الناس صنفان!
مقالات مختارة | وسيم السيسي
السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٨
ذهب العقاد يسأل عن قريبه زاهر أفندى، المقيم فى فندق صغير تملكه مارى آن، فوجد فى حديقة الفندق سيدة تطعم ديكة (جمع ديك) مكرونة فقال لها: أرى أن الديكة أصبحت اليوم إيطالية!. قالت: على هذا القياس.. هى إنجليزية إذا أكلت البطاطس، مصرية إذا أكلت الفول، هندية إذا صبرت على الصيام الطويل!. استحسن العقاد هذا الرد، قال: يا آنسة... ولكنها قاطعته: أنا أم ولى طفل صغير!، قال العقاد: هناك علامة فى الأصبع... قاطعته وقالت: هذا أمر شرحة يطول، ولكن خبرنى: فى أى مزعج من مزعجات الحياة تعمل؟.. رد العقاد: هذا أمر شرحه يطول!، قالت: يبدو أنك سريع الانتقام!، قال: ليس مع كل الناس، قالت: غداً تقول لى عيناك.. شفتاك.. إلى آخر هذا الموال المحفوظ!. قال: ولماذا غداً؟ أقوله لك الآن!. قالت: آراك متعجلاً!.. قال: عدينى، وأكون أصبر من أيوب!. بدأت قصة حب العقاد وسارة حين طلبته فى التليفون بعد أن انصرف وسألته: هل كنت تتوقع هذه المكالمة؟!، قال: لم أكن أتوقعها وإن كنت أتمناها!.. كتب عنها العقاد كتاباً بعنوان «سارة»، وقال فيها أجمل أشعاره.. منها:
شفاه أذوق منها طعم الحياة/ وهل طعمها غير طعم القبل!
تسمونها قبلة وأسميها/ رحيق الحياة ورىّ الأمل.
ولما اكتشف خيانتها بعد سنة واحدة قال: ولد الحب وا فرحتاه
مات الحب وا أسفاه/لم يلهُ لم يلعب/لم يشهد أباه!.
كان العقاد يلوم «جيته» لأنه وهو فى الستين وقع فى حب فتاة فى العشرين، فلما وقع العقاد فى حب الممثلة مديحة يسرى- كما كان يسميها- قدم اعتذاراً لجيته لأنه وقع فيما وقع فيه بهذا الفارق العمرى الكبير!. كتب العقاد عن مديحة يسرى السمراء الجميلة قائلاً إن رايتنا يجب أن تكون سمراء بل هى خيانة عظمى لمصر حب واحدة شقراء!!،
كان سعد باشا زغلول يسميه الجبار، وحين كان العقاد فى البرلمان قال: إن الأمة قادرة على أن تسحق أكبر رأس تقف ضد الدستور!.. وانتظر الملك فؤاد حتى زالت الحصانة عنه، وقدمه للمحاكمة بتهمة العيب فى الذات الملكية، وحكموا عليه بتسعة أشهر سجناً.
كان العقاد يحتفظ بمجموعة أفلام كوبيا، يكشط من على كل قلم مساحة يكتب عليها اسم الوزارة التى أسقطها بمقالاته بواسطة هذا القلم، وحين أحس بقرب النهاية قال:
ستغرب شمس هذا العمر يوماً / ويُغمض ناظرى ليل الحِمام (الموت)
فهل يسرى إلى قبرى خيال / من الدنيا بأنباء الأنام
طبعت على الدنا اسمى ورسمى/ فما أبكى رحيلى أو مقامى.
رحل العقاد عن عالمنا فى 13 مارس سنة 1964، والناس صنفان كما يقول أمير الشعراء:
موتى فى حياتهم.. وآخرون ببطن الأرض أحياء.
نقلا عن المصري اليوم