السادة الملتحون
مقالات مختارة | سحر الجعارة
الاثنين ٩ يوليو ٢٠١٨
بعيداً عن التعليق على أحكام القضاء، فقد أثار الحكم بعودة «الضباط الملتحين» تساؤلات قانونية وسياسية وجدلاً فقهياً.. رغم أننا بقراءة متأنية لحيثيات حكم دائرة التأديب بالمحكمة الإدارية، والذى ألغت بموجبه قرار مجلس التأديب الاستئنافى بوزارة الداخلية رقم 57 لسنة 2014 بعزل عقيد شرطة من وظيفته بسبب إطلاقه اللحية.. سنجد العديد من النقاط الإيجابية، فالمحكمة أكدت أن الطاعن أقسم قبل مباشرة أعمال وظيفته باحترام الدستور والقانون، ومارس أعماله كضابط شرطة لسنوات طوال، ملتزماً بضوابط هذا المرفق ذى الطبيعة الخاصة، والتى من بينها «الالتزام بزى خاص ومظهر لائق يحكمه القانون والقرارات والتعليمات الانضباطية».. لكنه أعفى لحيته اعتقاداً منه بمخالفة قصها لأحكام الدين الإسلامى الحنيف، رغم كونها من الأمور المختلف فيها.
فبداية، لم تجزم المحكمة برأى فقهى محدد، بل أكدت على ضرورة التزام الضابط بزى خاص ومظهر يحكمه القانون والقرارات الانضباطية.
وأكدت المحكمة أن الضابط ارتكب مخالفة قانونية، وقالت إنه «أصر على المضى فى نهجه مفضلاً الاستمرار فى الجدل فى القضايا الفقهية الخلافية، دون أن يستقيل أو يلتمس عملاً آخراً».. لكن المحكمة رأت أن قرار عزل الطاعن من وظيفته قد شابه «الغلو وعدم التناسب»، على أساس أن العزل عقوبة تتجاوز «الذنب الإدارى».
لكن المجتمع المصاب بفوبيا من اختراق الإخوان لمؤسسات الدولة وانتشار الفكر السلفى، ولأن ظاهرة الضباط الملتحين تزايدت عام 2012 وارتبطت بـ«حكم الإخوان»، أصبحت «اللحية» تعبيراً عن «هوية سياسية»، وحتى إزالتها لن تمحو ما فى عقل الضابط من انحياز دينى «وفقاً لفهمه وقناعاته».. وهو ما يتعارض مع دوره الوظيفى فى تحقيق الأمن بحياد تام، دون انحياز لجنس أو عقيدة.. ولا بد أن يشعر الشعب بـ«حياد» ضابط الشرطة، وعدم خروجه عن المظهر المنضبط أو إعلان العصيان على الأوامر النظامية.. مثلما حدث من قبل!
نحن نتحدث عن جهاز شديد الحساسية، منوط به الحفاظ على مدنية الدولة وحماية الدستور، وليس تهديد الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى بـ«هيئة دينية».. ولهذا يعرف جيداً كل من التحق بالجيش أو الشرطة أنه لا بد أن يتجرد من كافة «الشعارات الدينية»، وأنه ليس له حتى «صوت انتخابى» لأنه مسئول عن تأمين العملية الانتخابية.. إنها فئة تُفرض عليها قواعد صارمة بحكم مهمتها التى يجب أن تؤديها، ولا يجب أن يكون دورها خلق صراعات وإشعال فتن داخل مؤسساتها!
ولهذا توالت الاستشكالات أمام المحكمة الإدارية العليا، لوقف تنفيذ الحكم الصادر، بعودة ضباط الشرطة الملتحين للعمل، ويقوم حالياً أعضاء المكتب الفنى لرئيس هيئة قضايا الدولة بدراسة حيثيات الحكم للخروج بإجراء قانونى للدفاع عن قرار وزير الداخلية الإدارى ومدى صلاحية هذا القرار وتطبيقه على الضباط الملتحين.
لكن الأهم من السجال القانونى، والتراشق باستخدام «حق التقاضى» من المؤيد والمعارض لأصحاب اللحى.. هو إصرار البعض على استمرار سيناريو «تفكيك الدولة» بالتمرد على القواعد التى أقسموا على الولاء لها.. صحيح أننا لا نقبل بانتزاع حق أحد فى وظيفته.. ولكن شريطة الالتزام بواجباتها.. وليس من واجب ضابط الشرطة الترويج بمظهره لمذهب أو حزب أو جماعة.. أو معاداة «الدولة المدنية» وقيم المواطنة!!
نقلا عن الوطن