نحتفل هذه الأيام بذكرى ثورة 30 يونيو والوطن يعانى من تحديات كبرى، وهذه الثورة لم تكن الأولى التى شارك فيها المواطنون المصريون «المسلمين والأقباط»، بل كانت الثورة السادسة، الأولى كانت 1804 حينما وقف البابا مرقص الثامن، والمعلم إبراهيم الجوهرى مع عمر مكرم وشيخ الأزهر الشيخ الشرقاوى فى الثورة لخلع الوالى العثمانى خورشيد باشا، وتنصيب محمد على باشا، مؤسس الدولة المصرية الحديثة، ولكن محمد على نفى عمر مكرم وانفرد بحكم مصر، وكذلك 1882 وقف البابا كيرلس الخامس بجوار أحمد عرابى وشيخ الأزهر محمد المهدى العباسى فى وجه الخديوى توفيق، وأيد البابا عرابى طوال الثورة العرابية، وبعد الاحتلال البريطانى حدث العقاب الجماعى للأقباط بالإسكندرية «فيما سمى مذبحة الإسكندرية» على غرار ما حدث بعد 30 يونيو «14 /18 أغسطس 2013»، وكذلك نفى البابا إلى دير البراموس 1890 من الإنجليز لمواقفه الوطنية، نفس البابا وقف بجوار الوفد وسعد زغلول فى ثورة 1919، جنبا إلى جنب مع شيخ الأزهر أبوالفضل الجيزاوى، لكن الوفد انشق ووقف صدقى باشا ضدها وألغى دستور 1923 حتى ثار الشعب المصرى فى ثورة منسية «1930/1935» حتى عاد الدستور، ولكن جاءت يوليو 1952 وما تلاها من منجزات حتى 5 يونيو 1967 واحتلال إسرائيل لسيناء وتوحد الشعب المصرى من جديد، وهكذا وقف كيرلس السادس مع ثورة يوليو، والحق المصرى والعربى فى استعادة الأراضى المحتلة بعد 1967، وصولا إلى موقف البابا تواضروس الثانى من 30 يونيو، مرورا بموقف البابا شنودة من عروبة القدس والتطبيع مما تسبب فى احتجازه فى دير الأنبا بيشوى، ستة ثورات وستة دساتير «1882، 1923، 1958، 1971، 2012، 2014» شارك فيهم الأقباط بالدم، وكانت تضحياتهم إلى جوار إخوانهم المسلمين عظيمة.
وعندما أتى السادات إلى سدة الحكم، وقد حل مجلس قيادة الثورة جماعة الإخوان المسلمين 1954، فأصبحت الجماعة بلا سند قانونى، وهاجرت معظم قياداتها هربا من نظام عبدالناصر بعد قضية 1965، التى صدر الحكم فيها بإعدام ستة من قيادات الجماعة وسجن آخرين. وعقد السادات مصالحة مع جماعة الإخوان لضرب التيار اليسارى المناهض فى الجامعات والشارع، وتم فى عهده تغيير دستور1971، التى أدت لشرعنة وجود الجماعات الإسلامية، وخلط الدينى بالمدنى، وبداية بروز ما يسمى بالمرجعية الإسلامية فى الفكر المدنى المصرى، وفى عصر مبارك تم التمكين السياسى والاجتماعى للجماعة.
وبالتأكيد أنه إذا كان الرئيس السابق السادات قد شرعن لتواجد الجماعة غير المشروع على هامش المجتمع المدنى، فإن عصر الرئيس السابق مبارك قد أدى لتمكين الجماعة سياسيا عن طريق عقد الصفقات المتبادلة بين النظام والجماعة مثل صفقة دخول 88 عضوا من جماعة الإخوان فى البرلمان المصرى 2005، التى اعترف بها قيادات جماعة الإخوان فى أكثر من حوار معلن، وعلى الصعيد الاقتصادى ووفق تقديرات للباحث سيطر الإخوان على %55 من تجارة العملة و%21 من تجارة التجزئة، وعلى صعيد المجتمع الأهلى ارتفعت نسبة الجمعيات والمؤسسات الأهلية الإخوانية فى عصر مبارك من %2 إلى %12 من العدد الكلى للجمعيات فى مصر، علما بأن الجمعيات الإسلامية وفق تقديرات التضامن الاجتماعى %21، والمسيحية %9، علما بأن القانون لا يسمح بالعمل فى الدين أو فى السياسة! ويضاف إلى ذلك إلى أن الجمعيات الدينية الإسلامية حصلت على أكثر من %28 من التمويلات الأجنبية الممنوحة للجمعيات فى التسعينيات من القرن الماضى.
وهكذا يمكن القول إن العصر الذهبى للإخوان كان عصر مبارك، أو يمكن القول إن الإخوان فى عصر مبارك نجحوا فى أسلمة المجتمع وتديينه بما فى ذلك الحزب الوطنى الحاكم، وكان نظام السادات ومن بعده نظام مبارك قد أضعفا المعارضة غير الدينية عبر عدة أحزاب كرتونية شكلية، وحطم البنى التنظيمية لباقى فصائل الإسلام السياسى، الأمر الذى أدى لتفرد الجماعة ككيان منظم مؤهل للتحالف مع أى سلطة للاستيلاء على الحكم، وهذا ما حدث بعد ثورة 25 يناير 2011.. وتوحدت الأمة من جديد، وكان الأقباط أول من انسحبوا من الجمعية التأسيسية لدستور 2012، وكان لهم حضور مؤثر فى الاحتشاد أمام الاتحادية، ومنذ نوفمبر 2012 وحتى 30 يونيو 2013 ساهم المواطنون المصريون الأقباط إلى جوار إخوانهم المسلمين فى التصدى للحكم الإخوانى، وكان البابا تواضروس الثانى بجوار شيخ الأزهر فى طليعة مكونات حلف 30 يونيو، وبالطبع لا ننسى كيف عاقب الإخوان الأقباط قبل الثورة بالاعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية «مايو 2013» للمرة الأولى منذ تأسيس مصر الحديثة، ثم العقاب الثانى الجماعى «أغسطس 2013»، وقد أصدر نيافة الأنبا مكاريوس، الأسقف العام لإيبارشية المنيا وأبو قرقاص للأقباط الأرثوذكس، كتابا يحمل عنوان: «رحيق الاستشهاد» جاء فيه أن عدد الكنائس التى تم حرقها وتدميرها بالكامل خلال الإرهاب الإخوانى فى أعقاب فض رابعة بلغت «36» كنيسة ومنشأة مسيحية، فى حين تم حرق وتدمير «16» كنيسة ومنشأة بشكل متوسط، و«8» بشكل جزئى، كما تم نهب وسلب 4 كنائس ومنشآت مسيحية، وبلغ عدد الخسائر بممتلكات الأقباط الخاصة «421»، جنبا إلى جنب بتدمير منشآت الدولة والاقتصاص والتنكيل برجال الشرطة، ومازالت الجماعة تمارس الإرهاب المنظم علانية.
ومن ثم يواجه المصريون الإرهاب جنبا إلى جنب مسلمين وأقباط، ومن ثم مستقبل الجميع مرتبط بمستقبل الوطن، فجماعة الإخوان المسلمين مازالت تستهدف الوطن ككل، ولكن الأقباط يعانون مرتين، مرة بصفتهم مواطنين مصريين، وأخرى بصفتهم مسيحيين.
تحية لثورة 30 يونيو وشهدائها وتحيا مصر.
نقلا عن اليوم السابع