مع النسيم معا. ومن تحتها تبدو التربة مبتلة مما يدل أنها رويت حديثا. عجيب أننى لم ألحظها إلا الآن، ولكنى أحببتها منذ الوهلة الأولى. حتى تعودت الجلوس بعد انقضاء الصلاة مستندا إلى الحائط خارج المسجد لا أفعل شيئا سوى تأمل شجرة الورد الصغيرة. وخامرنى ظن أنها أحبتنى مثلما أحببتها! وأنها تعرف بوجودى. ضعيف أنا أمام الورد، أتصوره دائما تسبيحة تجسدت فى هيئة وردة. خرجت من نفثة عاشق. لم يكن يعرف أنه يحب الله إلى هذا الحد، ثم أدركه العشق، فخرجت زفرة من أعماقه. تجسدت الزفرة أمام عينيه إلى زهرة. هذه هى قصة الورد باختصار.

بعد أيام ملكت شجاعتى، وتغلبت على خجلى الفطرى. سألت أحد أصدقاء المسجد. رجل طويل القامة له شارب خطير ويتحدث بإنهاك وكأنه خبر الحياة وكشف أسرارها. قال لى إنه قد زرعها (فلان). فطلبت أن يعرفنى به لأننى أتمنى أن أزرع أختا لها أمام بيتى. وبالفعل قدمنى إلى رجل أسمر يرتدى قبعة بيضاء تحميه من توهج الشمس.

تم كل شىء بسرعة محيرة. بالنسبة لى أستغرق فى الحلم وحديث النفس ثم لا أفعل شيئا. لكن هذا البستانى، صديق الزهور، كان رجلا عمليا ينجز الأشياء بسرعة. لقد أرسل أحد صبيانه للمشتل لشراء اللازم، وعاد الصبى، الذى هو فى الحقيقة ليس صبيا، وإنما شاب أسمر، فحاسبته على ما اشتراه وزدته قليلا. وبسرعة تم المراد، وزرع البستانى أشجار الورد. حاولت أن أمنحه مالا لكنه رفض بإصرار. لمدة يومين بعدها وأنا أسعى وراءه وهو يؤكد أنه لم يفعل شيئا ذا بال. فى البداية تصورت أنه- كسائر الصنايعية- لا يعنى ما يقول. نظام (خلّى. ثم يطلب أجرا فلكيا). لكن إصراره أكّد أنه يعنى ما يقول حقا. وبينما نحن نتجادل جاء صاحب المسجد الذى عرفنى به، فقال: «هذا الرجل متعفف، ودائما ما يتعبنا حتى يأخذ أجره. لكن ذلك لا يصح فهو ينفق على صبيانه الذين يعملون معه، بالإضافة إلى أنه لا يصح أن نذعن لكل وقح يرفع صوته طالبا المزيد، ثم نبخل مع المتعفف».

وهكذا وضعت النقود فى جيب قميصه فابتسم ابتسامة خجلى ولم يمانع. وتملكنى شعور بالتهيب وأنا أنظر إليه. أحسست نحوه بإكبار لا أذكر أنه تملكنى منذ عهد بعيد. أدركت أننى أمام طراز نادر من البشر، هو باختصار: الفقير المتعفف. لا أذكر كم من السنين مرت قبل أن ألاقى رجلا مثله يصمد أمام إغراء المال والرغبة الفطرية فى التكاثر، التى من صعوبتها أنزل الله سورة منفردة (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ). لا ريب أن المتعفف الذى نجح فى اختبار المال لهو أغنى رجل فى العالم.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع