ميشيل حنا الحاج
هذه الخلافات تشكل أحد العوامل الرئيسية في معوقات ظهور الاتحاد الشرق أوسطي. وهي غالبا ما تتمحور في الخلافات بين طائفتي السنة والشيعة، وتكاد تتمركز بشكل خاص في الخلاف الطائفي بين سنة المملكة السعودية القائمة على مفهوم الوهابية لدى السعودية، والمفهوم الشيعي الجعفري في ايران، والقائم على مذهب الائمة الاثني عشرية.
وبما أن هذا الخلاف تضعف حدته كثيرا، بل وقد تختفي تماما بين ايران الشيعية ودول عربية سنية أخرى كمصر والأردن والسودان وسوريا، بات بعض المراقبين يرجحون أن الجذور الحقيقية للخلاف بين السعودية وايران، ليس مرده الخلاف الطائفي فحسب، رغم كونه ربما يشكل أحد عوامله. لكن ما يقف وراءه ويعززه ويحوله الى خلاف حقيقي، هو الخلاف على قيادة دول المنطقة، اضافة الى قيادة العالم الاسلامي. فهذه وتلك قد تشكلان العاملان الأكثر أهمية وتأثيرا في هذا الصراع.
ويعزز ذلك وجود طوائف أخرى كثيرة منضوية تحت العالم الاسلامي، وهي طوائف غير سنية، ومع ذلك لا تقاتلها السعودية أو تدخل في صراعات معها. ومن هؤلاء الموحدون الدروز الذين لهم كيانات متميزة، ولهم معتقداتهم الخاصة التي تظل سرية حتى للمنتسبين الى طائفتهم، فلا يطلعونهم عليها الا بعد بلوغهم سن الأربعين. وهم رسميا محسوبون على الطوائف الاسلامية رغم كونهم في بعض معتقداتهم وقوانينهم وخصوصا بالنسبة لقوانين الميراث، ومعتقدات أخرى، قد يقتربون فيها من طائفة الشيعة. والموحدون المعروفون بالدروز، متواجدون في جبال لبنان وفي محافظة السويداء في سوريا، وكذلك في مناطق صغيرة في شمال الأردن. ومع ذلك لا تأبه بهم السعودية لكونهم لا يشكلون قوة تنافسهم على مركز القيادة.
وهناك جماعة اغا خان المتواجدة في باكستان، وهي جماعة دينية لا يعرف الكثير عنها، ولكنها ذات صبغة قد تكون فيها سمات قريبة من مفاهيم الشيعة، علما بـأنني أعترف بأنني ازاء الغموض الذي يحيط بها، لا أملك معلومات كافية عنها.
كما أنه هناك الطائفة الأباضية المتواجدة في سلطنة عمان، وهي طائفة وسطية، ولديها مفاهيم موزعة بين مفاهيم السنة والشيعة، مع أنها تحسب على السنة، رغم أ نه لديها بعض المعالم والسمات التي تقترب من المفاهيم الشيعية. ومع أن سلطنة عمان تقع على الحدود السعودية مباشرة، فان خلافات أو صراعات ملموسة لم تلحظ أو تطفو على السطح بين البلدين. وفي المواقف التي تتخذها الدول الخليجية والمتعلقة بايران، يحاول العمانيون أخذ موقف وسطي لارضاء السعودية دون اغضاب ايران.
وهناك في العراق طائفة الأزيديين، وهي طائفة غير مسلمة ولها معتقداتها االخاصة، والتي من أهمها عدم اغضاب الشيطان الذي يخشونه كثيرا. وهم يقيمون في جبل سنجار بالعراق المحاط بالسنة العراقيين وبالأكراد وبشيعة العراق. ومع ذلك لم تسع السعودية الى مقاتلتهم، أو تشجع أحدا على مقاتلتهم أو استئصالهم رغم قيام الدولة الاسلامية الداعشية بالحاق اذى كبيرا بهم. فهم رغم اختلافهم مع السعودية اختلافا جوهريا في الدين والعقيدة، لم تشعر السعودية بعداء نحوهم كشعورها بالعداء الشديد لايران ولشيعة ايران.
وهناك أيضا الزيدية في اليمن والقابعة أيضا على امتداد الحدود السعودية. ومع ذلك لم تقع مشاحنات ما بين السعودية واليمن طوال فترة حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح والذي كان زيدي الانتماء، علما أن الزيديين هم أيضا من المؤمنين بالائمة الاثني عشر. فالزيدية هي فرع أو اشتقاق منها رغم تميزها بعض الشيء عن فروع طائفة الشيعة. وبالتالي لم يحصل الصراع في اليمن، ولم تشتعل الحرب هناك بين البلدين الا قبل ثلاث سنوات أو أكثر، عندما بات الحوثيون القادمون من صعدة يسيطرون على الموقف في صنعاء، ويشركون معهم في السلطة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهو الرئيس الذي حكم البلاد لسنوات طويلة، ثم تخلى عن السلطة، ولكنه عاد اليها مشاركا الحوثيين فيها. وكان سبب التحول في الصراع السعودي اليمني، هو الاعتقاد بتبعية الحوثيين ذوي الصبغة الشيعية، تبعية تامة لايران البعيدة نسبيا عن السعودية. فهم على أرض الواقع، لا يقاتلون فعليا الحوثيين، بل الايرانيين، ذلك لاعتقاد السعوديين بأن الحوثيين يخوضون حربا معهم بالوكالة عن ايران.
وقياسا على سكوت السعودية عن محاربة علي عبد الله صالح، الزيدي الشيعي الانتماء، الذي جلس على مقعد القيادة لثلاثين عاما أو أكثر، ومع ذلك لم تقاتله السعودية (طوال رئاسته لليمن)، الا عندما تحالف مع الحوثيين قبل ثلاث سنوات... هناك تجربة السعودية مع العلويين في سوريا. فالرئيس حافظ الأسد المنتمي للطائفة العلوية، وهي طائفة غير شيعية، لكنها قريبة في معتقداتها منها. فالطائفتان تشتركان في تقدير الامام علي تقديرا خاصا ومتميزا، لكونه ابن عم الرسول (ص) ومن صحابته، وأول المؤازرين له في دعوته للاسلام...هذا الرئيس (أي خافظ الأسد) قد جلس على مقعد القيادة في سوريا لمدة تقارب الثلاثين عاما، ومع ذلك لم تقاتله السعودية، ولم تدخل في نزاعاة حادة أـو دموية معه حتى عندما عارض قيام العراق بالدخول في حرب ضد ايران، رافضا مباركة تلك الحرب التي أشعلتها الولايات المتحدة في بداية ثمانينات القرن الماضي، بتشجيع ومؤازرة دول الخليج وفي مقدمتهم المملكة السعودية. وهي لم تدخل في خصام معه لمجرد كونه بعد عام من توليه السلطة، قام بالاعلان عن استبدال انتمائه الطائفي من العلوية الى السنة، رغم ادراكها بأن استبدال الانتماء، كان استجابة لمطلبات الدستور السوري الذي تنص مواده على أن رئيس الجمهورية ينبغي أن يكون مسلما سنيا.... فعدم مقاتلته أو التآمر على نظامه، رغم بقاء معارضته لحرب العراق مع ايران والتي باركتها وشجعت عليها السعودية، كان مرده عدم توافر صراع بينها وبينه على موقع القيادة، سواء قيادة العالم العربي أو العالم الاسلامي.
فرغم معارضته لتلك الحرب بين العراق وايران والتي استمرت أكثر من ثماني سنوات، لم تشكل تلك المعارضة سببا كافيا للتآمر السعودي عليه أو لمقاتلته، أو لخلق تعقيدات فعلية له. ذلك أن السعودية في تلك المرحلة، لم تكن قد تبلورت لديها بعد فكرة قيادة المنطقة ومنازعة ايران أو غيرها من الدول.. على قيادتها، خصوصا وأن ايران الثورة الاسلامية، كانت منشغلة آنئذ بتلك الحرب مع العراق، والتي بدأت بعد عام تقريبا من وصول الخمينيين الى السلطة في شباط عام 1979 ـ فالثورة الاسلامية اذن، كانت حديثة الولادة لدى الشروع بتلك الحرب، وبالتالي لم تكن قادرة بعد على منازعة أحد منازعة فعلية على موقع القيادة.
لكن السعودية رغم مهادنتها لنظام حافظ الأسد، قد اختلف موقفها تدريجيا تجاه سوريا بعد رحيل الرئيس حافظ وحلول بشار الأسد محله في موقع قيادة سوريا مع بدايات القرن الحادي والعشرين. فقد بدأت آنئذ تظهر ودا أقل نحو الرئيس السوري الجديد، اعتقادا منها أنه أكثر توددا من والده لايران الشيعية التي بدأت الأمور فيها تتجه نحو الاستقرار. ولكن هنا أخذت تروج بعض الأقاويل حول احتمال ظهور الهلال الشيعي الممتد من ايران عبر العراق الى سوريا ومن ثم الى لبنان، رغم تعدد الطوائف في لبنان حيث تتواجد طائفة مسيحية كبيرة ومؤثرة تأثيرا واضحا في مجريات الحياة في البلاد. فهنا، وبعد عدة سنوات من جلوس الرئيس بشار في مقعد الرئاسة، بدأت تظهر موجات الربيع العربي انطلاقا من تونس، مرورا بمصر ومن ثم الى ليبيا فسوريا التي تجلى لاحقا وتدريجيا أنهما الدولتان الأكثر استهدافا، وخصوصا سوريا منهما... بموجات الربيع العربي المزعوم.
فالأمور قد اتجهت نحو الاستقرار التدريجي في كل من تونس ومصر، بينما كانت في سوريا تتجه نحو التصعيد يوما بعد آخر، بل ودخلت الآن عامها السابع حاصدة نصف مليون ضحية تقريبا، اضافة الى ملايين اللاجئين والمهجرين.
فالحرب في سوريا اذن على أرض الواقع، لم تكن جزءا من موجة الربيع العربي المزعوم، بل كانت حربا بالوكالة ضد ايران على الأرض السورية. وهي ليست حربا لاستنزاف سوريا فحسب، بل لاستنزاف ايران أيضا خصوصا وقد تبعتها الحرب ضد الحوثيين في اليمن، والتي شكلت أيضا حربا ضد علي عبد الله صالح، شريك الحوثيين، والذي رغم سكوت السعودية عن مقاتلته لعشرات السنين خلال رئاسته الرسمية لليمن، بات فجأة بالنسبة لها، عدوا لا يطاق، ولا يمكن تقبل حتى مجرد احتمال مشاركته للحوثيين في السلطة. فهنا تبلور ظهور الصراع السعودي الايراني على مركز القيادة في المنطقة، بشكل أكثر وضوحا، فلم يعد هناك ثمة مجال لتجاهله.
وازداد الصراع تبلورا بعد الكشف عن المخاوف الغربية من اتجاه ايران نحو انتاج قنبلة نووية، الأمر الذي زاد في مخاوف السعودية من احتمالات التفوق الايراني العسكري عليها، مما سيعزز احتمال ابعاد السعودية عن مركز القيادة في المنطقة، وهي القيادة التي تسعى اليها السعودية منذ سنوات. والواقع أنه كان بوسع السعودية، كما ورد في مقال سابق لي نشر قبل أكثر من عامين، أن تستغل بذكاء أكبر الوضع الناشىء عن شروع ايران بتطوير سلاح نووي، وما أدى ذلك اليه من فرض عقوبات أميركية وغربية... اقتصادية ومالية شديدة عليها، تسببت بمعاناتها معاناة شديدة أجبرتها على الدخول في مفاوضات مع خمسة زائد واحد. لكن السعودية لم تستثمر آنئذ الموقف بذكاء. وقد أوردت في فصل سابق تفصيلا أـوسع حول هذا الأمر.
فظروف ايران المتردية في ذلك الوقت، كانت ستساعد العرب على التوصل الى اتفاق عادل، مفيد ومرضي للطرفين، وخصوصا للطرف العربي، الذي كان سيصبح قادرا على امتلاك السلاح النووي، المحقق للتوازن النووي مع اسرائيل، التي امتلكت الكثير من الرؤوس النوية التي انتجتها بالتعاون مع أفريقيا الجنوبية... وذلك في أفريقيا الجنوبية، عندما كانت لم تزل خاضعة لحكم التمييز العنصري البغيض. لكن للأسف لم يقرأ احد ذلك المقال الذي كنت أحث فيه السعودية على التفاهم مع ايران حول مشاركتها في مساعيها النووية، وبالتالي لم يستمع أحد للنصيحة المجانية التي قدمتها للطرفين، مندفعا وراء رغبتي في وضع حد للخلافات غير المجدية بينهما، والتقدم خطوة نحو الاتحاد الشرق أوسطي الذي يمكن تحقيقه على مراحل، كما كان الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
وفي جميع الأحوال، فان مخاوف السعودية من محاولات ايران لانتاج القنبلة النووية، لم تكن في محلها وكان مبالغا فيها، لأن الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة، ما كانت ستسمح بتفوق ايراني كهذا، اذ كانت، كما سبق وذكرت في فصل سابق، ستسارع الى تأمين توازن للقوى في المنطقة، بتزويد السعودية أو مصر أو دولة الامارات، بقنبلة نووية موازية.
وهناك أيضا التطور الآخر الحديث الذي يجعل من المخاوف السعودية والعربية من حصول ايران على قنبلتها النووية، مخاوف لم تعد ضرورية، ويتمثل بتوقيع ايران مع خمسة زائد واحد، اتفاقا يحد من تقدمها في المجال النووي، (انسحبت أميركا مؤخرا من الاتفاق)، علما بأن التقدم النووي الايراني، كان من الممكن أن يصب في مصلحة الدول العربية في نهاية المطاف، لكون الدول العربية وايران تعاديان في آن واحد اسرائيل ومشروعها الصهيوني في المنطقة.
وكانت معالم الصراع على القيادة في هذه المنطقة، قد بدأت تظهر منذ نهاية ستينات القرن الماضي. أما قبل ذلك، فقد كانت قيادة العالم العربي معقودة لمصر باعتبارها الدولة العربية الأكبر مساحة وسكانا، اضافة الى كونها الدولة الأكثر تقدما وحضارة. اذ ظهر فيها العديد من الساسة الناشطين في عالم السياسة ومنهم الشيخ محمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول. كما كان هناك العديد من المثقفين الأدباء ومنهم أحمد شوقي وطه حسين ومصطفى العقاد، وذلك في مرحلة كانت فيها السعودية لم تزل مملكة من رمال الصحراء، لكنها رمال مليئة بالنفط، في وقت كانت فيه مصر الدولة العربية الأولى التي عرفت الحضارة ومعالمها كتواجد المسارح فيها بما فيها دار للأوبرا ، ودور للسينما، اضافة لوجود شرطات تنتج أفلاما سينمائية لا تعرض في مصر فحسب، بل في العديد من الدول العربية أيضا. وكانت أيضا الدولة العربية الأولى التي وصلتها مطبعة حملها اليها نابليون لدى حملته المعروفة على مصر. ونتيجة ذلك، كانت الدولة العربية الأولى السباقة لتأسيس دور النشر واصدار الصحف اليومية والأسبوعية، فشهدت نتيجة ذلك ظهور دار الهلال و بعدها دار الأهرام وغيرهما من وسائل النشر الحديثة والمتطورة. كما أن مصر كانت السباقة لظهور الجامعات فيها، في وقت كانت فيه السعودية لا تعرف الا تدريس القرآن في مدارس "الكتاب"، اضافة لبعض المدارس الابتدائية التي تطورت لاحقا الى مدارس اعدادية وثانوية، الى أن بلغت أخيرا مرحلة التدريس في الجامعات. ومن أجل ذلك كله، باتت مصر السباقة أيضا في ميدان الحضارة والتقدم، حيث لم يكن ينافسها في هذا المجال منافسة محدودة، الا لبنان وسوريا والعراق التي وصلتها أيضا نسبة جيدة من الثقافة والحضارة، لكنها نسبة أدنى مما حققته مصر في تلك المرحلة من التاريخ.
أما الدول العربية الأخرى، فقد كانت معظمها باستثناء السعودية، ام تزل تحت هيمنة الاستعمار. فالاستعماران الفرنسي والايطالي، كانا يهيمنان على دول شمال أفريقيا العربية، بينما كان الاستعمار البريطاني يفرض سيطرته على دول الخليج، فلم تكن قد حصلت على الاستقلال من دوله، الا المملكة العربية السعودية التي أعلنت الاستقلال في بداية الأربعينات، وعقدت بعدها مع الولايات المتحدة ، واثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، اتفاقية "الخط الأحمر" الذي تقدم الولايات المتحدة بموجبها الحماية للسعودية، مقابل ضمان تدفق النفط السعودي على الولايات المتحدة وعلى دول التحالف الغربي.
ولكن السعودية آنئذ، التي لم تملك بعد شيئا مماثلا للمميزات الحضارية أو الثقافية أو العلمية الموجودة لدى مصر، فلم تكن بالتالي، رغم كونها الدولة الأكثر ثراء بسبب نعمة النفط لديها... قادرة على الشروع في منافسة مصر على موقع قيادة العالم العربي الذي لم يتكون آنئذ، الا من سبع دول باتت عضوة في جامعة الدول العربية التي تأسست عام 1946.
وتبدلت أشياء كثيرة في مصر بعد ثورة تموز (يوليو) 1952، والتي أدت الى الغاء النظام الملكي واحلال النظام الجمهوري محله. فالدول الملكية بين الدول العربية، لم تعد راغبة في بقاء قيادة العالم العربي لمصر بعد أن باتت ذات نظام جمهوري. ومن هنا بدأت السعودية تتطلع الى الحلول محل مصر في قيادة هذا العالم العربي، الذي بات الآن يواجه من السعودية صراعا تدريجيا وواضحا على مركز القيادة في المنطقة.
ولاحت الفرصة أخيرا للسعودية لتحقيق أمنيتها في منافسة مصر على موقع القيادة، بعد الهزيمة العسكرية التي منيت بها مصر اثر حرب عام 1967، والتي قيل من البعض بأن السعودية تمنت خلالها نجاح اسرائيل في الحاق الهزيمة بمصر. بل وذكر البعض أنها قد ساهمت في اضعاف القوات المصرية عبر استنزافها في حرب اليمن التي بدأت منذ عام 1962، اثر قيام العقيد عبد الله السلال بانقلابه العسكري على الامام البدر. فقد أرسلت مصر آنئذ قوات مصرية لتعزيز موقع الرئيس السلال في السلطة، في الوقت الذي بادرت فيه السعودية لتقديم العون المالي والعسكري للامام البدر، امام اليمن المخلوع، الذي لجأ الى الجبال الفاصلة بين السعودية واليمن. فالسعودية وبالتعاون مع اسرائيل، كما كشفت مؤخرا مصادر الاستخبارات الاسرائيلية، قد عملت آنئذ على استنزاف القوات المصرية، بارسال أسلحة وخبراء عسكريين جوا، وعبر الأجواء السعودية، لمساعدة الامام البدر في حربه ضد المصريين، مما شكل عاملا هاما ساعد على هزيمة مصر في حرب عام 1967.
ولكن العنصر الأهم الذي شكل تحولا مفصليا في الصراع على موقع قيادة العالم العربي، جاء في نهايات شهر ايلول (سبتمبر) 1970، عندما توفي فجأة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان بقوة شخصيته، والكاريزما الخاصة المتوفرة لديه، والتي ميزته كثيرا عن القادة العرب الآخرين، اضافة الى قدرته على أسر اهتمام العالم العربي بخطاباته اللاهبة والتي أحبها واستمع الشعب العربي اليها كثيرا....وبالتالي جعلته قائدا لا منافس له.... الى أن توفي فجأة في أيلول (سبتمبر) 1970. فبوفاته المفاجئة، خسرت مصر تدريحيا مركز القيادة الذي شرعت السعودية آنئذ بشكل واضح ودون مواربة، في السعي للهيمنة عليه، مستخدمة قدراتها المالية والنفطية في تحقيق هدفها ذاك.
ولكن الصراع في تلك المرحلة، ظل في حدود الصراع على قيادة العالم العربي، فلم يكن هناك صراع جدي قد تبلور بعد بين السعودية وايران الشاه، أو حتى مع تركيا التي لم تكن قد تحولت بعد الى أردوغانية ذات توجه اسلامي، كما بات الحال مع بدايات القرن الحادي والعشرين. فهذا النوع من الصراع، قد بدأ بعد عام 1979، أي بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران، وقيام الولايات المتحدة بالترويج لكون ايران الاسلامية، ستسعى للتوسع وللسيطرة على المنطقة وخصوصا على دول الخليج. ففي هذه المرحلة، وخصوصا بعد حرب عراق ايران في الثمانينات، بدأ الصراع ينمو متخذا توجها نحو الخلافات الطائفية كتغطية للأهداف الحقيقية من ورائه، وهي الرغبة في قيادة العالم الاسلامي، بل المنطقة كلها، الأمر الذي أخذ يشكل عقبة في طريق التقدم نحو الاتحاد الشرق أوسطي.
فالثورة الاسلامية الايرانية اذن، لم تشكل فحسب تبدلا جوهريا للوضع في ايران، بل شكلت أيضا تحولا واضحا للوضع في المنطقة، وهو وضع رسم بعض معالمه أيضا، الطموح السعودي للقيادة. فهذا العاملان قد امتزجا معا، ليفرزا العامل المعيق لانطلاقة عملية تأسيس الاتحاد الشرق أوسطي.
ميشيل حنا الحاج - باحث ومحلل سياسي
ملاحظة: هذا ليس منقالا مستقلا، بل هو فصل من فصول كتابي القادم بعنوان: نحو الاتحاد الشرق أوسطي على غرار الاتحاد الأوروبي".