الأقباط متحدون - الخلافة العباسية
  • ١٥:٤٦
  • الاربعاء , ٤ يوليو ٢٠١٨
English version

الخلافة العباسية

فاروق عطية

مساحة رأي

٢١: ٠٦ م +02:00 EET

الاربعاء ٤ يوليو ٢٠١٨

تعبيرية
تعبيرية

بقلم : فاروق عطية

 هي ثالث خلافة إسلامية في التاريخ بعد الخلفاء الراشدين وخلافة بني أمية. استطاع العباسيون أن يزيحوا بني أمية من طريقهم وينفردوا بالخلافة، وقضوا على تلك السلالة الحاكمة وطاردوا أبناءها حتى قضوا على أغلبهم ولم ينج منهم إلا من لجأ إلى الأندلس، وكان علي رأسهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، الذي استولى على شبه الجزيرة الأيبيرية.
 
 كان البطش الشديد الذي مارسه الأمويون للقضاء علي ثورات المناصرين لعلي والحسين و تنكيلهم بآل البيت قد أوغر صدور الكثيرين ضدهم. هذا بالإضافة إلي تعصب الأمويين ضد كل من هو ليس بعربي مما أهاج أهل فارس و خرسان ودفعهم للانضمام للدعوة الشيعية ليس مناصرةً لآل البيت وإنما نكاية في الأمويين ورغبة في الانتقام منهم. تحولت الدعوة الشيعية ضد الأمويين إلي دعوة سرية كوسيلة لنشر أفكارهم و حماية أنفسهم من بطش بني أمية. وعندما علم الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك بأن زعيم الشيعة هو أبو هاشم بن محمد بن علي بن أبي طالب، دعاه ذات يوم إلي قصره وقدم له طعاماً مسموماً. ولما غادر أبو هاشم قصر الخليفة شعر بالسم يسري في بدنه، فسارع بالذهاب إلي قرية الحميمة جنوب الشام التي كانت المركز السري للشيعة، والتقي بمحمد بن علي بن عبد الله بن العباس وأطلعه علي التنظيم السري للشيعة ليتولي هو الدعوة إليه و تجميع صفوفه لمحاربة الأمويين. و من ذلك الوقت بدأ بنو العباس في العمل علي استخدام الدعوة الشيعية لتجميع الناس حولهم وتقويض ملك بني أمية الذي اعتمد علي العصبية العربية والقسوة في معظم المناطق غير العربية. لذلك وجدت الدعوة الشيعية التي حمل لواءها بنو العباس صدى في بلاد فارس و خرسان. ونودي بأبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أميراً للمؤمنين لدولة بني العباس.
 
حمل لواء دعوة العباسيين في خراسان أبو مسلم الخرساني الذي أخذ يطوف بسكان خرسان يدعوهم للثورة ضد الحكم الأموي. فاستطاع في خلال أربع سنوات أن يجمع القبائل الفارسية والعجمية حوله. و في شوال 129هـ أصبحت الدعوة العباسية علنية فرفعت الرايات السوداء رمز العباسيين. و استطاع أبو مسلم الخرساني أن يخضع خرسان كلها تحت حكمه، و بذلك وضع اللبنة الأولي للدولة العباسية. وفي عام 132هـ أرسل أبو مسلم الخرساني جيشاً بقيادة قحطبة بن شيب إلي العراق فاستطاع هزيمة الأمويين و ضم العراق لدولة بني العباس الوليدة. وبذا تهيأ العباسيون للانقضاض علي مقر الخلافة الأموية في دمشق، فجهز أبو العباس جيشاً كبيراً من 300 ألف رجل من بلاد فارس علي رأسهم عبد الله بن علي. وأعد الخليفة الأموي مروان بن محمد جيشاً كبيراً من 120 ألف رجل لملاقاة جيش العباسيين، و التقي الجيشان في موقعة نهر الزاب في شمال العراق. استمرت الموقعة يومان و انتصر العباسيون انتصاراً ساحقاً  وفر الخليفة الأموي إلي دمشق، وفر عبد الرحمن بن معاوية بن هشام (عبد الرحمن الداخل) إلي المغرب ومنها إلي الأندلس حيث اسس الخلافة الأموية في الأندلس. طارد جيش العباسيين بقيادة عبد الله بن علي فلول جيش الأمويين وخليفتهم مروان بن محمد الذي لجأ إلي دمشق. فضرب العباسيون حصاراً علي المدينة استمر عدة أيام ثم دخلها جيش العباسيين وتتبع قادة الدولة الأموية و قتلهم جميعاً. فهرب مروان بن محمد إلي مصر. فتبعه جيش العباسيين حتي أوقعوا به في بلدة بوصير في الفيوم فقتلوه و قطعوا رأسه و ارسلوها إلي خليفتهم أبي العباس، الذي سُمي في التاريخ بأبي العباس السفاح لبطشه ببني أمية و قتله عدد هائل منهم. حتي قبور بني أمية لم تسلم من بطشه فقام بنبشها وإحراقها وعلي رأسها قبر معاوية بن أبي سفيان. و بذلك انتهت دولة بني أمية التي استمرت قرابة مائة عام.
 
 بعد نجاح ثورة العباسيون قاموا بنقل عاصمة الخلافة من دمشق إلى الكوفة، ثم الأنبار قبل أن يقوموا بتشييد مدينة بغداد لتكون عاصمتهم التي ازدهرت طيلة ثلاث قرون من الزمن وأصبحت أكبر مدن العالم وأجملها وحاضرة العلوم والفنون، لكن نجمها أخذ بالأفول مع بداية غروب شمس الدولة العباسية ككل. عرفت الدولة العباسية عصرها الذهبي خلال عهدي هارون الرشيد وابنه المأمون، إذ نشطت الحركة العلمية وازدهرت ترجمة كتب العلوم الإغريقية والهندية والفهلوية إلى اللغة العربية على يد السريان والفرس والروم والقبط من أهالي الدولة العباسية، الذين عملوا على تطوير تلك العلوم وابتكروا عدة اختراعات مفيدة، كما ازدهرت الفلسفة، واكتمل تدوين المذاهب الفقهية الكبرى: الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية عند أهل السنة، والجعفرية والزيدية عند الشيعة، وبرزت الكثير من الأعمال الأدبية والفنية مثل كتاب ألف ليلة وليلة وغيرها. ساهم أهل الكتاب من المسيحيين واليهود والصابئة بهذه النهضة الحضارية، وبرز منهم علماء وأدباء وفلاسفة كبار.
 
تنوّعت الأسباب التي أدّت لانهيار الدولة العباسية، ومن أبرزها: بروز حركات شعوبية ودينية مختلفة في هذا العصر، وقد أدّت النزعة الشعوبية إلى تفضيل الشعوب غير العربية على العرب، وقام جدل طويل بين طرفيّ النزاع، وانتصر لكل فريق أبناؤه. وإلى جانب الشعوبية السياسية، تكوّنت فرق دينية متعددة عارضت الحكم العبّاسي. وكان محور الخلاف بين هذه الفرق وبين الحكام العبّاسيين هو «الخلافة» أو إمامة المسلمين. وكان لكل جماعة منهم مبادئها الخاصة ونظامها الخاص وشعاراتها وطريقتها في الدعوة إلى هذه المبادئ الهادفة لتحقيق أهدافها في إقامة الحكم الذي تريد. وجعلت هذه الفرق الناس طوائف وأحزابًا، وأصبحت المجتمعات العباسيّة ميادين تتصارع فيها الآراء وتتناقض، فوسّع ذلك من الخلاف السياسي بين مواطني الدولة العبّاسية وساعد على تصدّع الوحدة العقائدية التي كانت هي أساس الوحدة السياسية. ومن العوامل الداخلية التي شجعت على انتشار الحركات الانفصالية، اتساع رقعة الدولة العبّاسية، ذلك أن بُعد العاصمة والمسافة بين أجزاء الدولة وصعوبة المواصلات في ذلك الزمن، جعلا الولاة في البلاد النائية يتجاوزون سلطاتهم ويستقلون بشؤون ولاياتهم دون أن يخشوا الجيوش القادمة من عاصمة الخلافة لإخماد حركتهم الانفصالية والتي لم تكن تصل إلا بعد فوات الأوان، ومن أبرز الحركات الانفصالية عن الدولة العباسية: حركة الأدراسة وحركة الأغالبة، والحركة الفاطمية.
 
انتهى الحكم العباسي في بغداد سنة 1258م عندما أقدم هولاكو خان التتاري على نهب وحرق المدينة وقتل أغلب سكانها بما فيهم الخليفة وأبنائه. انتقل من بقي على قيد الحياة من بني العباس إلى القاهرة بعد تدمير بغداد، حيث أقاموا الخلافة مجددًا في سنة 1261م، وبحلول هذا الوقت كان الخليفة قد أصبح مجرد رمز لوحدة الدولة الإسلامية دينيًا، أما في الواقع فإن سلاطين المماليك المصريين كانوا هم الحُكّام الفعليين للدولة. وكان محيي الخلافة العباسية في القاهرة هو السلطان الظاهر بيبرس، الذي رغب بأن يكون الحاكم المُسلم الذي يُعيد الحياة إلى هذه الخِلافة على أن يكون مقرَّها القاهرة، لِيجعل منها سندًا لِلسلطنة المملوكيَّة التي كانت بِحاجةٍ ماسَّة إلى دعمٍ روحيٍّ يجعلها مهيبة الجانب، بِالرُغم من الانتصارات التي حققتها ضدَّ المغول، ولِيُحيط عرشه بِسياجٍ من الحماية الروحيَّة يقيه خطر الطامعين في مُلك مصر والشَّام، ويُبعد عنه كيد مُنافسيه من أُمراء المماليك في مصر الذين اعتادوا الوُصُول إلى الحُكم عن طريق تدبير المُؤامرات، وكي يظهر بِمظهر حامي الخِلافة الإسلاميَّة. لذلك استدعى إلى القاهرة أمير عباسي يدعي أبو القاسم أحمد وبايعه هو وأإمة الديار المصرية بالخلافة، فقلد الخليفة السلطان بيبرس حكم البلاد الإسلاميَّة، وما سيفتحهُ من بلادٍ في دار الحرب، وألبسهُ خُلعة السلطنة. ومُنذ ذلك الوقت عُرف كل سلطان مملوكي بـ«قسيم أمير المؤمنين». استمرت الخلافة العباسية قائمة حتى سنة 1519م، عندما اجتاحت الجيوش العثمانية بلاد الشام ومصر وفتحت مدنها وقلاعها، فتنازل آخر الخلفاء عبد الله بن منصور عن لقبه لسلطان آل عثمان سليم الأول، فأصبح العثمانيون خلفاء المسلمين، ونقلوا مركز العاصمة من القاهرة إلى القسطنطينية.
 
قد اختلفت الخلافة العباسية عن الخلافة الأموية في كثير من الأشياء، منها أن الخلافة الأموية اعتمدت في حكمها علي العصبية العربية و مساندة القبائل العربية، في حين أن الخلافة العباسية اهتمّت بالمساواة بين الرعية من العرب والعجم، وصار الموالي يتولون المناصب الكبيرة في الدولة علي قدم المساواة مع العرب. و أصبح للعناصر الفارسية ثم التركية مقام كبير في الجيش. كما أن الفتوحات المتوالية في عهد بني أمية قد قلت و تباعدت في عهد بني العباس، فتفرغ الناس للدراسة والعلوم والفلسفة والفن، ولقي العلماء تشيجعاً كبيراً من الخلفاء و خاصاً في عهد المأمون.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع