الأقباط متحدون - يوسف الدمشقيّ إمام النصارى
  • ٠٦:٢٣
  • الثلاثاء , ١٠ يوليو ٢٠١٨
English version

يوسف الدمشقيّ إمام النصارى

مقالات مختارة | الأب جورج مسّوح

٢٧: ١٢ م +02:00 EET

الثلاثاء ١٠ يوليو ٢٠١٨

القدّيس الشهيد يوسف الدمشقيّ
القدّيس الشهيد يوسف الدمشقيّ

من كتاب "الآن وهنا"
ذهب القدّيس الشهيد يوسف الدمشقيّ، واسمه الأب يوسف مهنّا الحدّاد، ضحيّة المجازر الطائفيّة التي حدثت في دمشق في العاشر من تمّوز عام ١٨٦٠. وتقول سيرته، التي حقّقها الأرشمندريت توما بيطار في كتابه "القدّيسون المنسيّون في التراث الأنطاكيّ"، إنّ أحد قاتليه صرخ حين رآه: "هذا إمام النصارى، إذا قتلناه قتلنا معه كلّ النصارى".

لم يدرِ القتلة أنّهم لا يستطيعون القضاء على النصارى إذا قتلوا إمامهم. فاليهود، قتلة المسيح، ظنّوا أنّهم بصلبه سينقذون أمّتهم وينهون رسالته، وقال زعيمهم: "خير أن يموت واحد (المسيح) عن الأمّة"، وخاب ظنّه. فقتل المسيح لم يمنع المسيحيّة من أن تنتشر إلى كلّ أطراف المسكونة. وإذا كان النبات في حاجة إلى المياه لينمو ويثمر، فالكنيسة كانت في حاجة إلى دماء شهدائها لتحيا وتورق وتثمر بالقدّيسين.

لا يسع أحدًا أن يتّهم كلّ مَن انتمى إلى ديانة القتلة بأنّه شريك أو متواطئ في ارتكاب المجازر، فالدراسات التاريخيّة والوقائع تثبت بما لا يدع مكانًا للشكّ بأنّ العديد من المسلمين الدمشقيّين، وغير الدمشقيّين كالأمير عبد القادر الجزائريّ، قد أسهموا في إنقاذ المسيحيّين الفارّين من هياج الرعاع وقادتهم. كما أنّنا لا يمكن أن نغفل أنّ بعض المسلمين، في حقب عديدة تصل إلى أيّامنا الحاضرة، قد ذهب ضحيّة العنف الطائفيّ والمجازر المرتكبة من جانب رعاع المسيحيّين.

منذ ما يربو عن مائة وخمسين عامًا، على الأقلّ، تشهد بلادنا في المشرق العربيّ أحداثًا طائفيّة ومذهبيّة، يصنع فيها المتطرّفون والغلاة التاريخ فيما يغيب كلّيًّا تأثير دعاة الانفتاح والتنوّع واحترام الآخر المختلف. فإبّان كلّ أزمة داخليّة يؤدّي خطاب التجييش الطائفيّ والشحن المذهبيّ الدور الأكبر، ممّا يؤدّي إلى غياب صوت العقل وسيطرة الغرائز البدائيّة. والمعروف أنّ العقل صفة من صفات الإنسان، فيما الغرائز يتشارك فيها الإنسان مع سواه من المخلوقات الدابّة على الأرض والسابحة في المياه والهواء.

لا يختلف وضع بلادنا اليوم عمّا كان عليه منذ زمن. فالكلمة العليا اليوم هي لأهل التطرّف الذين لا يتوانون عن ارتكاب أبشع الجرائم باسم الدفاع عن كرامة ديانتهم أو مذهبهم أو طائفتهم. وليس مَن يزعم أنّه "علمانيّ" بريئًا من استغلال انتمائه الدينيّ ليرتكب هو أيضًا المجازر الطائفيّة ضدّ مَن يخالفونه في الرأي. كلّهم، بلا استثناء، يلجأون إلى التطرّف الدينيّ والتكفير والأبلسة، وصولاً إلى الفتنة التي لن تبقي ولن تذر. وذلك في سبيل إحكام استبدادهم بأرزاق البلاد ورقاب العباد.

يوسف الدمشقيّ، ليس حالة منعزلة في تاريخ هذه المنطقة، لا قبله ولا بعده. قدرنا، ربّما، أن يدفع أبرياؤنا ثمن حقد المتطرّفين إلى أيّ جهة انتموا. وكما لم يستطع قتلة يوسف الدمشقيّ القضاء على نصاراه، لن يستطيع المجرمون القضاء على أيّ جماعة من جماعات هذه البلاد الدينيّة، ولا القضاء على التنوّع فيها. لكنّ ثمن البقاء يبدو غاليًا جدًّا، إذ أنّنا ننتظر تقديم يوسفات أُخر على مذبح الشهادة. ولن يغيّر هذا القدر العبثيّ سوى العودة إلى الإنسان الذي فينا والقضاء على الغريزة غير الإنسانيّة المتمكّنة في بعضنا.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع