بعد مئة عام، يبدو أن تنبؤات هذا العالم الروسي عن السفر إلى الفضاء باتت صحيحةً
تكنولوجيا | أنا أصدق العلم
الخميس ١٢ يوليو ٢٠١٨
كتب عالم روسي، عرف بأبو الملاحة الفضائية والصواريخ، في بداية القرن العشرين قصة استكشاف ما يمكن أن تكون عليه الحياة في الفضاء في المستقبل.
تنبأ كونستانتين تسيولكوفسكي Konstantin Tsiolkovsky (1857-1935) أنه بحلول عام 2017، سيتم القضاء على الحروب والصراعات، لأن العالم ستحكمه حكومة عالمية. كما اقترح هذا العام باعتباره العام الذي ستتمكن فيه الإنسانية من تكنولوجيا السفر خارج الأرض.
حدث هذا قبل 60 سنةً من التاريخ الذي تنبأ به في الحقيقة. لقد مضى الآن عام 2017 فكم كانت دقة نبوءته الأخرى.
ما جعل قصة تسيولكوفسكي، التي نشرت لاحقًا باللغة الإنجليزية في عام 1960 باسم “خارج نطاق الأرض”، مثيرةً للاهتمام هو أنه جمع فريق أحلام خيالي من أرقى العقول العلمية من القرن 16 وحتى القرن 20 لبناء صاروخ قادر على الوصول إلى المدار.
كان من بين العلماء غاليليو غاليلي (1564-1642)، إسحاق نيوتن (1642-1727)، وتسيولكوفسكي نفسه (تحت اسم مستعار هو ايفانوف). باستخدام صوت أساطير العلم، وصف تسيولكوفسكي الجوانب العملية، وأيضًا أحاسيس وعواطف من يعيشون في الفضاء. إنه انتصار غير عادي للخيال.
والآن لنلقِ نظرةً عن كيفية تشكل تجربة الفكر لتسيولكوفسكي مقابل الواقع.
نظرة من عين فوق الصاروخ
إذا نظرت إلى الأرض من المدار، غالبًا ما يندهش المسافرون في الفضاء من جمال وهشاشة الأرض وتجربة التحول المعرفي للوعي. هذا ما يعرف باسم “تأثير النظرة العامة” وقد تحدث عنه رواد الفضاء منذ الستينيات.
تسيولكوفسكي توقع هذا. في رواية “خارج نطاق الأرض”، نيوتن يحذر طاقم الصواريخ أنهم قد يجدون مشهد الأرض مغمورًا بالعاطفة؛ وبالفعل تكونت ردود فعل مختلطة:
لقد شعر بعض الرجال بالذهول من المشهد، والبعض أتعبه المشهد وتحرك بعيدًا عن كوة الصاروخ، آخرون شعروا بحماس والتفوا حول النافذة وهم يطلقون صرخات المفاجأة والفرحة.
مالم يتمكنوا من إدراكه: أن الحدود الوطنية والنزاعات الأرضية لا معنى لها في نهاية المطاف. ولعل هذا يرجع إلى أن رواد الفضاء الخياليين يعيشون بالفعل في عالم موحد وسلمي، وهو شيء بعيد جدًا عن وجودنا اليوم.
في الفضاء الجميع متساوون
يعتقد تسيولكوفسكي أن غياب الجاذبية سيمحو الفروق الطبقية ويعزز المساواة.
في المدار، طاقة الشمس وفيرة وحرة. هناك حاجة إلى القليل من الجهد لنقل الأوزان الثقيلة، لذلك البناء سيكون رخيصًا. الملابس لا ضرورة لها لأن درجة الحرارة يمكن تنظيمها بسهولة من 30 إلى 35 درجة مئوية. الأسرّة والأغطية ستصبح من الماضي. ليس هناك أي فرق في الموارد المتاحة بين الأغنياء والفقراء؛ يمكن لأي شخص أن يعيش في قصر من الجاذبية الصغرى إذا رغب في ذلك.
وكما هو الحال في هذه الرؤية، فإن السفر إلى الفضاء لا يزال في الواقع حكرًا على الأثرياء، سواء كانوا أفرادًا أم دولًا. إذا كان هناك أي شيء، فإننا نخاطر بإمكانية الوصول التفاضلي إلى الموارد الفضائية في زيادة عدم المساواة على الأرض بدلًا من تآكلها.
التشتت المداري
بمجرد أن يختبر المستكشفون الخياليون نجاح صاروخهم، فإنهم سيشاركون التكنولوجيا مع أي شخص يريد الانتقال إلى الفضاء.
يتم إطلاق آلاف الصواريخ إلى المدار الثابت بالنسبة للأرض، المكان الذي توجد فيه معظم أقمارنا الصناعية للاتصالات اليوم، على بعد حوالي 35000 كيلومتر فوق الأرض.
المستعمرون سيبنون منازل دفيئة مدارية. كل منها عبارة عن اسطوانة 1000 × 10 متر، يسكنها 100 شخص. يمر أنبوب مملوء بالتربة عبر المركز، مما يدعم نظامًا فخمًا من الفواكه، الخضروات، والزهور.
بدون مواسم، حشائش، أو آفات، هناك غذاء وفير لمستعمرينا النباتيين على مدار السنة.
في الحقيقة يبدو أن الناس بدأوا الحياة في المدار في زمان سابق للذي تنبأ به تسيولكوفسكي. تم إطلاق أول محطة فضائية، ساليوت-واحد Salyut 1، في عام 1971.
ظلت محطة الفضاء الدولية مشغولةً بشكل دائم في مدار أرضي منخفض طوال الـ 17 سنةً الماضية. ولكن لا توجد حلقة مدارية من البيوت حيث يمكن للناس الهروب من مصاعب الحياة على الأرض.
نعلم الآن أن الجاذبية الصغرى لها آثار خطيرة على جسم الإنسان، بما في ذلك فقدان كثافة العظام وضعف البصر. العيش في الفضاء يعني أيضًا التعرض لمستويات خطيرة من الإشعاع. وعلى أية حال، فإن تكلفة السفر إلى الفضاء تعتبر باهظةً بالنسبة للجميع باستثناء جزء صغير من سكان الأرض.
التعدين خلال النظام الشمسي
بالطبع، هناك حاجة إلى الموارد للحفاظ على الحياة المدارية التي وصفها تسيولكوفسكي.
يتعلم نيوتن وطاقم صاروخه كيفية التقاط المذنبات ويجدون أنها تحتوي على وفرة من المعادن المفيدة مثل الحديد، النيكل، السيليكا، الألومينا، الفلسبار، أكاسيد مختلفة، الجرافيت والكثير مثل ذلك.
من هذه المعادن، يقول نيوتن، يمكن استخراج مواد البناء،الأكسجين للتنفس، التربة للنباتات، وحتى الماء. وبينما يبني المستعمرون المداريون بيوتهم، يتجه الصاروخ إلى حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري. ويقوم بمسح سريع؛ هذا يعني مصدرًا غنيًا لا ينضب من المواد لإنشاء مستعمرات خارج مدار الأرض.
كان تسيولكوفسكي محقًا حول أهمية التعدين خارج الأرض بالنسبة لاقتصادات الفضاء المستقبلية. هنا تنبؤاته والواقع تبدو أكثر تناسقًا. ولكن في الوقت الذي تسعى فيه الحكومات والشركات الخاصة والباحثون إلى تحقيق الثروة الواعدة من القمر والكويكبات، لا يزال هناك طريق طويل قبل أن تتمكن التكنولوجيا من تحقيق الحلم المرصود في هذه المهمة.
ترك الأرض التي هي مهد البشرية
قبل مئة عام، تخيل تسيولكوفسكي أن الحياة في الفضاء ستخلق مجتمعًا شاعريًا يتسم بالمساواة، حيث ينعم الناس في البيوت الزجاجية المدارية، يستهلكون طاقة الشمس التي لا حدود لها. لكن ما حدث في الحقيقة أن حطام الصواريخ والأقمار الصناعية هي التي تدور حول الأرض، وتنقسم إلى شظايا أصغر حجمًا تشبه المخلفات البلاستيكية المتكاثرة في المحيطات.
وبما أن السفر إلى الفضاء من أجل الربح ينافس الفضاء كتراث مشترك للبشرية، يجدر بنا أن نتذكر أن هناك رؤىً بديلةً لمستقبل المجتمع البشري، وعوالم أخرى يمكننا التطلع إليها.
لقد تجاوزنا رؤية تسيولكوفسكي في أمر واحد، في ختام “خارج نطاق الأرض”، يتحدث العلماء رواد الفضاء عن رحلة من عطارد إلى حلقات زحل.
فهل كان يمكن أن يتصور أنه بحلول عام 2018 ، لن تكون مركبة فوياجر الفضائية مسافرةً خارج الأرض فقط، بل خارج المجموعة الشمسية؟