هل أخطأ الزعيم الفلسطينى فى حق اليهود؟
مقالات مختارة | بقلم : طلعت رضوان
٤٨:
٠٨
م +02:00 EET
الاثنين ٩ يوليو ٢٠١٨
هاجم المسئولون الإسرائيليون والميديا الصهيونية الزعيم الفلسطينى محمود عباس، لمجرد أنه قال: إنّ موقف شعوب أوروبا من اليهود لم يكن بسبب الديانة اليهودية، وإنما بسبب تصرفات اليهود وتعاملاتهم مع باقى أبناء الشعوب الأوروبية. وأوضح أمين سراللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرالفلسطينية (صائب عريقات) أنّ الدعاية الصهيونية شوّهتْ حديث الزعيم عباس، الذى أكــّـد احترامه للديانة اليهودية ولم ينف المذابح التى تعرّض لها اليهود فى أوروبا (صحيفة الشروق المصرية، ووكالة أ. ش. أ – رام الله- 2مايو2018.
فهل حديث الزعيم الفلسطينى يستحق كل هذا الهجوم عليه؟ خاصة أنّ حديثه كان شديد الموضوعية والاعتدال. أم أنّ سبب الهجوم تنطبق عليه حكمة شعبنا المصرى فى أهازيجه البديعة ((اللى فى راسه بطحه بيحسس عليها))؟
وأعتقد أنّ تلك (البطحة) سببها أنّ أعضاء الكهنوت الصهيونى (من غلاة الصهيونية الدينية) يعلمون الأسباب الحقيقة التى جعلتْ الشعوب الأوروبية تتـخذ هذا الموقف العدائى من اليهود، وهوالموقف الذى عبــّـرعنه كثيرون من الأدباء والمؤرخين، لدرجة أنّ (ثربانتس) مؤلف التحفة الإبداعية (دون كيخوتى) انتقد سلوكهم فى أكثرمن مشهد من مشاهد الرواية، ولدرجة أنّ (سانشو) خادم ورفيق دون كيخوتى فى مغامرته قال: إننى ((عدوفتاك لليهود)) (المشروع القومى للترجمة- القسم الثانى- ترجمة سليمان العطار- عام2002- ص63) فلماذا قال سانشوأنه يكره اليهود لدرجة أنْ يعتبرهم من الأعداء؟ وهل هذه الصراحة منقطعة الصلة عن الواقع؟ أم أنها تعبيرعن الواقع؟
وما ذكره (ثربانتس) ذكره كثيرون من المُـبدعين أمثال شكسبيرفى رائعته (تاجرالبندقية) حيث يُصرالمرابى اليهودى (شيلوك) على أنْ ينص العقد الذى وقعه مع أنطونيوعلى أنه فى حالة عدم الوفاء بتسديد القرض فى موعده أنْ يأخذ مقابله رطلا من لحمه. فلماذا كان هذا الإصرار، وما دوافعه؟ ولأنّ شيكسبيربارع فى قواعد الدراما، فإنه جعل هذا الطلب مدخلا لإدانة التعنت للانتقام من أنطونيو. يقول شيلوك فى تبريره لشرط رطل اللحم أنّ ثروة أنطونيو(المدين) ((فى كف الأقدار)) وفى حالة عدم الوفاء بالدين فإنه يُحدث نفسه قائلا (أشم رائحة الخنازير. أذوق لحم من أدانه نبى الناصرة. نبيكم) فى إشارة إلى السيد المسيح. هنا يُجسد شيكسبير التعصب الدينى الذى هوآفة البشرية. وقال شيلوك عن أنطونيو(أكرهه لأنه مسيحى ويكره شعب الله المختار)
وفى العصرالحديث تناول الأديب الأمريكى (جون شتاينبك) الموقف من اليهود فى روايته البديعة (شتاء السخط) فى مشهد عن سخرية اليهود من صلب المسيح.
وكما فى معظم الأعمال الأدبية الأوروبية، من سخرية ونقد لسلوك اليهود داخل مجتمعاتهم التى يعيشون فيها، كذلك فعل شتاينبك فى رواية أخرى بعنوان (تورتلا فلات)عن صعاليك أمريكا فى خمسينيات القرن الماضى، حيث جعل أحد شخصيات الرواية من الصعاليك (بيلون) يـُـشبـّـه صديقه (الذى عطف عليه وأعطاه بيتــًـا) فقال: ستنتهى حريتى..((ولن ألبث أنْ أصبح عبدًا بسبب منزل هذا اليهودى))
وعندما طلب (دانى) الإيجار، فإنّ بيلون قال لصديقه (بابلو) تعال نشتغل لنجلب المال لهذا السيد اليهودى..وعندما تعامل مع السيدة (توريللى) صاحبة مغسلة تنظيف الملابس، ورأى قسوتها- حتى مع زوجها- وبعد أنْ تأكد (بيلون) من خداعها، جلس يفكركيف يتعامل ((مع هذه السيدة اليهودية)) وحتى (توريللى) الذى لم يسلم من لسان زوجته، فإنه كان مثلها فى تعامله مع الآخرين، ولذلك- أيضًـا- شبـّـهه بيلون باليهودى فى بخله وجشعه.
أما الأديب الإيطالى (أمبرتوإيكو) فقد تناول الموقف من اليهود فى روايته البديعة (اسم الوردة) على لسان أحد رهبان الديرالمسيحى، حيث دارحوارطويل بينه وبين راهب آخر(عن المجموعة التى فكرتْ فى مهاجمة اليهود) وأنّ جماعة من الرعاة حاصروا برجـًـا لملك فرنسا، احتمتْ فيه جموع من اليهود.. الذين انتابهم الرعب..وقد دافع اليهود عن أنفسهم، لكن الرعاة أشعلوا النلرفى باب البرج لتعذيب اليهود المُـحاصرين بالدخان والنار. فأعلن ملك فرنسا أنّ هؤلاء الرعاة قد تعدوا كل الحدود وأمربالدفاع عن اليهود وعدم التعرض لهم. ولكن الكثيرمن المسيحيين لم يطيعوا الملك..وكان من رأيهم أنه ((ليس من العدل الدفاع عن اليهود، الذين كانوا دائمًـا أعداء الدين المسيحى)) (دارأويا- الطبعة الثانية- عام1998- ترجمة المترجم التونسى الكبيرأحمد الصمغى- ص216، 217)
وفى العصورالقديمة نجد نفس الموقف من اليهود، وعن فترة تواجدهم فى مصر- على سبيل المثال- فقد سمح بسماتيك الأول لليهود أنْ يتدفقوا على مصر، وأنْ يُنشئوا لأنفسهم مستعمرة خاصة بهم، بل سمح لهم أنْ يُقيموا معبدًا لإلههم (يهوه) بل إنه بفضل تسامح المصريين ورحابة صدورهم، عاش اليهود فى مصر(أنظرد. محمد بيومى مهران- تاريخ الشرق الأدنى القديم- دارالمعارف بمصرعام 1976 ج 3 ص 325 ، 384) بعد هذا العطاء والتسامح من المصريين، ماذا حدث؟ ((وهكذا انتهت الأمورباليهود أنْ نسوا لمصرأنها أطعمتهم من جوع وآوتهم من تشرد وكستهم من عرى، فردوا لها الجميل نكرانــًـا، وكانوا عليها للفرس أعوانــًـا وفى حاميتهم جنودًا)) وكان لابد أنْ تزداد كراهية المصريين لليهود ((بعد أنْ رأوهم بعد أطول إقامة فى البلاد خونة وجواسيس ومثارفتن ودسائس وأذنابـًـا لأعداء البلاد)) (د.محمد بيومى مهران– المصدرالسابق ص 380)
وعندما أشاع غلاة الصهاينة أنّ اليهود هم الذين أسّـسوا الحضارة المصرية، وهم الذين شيــّـدوا الأهرامات، كتبتْ د.نعمات أحمد فؤاد مقالامهمًـا فنّدتْ فيه هذا الزعم، وكدأبها دائمًا ذكرت المراجع العلمية التى تؤكد نفى هذه المزاعم، وذكرتْ أنّ العالم سيجموند فرويد بالرغم من ديانته اليهودية كتب أنّ ((عقدة اليهود سبق مصرفى الحضارة)) (أهرام 15/10/97)
وعندما تجدّدتْ إدعاءات الميديا الصهيونية فى الترويج لأكذوبة أنّ اليهود هم بناة الأهرام، كتبت د.نعمات أحمد فؤاد سلسلة مقالات فنّدتْ فيها هذه الأكاذيب بمرجعية من المؤرخين المعاصرين للأحداث وعلماء علم المصريات (أهرام 2 ، 9 ، 16 ، 23 سبتمبر98)
وفى العصرالحيث ذكرالعالم ألبرت أينشتاين (يهودى الديانة) فى كتابه (حول الصهيونية- خطابات ورسائل) الصادرعام 1931 ((إننا ندين إلى اللاسامية بالمحافظة على وجودنا واستمرارنا)) أى أنه رفض التقسيم غيرالعلمى، بين أبناء (سام أى اليهود) وأبناء (حام كعبيد للساميين) أما الفيلسوف سارترفقال فى كتابه (اليهودى واللاسامية- بحث فى علم أسباب الحقد) الصادرعام 1948 ((إنّ العامل الوحيد الجامع بين اليهود هوعداء المجتمعات المحيطة بهم وكراهيتها لهم)) أما كارل ماركس فقد لخـّـص (رغم أنه يهودى الديانة) أسباب كراهية الشعوب الحرة لليهود فى سبب رئيسى هوأنّ اليهود رفضوا أنْ يعيشوا فى مجتمعاتهم كمواطنين، لأنّ تمسك اليهود بالديانة اليهودية تغلّب على ((الجوهرالإنسانى الذى كان ينبغى أنْ يربطه- بوصفه إنسانًا- بسائرالناس)) وفى الفقرة الأولى من الصفحة الأولى كتب ((المال هوإله إسرائيل المطماع. ويعتقد اليهود أنه لاينبغى معه لأى إله أنْ يعيش. إنّ المال يخفض جميع آلهة البشرويجعلهم سلعًا. المتاجرة بالمال، هذا هوالإله الحقيقى لليهود)) (دارمكتبة الجيل اللبنانية- بدون سنة نشر- ص 3، 38، 55، 63)
وكتب الفيلسوف الفرنسى فولتيرعن التاريخ اليهودى القديم ((فى البداية تتشتتْ قبائل إسرائيل العشرثم سيقتْ القبيلتان الأخيرتان إلى أسربابل. هذه إذن النهاية التى آلتْ إليها تلك العجائب المذهلة كلها، والتى زعموا أنّ (يهوه) صنعها ليهوده. وينظرالحكماء المسيحيون بألم وأسى شديديْن إلى النوائب التى ألمّتْ بآبائهم، الذين أعدوا لهم طريق الخلاص. أما أتباع مذهب الشك، فينظرون بفرح خفى إلى ما حلّ بالشعب اليهودى، هوالشعب الذى يرون أنه حامل لأبشع المعتقدات الخرافية وأدنى أشكال العهروالبغاء وأكثرضروب السلوك البشرى وحشية ودموية)) (نقلا عن كتاب " التوراة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير" تأليف ليوتاكسل– ترجمة د. حسان ميخائيل إسحاق- طبعة خاصة- ص 462) وكتب سيجموند فرويد (رغم أنه يهودى الديانة): ((إننا عندما نقرأ العهد القديم، لانستطيع أنْ نبقى بغيرإكتراث عندما نجد أنفسنا فى تعارض مع البحوث التاريخية اليقظة لعصرنا..ومن المؤكد أنّ (يهوه) كان إلهًا بركانــيًا، وكما نعرف فإنّ مصرتخلو من البراكين)) وأكد على أنّ اليهود أخذوا عادة ختان الذكورمن مصر، ورغم الشواهد التى تؤكد أنها عادة مصرية، فإنّ اليهود بذلوا ((كافة الجهود الممكنة لفصلها عن مصر. ولايمكن تفسير الفقرة المحيرة فى سفرالخروج، المكتوبة بأسلوب غيرمفهوم، وتقول إنّ الله كان غاضبًا على موسى لإهماله الختان، وأنّ زوجته المديانية أنقذت حياته بإجراء عملية ختان سريعة، إلاّ أنها تناقض متعمد للحقيقة الكاشفة.. لتوجيه ضربة حاسمة إلى الأصل المصرى لعادة الختان. وقيل إنّ (يهوه) طلبها إلى إبراهام من قبل وأقامها كعلامة على الميثاق المضروب بينه وبين نسل إبراهام، وهذه- على أى حال- بدعة حمقاء بوجه خاص)) (أنظركتابه "موسى والتوحيد" ترجمة عبدالمنعم الحفنى- مطبعة الدارالمصرية- ط 2 – بدون سنة نشر- ص 84 ، 109 ، 135) وبينما وصف فرويد قدماء المصريين (بالودعاء) وصف اليهود بأنهم (همج) (ص109)
أما العالم والمفكرالإيطالى جوردانوبرونوالذى أحرقه القساوسة الأتقياء حيًا مع مطلع عام 1600 لأنه كان يـُـدافع جاليليووعن الحضارة المصرية، لأنها مؤسسة على التعددية والتسامح الفلسفى (أنظر: لويس عوض فى كتابه " ثورة الفكر- فى عصر النهضة الأوروبية- مركزالأهرام للترجمة والنشر- عام 87 عدة صفحات) هذا العالم الكبيـر(برونو) كتب عن اليهود قائلا إنهم ((بلا شك فضلات الحضارة المصرية. ولايستطيع أى إنسان أنْ يُـقنع أحدًا بأنّ المصريين قد أخذوا عن اليهود أى من مبادئهم، سواء كانت صالحة أم لا.. إنّ مصرمبدعة الكتابة والآداب، أساس كل تراثنا وشرائعنا)) (نقلا عن مارتن برنال فى كتابه الموسوعى " أثينة إفريقية سوداء"- مجموعة مترجمين- المجلس الأعلى للثقافة- عام 97 ص 286)
وذكرالعالم (ليوشتراوس) أنّ الفيلسوف الهولندى اسبينوزا (1632- 1677) ابتعد عن اليهودية. وأنّ هدفه الأساسى فى دراسته (البحث اللاهوتى السياسى) هو((تحريرالمسيحية من تراثها اليهودى)) أما العالم (كاسير) فقد أكد على ابتعاد (اسبينوزا) عن التراثيْن الدينييْن اليهودى والمسيحى معًا. وهوالأمرالذى أغضب الحاخامات اليهود على (اسبينوزا) فقرّروا طرده من الطائفة اليهودية، وبالتالى انفصاله عنها طوال حياته منذ أنْ كان فى الرابعة والعشرين من عمره حتى وفاته. وأنه لم يتراجع عن موقفه، ولم يحاول فى أى وقت أنْ يسترضى السلطات الدينية اليهودية. وفى كتابه المهم عن (اسبينوزا) كتب المفكرالكبيرد.فؤاد زكريا أنّ (اسبينوزا) رفض بشدة فكرة امتيازشعب على بقية الشعوب. وفى هذا السياق كتب اسبينوزا ((لايوجد على الاطلاق فى الوقت الحالى أى شىء يستطيع به اليهود أنْ يباهوا به غيرهم من الشعوب. أما استمراراليهود كل هذا الوقت بعد تشتتهم وضياع ملكهم، فليس فيه ما يدعوإلى العجب، إذْ أنهم قد انفصلوا عن كل أمة إلى حدٍ جلب عليهم كراهية الجميع. وعن التعصب الدينى المؤسس على أحادية الفكركتب اسبينوزا أنه ((لا الكاثوليكية ولا اليهودية يحق لها أنْ تدّعى احتكارالحقيقة لنفسها. ومن الممكن الإتيان دائمًا، فى كل حالة تلجأ فيها إحدى العقائد إلى الحجة القائلة بقدرتها على البقاء، بأمثلة أخرى لعقائد مخالفة لاتقل عنها قدرة على البقاء، ولكنْ لاهذه ولاتلك يحق– كما قلنا– أنْ تدعى لنفسها احتكارالحقيقة. ولاحظ العالم (لامبرت دى فلتهويزن) فى الرسالة رقم 42 الموجهة إلى اسبينوزا أنّ الأخير ((أنكرفكرة اختياراليهود أوتفضيلهم على بقية الأمم. وأكــّـد على أنّ ممارسة الفضائل الأخلاقية، أجدى من ممارسة شعائرالعقيدة اليهودية))
أعتقد أنّ تشبث اليهود ب (درع اليهودية) كان من الحتم أنْ يقابله رفض مفهوم (المواطنة) وأنّ رفض اليهود الفرنسيين الانتماء لفرنسا الوطن، ورفض اليهود الألمان الانتماء لألمانيا الوطن.. إلخ كان سببه تمسك اليهود بالمرجعية الدينية، لتنفيذ مشيئة إلههم بضرورة العودة إلى (أرض الميعاد) ومن هنا نشأتْ ظاهرة (الجيتو) فى المجتمعات الأوروبية. وبسبب إصرارهم على فكرة (الجيتوهات) ورفضهم الاندماج والانتماء (الوطنى) تجمّعوا ونجحوا (يجب الاعتراف بذلك) فى تكوين أكبر(جيتو) بعد استيلائهم على أرض الشعب الفلسطينى، أى أنّ اليهودية تحوّلت من عقيدة دينية إلى مذهب سياسى ثم امتزجا فصارا كوجهىْ العملة، لا انفصام ولا انفصال بينهما، وكان اسم هذه العملة (الصهيونية) وبالتالى فإنه لاخلاص للبشرية (ولليهود أيضًا كبشر) من هذه النزعة الصهيونية، وهوما يفعله التيارالعلمانى فى إسرائيل. فهل أخطأ الزعيم الفلسطينى عندما تكلم عن سلوك اليهود وليس عن ديانتهم؟
نقلا عن الحوارالمتمدان