ألبرت أينشتاين.. ما وراء الفيزياء
مقالات مختارة | بقلم : أحمد المسلمانى
١٠:
٠٩
م +02:00 EET
الثلاثاء ٣ يوليو ٢٠١٨
( 1 )
ظلَّ إسحق نيوتن يسيطر على حركة العلم فى العالم حتى جاء ألبرت أينشتاين. امتدت سيطرة نظريات نيوتن مائتى عام.. ثم جاءت حقبة أينشتاين لتعيد النظر فى علوم الفيزياء والفلك.. فى الزمان والمكان والكتلة والطاقة.
قاد أينشتاين حركة العلم مائة عام أخرى.. ففى عام 1920 تقبَّل الفيزيائيون نظرية النسبية الخاصة، وفى عام 1921 حصل أينشتاين على جائزة نوبل.. وبدأتْ الأسطورة.
(2)
إن أسطورة أينشتاين فى علم الفيزياء جرى تمديدها.. ليتم رسم صورة باهرة للعالم العظيم فى المجالات كافة.. فى الأخلاق والتسامح، فى الحريات وحقوق الإنسان.. فى مكافحة العنصرية ودعم الحقوق المدنيّة. لكنّ جانباً كبيراً من تلك الأسطورة قد أصيب فى عام 2018.. بعد أن نشرت جامعة برنستون كتاباً ضخماً يشمل ما دوّنه أينشتاين عن رحلاته فى آسيا والشرق الأوسط.. بعنوان «يوميات سفر أينشتاين».
لقد حملت بعض سطور تلك المذكرات صدمةً كبرى للقراء والباحثين.. إن أينشتاين ببساطة كان متعالياً ومتعجرفاً.. كان عنصرياً ومعادياً للأجانب!.
ظهرت عنصرية العالم الكبير فى ميناء بورسعيد وفى سريلانكا وفى الصين. وحين نشرت الصحف العالمية نصوصاً من مذكرات أينشتاين فى هذا الصدد.. كان الأمر مروِّعاً للغاية.
(3)
فى أثناء وجوده فى ميناء بورسعيد - فى طريقه إلى آسيا - هاجم شعوب بلاد الشام والجزيرة العربية وتركيا الذين كانوا يتاجرون مع ركاب السفن الراسية.. أو يتجهون لركوب السفن مغادرين إلى دول أخرى.
قال أينشتاين: «إنهم شرقيّون قذرون».. «لقد اندفعوا إلى سفينتنا - لبيع بضائعهم - وكأنهم تدفقوا من الجحيم». وفى أثناء وجوده مرة ثانية فى ميناء بورسعيد - فى طريق عودته من آسيا - تحدَّث بعنصرية بغيضة عمّن أسماهم الدهماء والهوام الطفيليّة!.
وقد تواصلتْ عنصرية أينشتاين فى سريلانكا.. فلمّا زار العاصمة كولومبو.. تحدث باستعلاء شديد عن حياة الناس وسط القذارة والروائح الكريهة.
لكن العنصرية وصلت مداها إزاء الصين وإزاء الشعب الصينى العريق.. ولولا نشر هذه المذكرات بخطِّ أينشتاين لما تخيَّل أحد أن هذه الكلمات يمكنها أن تكون صدرت من عالم الفيزياء الأشهر.
قال أينشتاين فى وصف الصين والصينيين: «شعب قذر».. «شاهدت فى شنغهاى جنازة همجيّة، والشوارع تعجّ بالمارة، وفى الهواء رائحة نتنة لمجموعة لا نهائية من البشر».. «الصينيون أمة شبيهة بالقطيع.. أكثر شبهاً بالآلات منهم بالبشر».. «حتى الأطفال.. متبلدّون وفاقدو الإحساس.. بلا عقل وخاملون».. «الصينيون لا يملكون أى موهبة فى علم الرياضيات.. وغير مؤهلين للتفكير المنطقى».
(4)
إن تعليق الدكتور «زئيف روزنكرانز»، محرر كتاب «يوميات سفر أينشتاين» - وهو أستاذ فى جامعة كالتك المرموقة- هو الأكثر تعبيراً عن الكتاب وصاحبه: «بدأتُ أسأل نفسى.. كيف يمكن لهذا الرمز الإنسانى أن يكون مؤلف هذه المقاطع؟!».
لقد تحدث البعض ملتمساً العذر للعالم الكبير.. ذلك أنه كان يعبِّر عن آراء شخصية ليست للنشر، ثم إنَّه كان من الناقدين للعنصرية فى أمريكا والمدافعين عن الحقوق المدنية.
وتقديرى.. أن الصدمة تتمثل فى أنَّ هذه هى آراء تلك الأسطورة الفيزيائية.. حتى من دون نشر. كيف لم يرَ وهو يهاجم مرتادى ميناء بورسعيد أنه يقف فى قلب حضارات العالم؟.. كيف لم يدرك الجوهر بعيداً عن المشهد.. وكيف أهمل التاريخ والجغرافيا.. لمجرد مشاهد كانت معتادة فى مثل هذه الموانئ الكبرى.. المكتظَّة بالحركة؟!!.
ثم كيف لم يدرك أينشتاين أن سريلانكا كانت وقتها مستعمرة بريطانية.. وكيف لم يوجه نقداً واحداً إلى الاستعمار.. ويصب جام غضبه على هؤلاء البسطاء؟!!.
وأمّا موقف أينشتاين من الصين فهو خارج العلم تماماً.. انطباعات كريهة وعدائية.. وسخرية فى غير محلها من جنازة أو سوق.. أو زحام شوارع!!.
إن أينشتاين لم يدرك أنه فى حضارةٍ عمرها أكثر من أربعة آلاف عام.. وأن الصين كانت مركزاً ثقافياً عملاقاً وقت أن كانت أوروبا فى حقبة العدم.
ببساطة.. لقد ردد أينشتاين كلام الاستعمار على نحو ركيك دونما علم أو معرفة.. بفلسفة الحضارة أو طبقات التاريخ. إن أينشتاين الذى بدأ عنصرياً سرعان ما واجه هو نفسه عنصرية النازية ومأساة اليهود فى عهد هتلر. وربما هذا ما دفعه لإحداث نقلة أخلاقية جعلته مدافعاً عن الحقوق المدنية فى أمريكا.
كان ألبرت أينشتاين عظيماً فى الفيزياء.. ولكن ما وراء الفيزياء لم يكن كذلك.
نقلا عن المصرى اليوم