اعتنوا بصحته.. يزد انتماؤه
مقالات مختارة | عبد اللطيف المناوي
الخميس ١٢ يوليو ٢٠١٨
لم أكن أنوى أن أتحدث عن قرار وزيرة الصحة المثير لردود فعل سلبية وساخرة، فقد اعتبرته خطأ غير مقصود، نابعا من مستوى خبرة معين فى مجال التعامل مع الرأى العام. كذلك اعتبرت أن الصفة الوحيدة التى يمكن إطلاقها عليه هى «الساذج»، وتخيلت أن إدراك الخطأ سيتبعه تراجع أو تجاهل له.
لكنى وجدت إصراراً، بل «تعجباً» من السيدة الوزيرة وفريقها، حيث ذكرت أخبار عدة أن الدكتورة هالة زايد أبدت تعجبها من حالة الجدل التى أثارها قرارها بإذاعة السلام الجمهورى وقَسَم الأطباء بالمستشفيات الحكومية الثامنة صباحا يوميا، متسائلة: «هل أصبحت القيم شيئاً غريباً؟».
فى المقابل، أنا لم أتعجب عندما نشر الزميل محمود مملوك فى موقعه Cairo 24 خبرا بعنوان «بعد قرار السلام الجمهورى بساعات.. وفاة مسنّة بسبب غياب الأطباء بمستشفى بكفر الشيخ»، هذا هو رد الفعل المتوقع من الرأى العام عندما تستفزهم مثل هذه القرارات الساذجة. وقتها يسأل الناس: ماذا فعلتم وتفعلون لنعيش كآدميين؟
المشكلة أكبر كثيراً من اتخاذ قرارات سطحية ساذجة لا أعلم بالضبط من تخاطب بها المسؤولة الكبيرة، وهذا يطرح أسئلة كثيرة حول إعداد المسؤولين سياسياً وتدريبهم على التعامل مع الرأى العام. هل يوجد مثل هذا التفكير من أساسه؟
مفهوم الانتماء للوطن عُرّف (لغةً) بمعنى الانتساب، حيث إن هذا المفهوم يتجسد فى انتماء الطفل لوالده واعتزازه به، والانتماء مفردة مشتقة من النمو والكثرة والزيادة، وعرّف البعض الانتماء (اصطلاحاً) على أنه الانتساب الحقيقى للوطن والدين فكراً ووجداناً، واعتزاز الأفراد بهذا الانتماء عن طريق الالتزام والثبات على المناهج والتفاعل مع احتياجات الوطن.
ويعتبر مفهوم الانتماء للوطن من المفاهيم المتوارثة التى تولد مع الإنسان، كما أنه مفهوم مكتسب ينمو بشكلٍ أكبر من خلال المؤسسات المختلفة فى المجتمع كالمدارس والجامعات ودور العبادة والإعلام والأسرة، فيما يعتبر من الاحتياجات المهمة التى تُشعر الفرد بالرابط المشترك الذى يربطه بأرضه وبأبناء وطنه.
الانتماء- يا سادة- يبرز فى صدق الإحساس بحب الوطن والذوبان فى يومياته وتفاصيله وأحداثه ومتغيراته. هو شعور من المواطن أن الدولة تسعى بكل ما أوتيت من قوة وموارد وعقول لتوفير صحة جيدة له ولأفراد أسرته، ولتوفير تعليم ومأكل ومسكن ومأمن.
الانتماء هو قيمة اعتزاز الوطن بالمواطن أينما كان وأينما ارتحل، فالوطن ملك للجميع، ومن حق الصغير قبل الكبير أن ينعم أو- على الأقل- يعيش حياة صحية آمنة، يتوفر له خلالها علاج مناسب ومستشفيات نظيفة متقدمة وأطباء مهتمون بأداء واجبهم والتفانى فيه. الانتماء هو شعور المواطن بتغير نتيجة قرارات وزارية «منتمية» تُتخذ فى سبيل إصلاح المنظومة الصحية، وليس عن طريق السلام الجمهورى وقَسَم المهنة.
نقلا عن المصري اليوم