وجوه الفيوم بين الإبداع والسخرية
ماجد الراهب
٢٥:
١٠
ص +02:00 EET
الاربعاء ٢٧ يونيو ٢٠١٨
ماجد الراهب
بعد أن أثارت رسوم الفنان التشكيلى المصرى أحمد الصبرونى بجريدة الدستور عاصفة من الإنتقادات بسبب رسومات مستوحاه من وجوه الفيوم وخاصة المتعلقة بالسيد المسيح دعونا نتعرف أولا على هذا الفن الذى أذهل العالم كله .
تمثل وجوه الفيوم حلقة من حلقات الأعجاز الإبداعي عند المصريين ولقد وضعت هذه الوجوه من الناحية الأثرية تاريخيا في العصر الإغريقي الروماني ، وفقا لظهورها مع مطلع القرن الأول الميلادي بحسب الجبانات التي اكتشفت بها ولكن … هل كان هذا النوع حقا رومانيا أو إغريقيا..... ؟ وكيف كان حال فن التصوير والرسم في القرن الأول الميلادي عند اليونان أو حتى عند الرومان.. ؟ وتجيئنا الإجابة القوية على لسان المؤرخ بلاينى الأكبر PLINY(1) في المجلد رقم 35 من كتابه الخاص بالتاريخ الطبيعي والذي دونه في القرن الأول الميلادي أبان عصر الإمبراطور سباستيان الأكبر ، فنجده يرثى انحطاط فن الرسم الجدارى في روما ويواصل بلاينى كلامه قالا " حتى رسوم البورتيريهات أو الصور المشابهة التي تقترب من صور الموتى لتخليدهم والتي انتقلت من عصر إلى عصر قد اندثرت تماما "
ويفسر بلاينى ذلك بأنه لم يعد الإنسان الفرد يهتم بالشهرة أو الشرف بدرجة كبيرة تجعله يريد أن يترك صورته كي نتذكره وهذه الذكرى هي الدافع الأساسي وراء فن الصورة الشخصية .
كانت هذه شهادة بلاينى التي تؤكد عدم وجود الصورة الشخصية في القرن الأول الميلادي بالإضافة إلى انحطاط فن الرسوم الجدارية على حد قوله.
واكتفى بهذه الشهادة لواحد يعتبر أعظم مؤرخي القرن الأول هو بلاينى الأكبر.
وننتقل بعد ذلك من بلاد الرومان جنوبا بما يقرب من 1200 ميل إلى مصر القرن الأول الميلادي وفي نفس الوقت الذي كتب فيه بلاينى ذلك فنجد فن الصورة الشخصية مزدهرا متألقا في منطقة الفيوم وفي عدة مناطق أخرى في شمال الوادي وجنوبه وسط الدلتا وفي أقل من قرن من الزمان سقطت مصر في يد الإمبراطورية الرومانية بعد أن تغلغلت المسيحية في مصر على يد القديس مرقس الرسول صاحب إنجيل مرقس وانتشرت في كافة الأراضي المصرية بين جموع الشعب بفئاته المختلفة .
أحتل الرومان مصر بعد موقعة أكتيوم سنة 31 ميلادية وقد ظهرت في هذا الوقت بعض الأمثلة القوية من البورتيريهات المرسومة على لوحات خشبية والمثبتة وسط اللفائف الكتانية في موضع الرأس والرقبة ويعد هذا الأسلوب امتداد للرؤية والفلسفة والديانة المصرية الأصلية بالحفاظ على الجسد بعيدا عن الفساد وبعيدا عن عوامل الطبيعة و التحلل كي يصبح الجسد مسكنا للروح السرمدية عند عودتها ، هذه الفكرة العقائدية تخالف تماما فكرة البوريتريه النحتي الجنائزي التي تصور المتوفى وقد استسلم نهائيا إلى الفناء كما نرى عند الإغريق والرومان.
يقدر عدد بورتيريهات الفيوم بأكثر من 700 سبعمائة بورتيريه موزعه بين متاحف العالم وجامعوا الآثار منها على سبيل المثال 130 قطعة في أمريكا الشمالية وحدها ومجموعات كبيرة في باركلى وتورنتو ومتحف بول جيتى الذي حصل على ما يقرب من 24 قطعة قبل عام 1887 ، ولقد كانت أول مجموعة من البورتيريهات من نصيب الرحال بيترو دى لافال أقتناها عام 1615 ومجموعة هنرى سولت في أوائل عام 1800 ولقد كان هنرى سولت هذا نائبا للقنصل البريطاني في مصر.
ولقد انضمت هذه المجموعة الآن إلى متحف اللوفر، والغريب في الأمر أن معظم هذه الروائع ذهبت إلى مقتنيها من كبار رجالات الدول الأروبية كهدايا لا ترد أو باعتبارها أشياء نادرة اشتراها بعض الهواة من المسافرين إلى مصر ، ولعل أخطر هؤلاء الرحالة الإيطالي تيودور جراف الذي وصل إلى مصر سنة 1829 فلقد استطاع أن يحصل على مجموعة كبيرة من هذه البورتيريهات المرسومة على قطع الخشب عن طريق وكيل له بمصر ونقلها إلى أوربا وقد حصل عليها وكيله من بدوي جاهل يعمل في البحث عن الملح في منطقة الروبيات شمال شرق الفيوم حيث توجد جبانة كبيرة لسكان مدينة فيلادلفيا القديمة وفي عام 1889 عرض أحد اللصوص الآثار الأجانب 90 لوحة من تلك اللوحات للبيع في كل من أوربا وأمريكا وبعد وفاة تيودور جراف بيعت مجموعة الآثار المتبقية لديه وكان من ضمنها 200 قطعة من هذه اللوحات في الثلاثينات من هذا القرن.
الحزن والألم الباطن
وأن الناظر إلى الوجوه سوف يلاحظ سمات أساسية موجودة ومرتبطة بالواقع الذي تعيشه مصر في ظل اضطهاد الرومان للمسيحيين هذه السمات هي الألم الباطن والحزن المرتسم في العيون والنظرة المتأملة الناطقة بمشاعر عصرها ، وهذه السمات الأصل في حال الفن القبطي عامة بعد ذلك ولقد أمتد الشعور بالحزن المرتسم على الوجوه وصاحب مراحل الفن القبطي بعد ذلك وعلى الرغم من نهاية عصر الشهداء مع بداية القرن الرابع الميلادي .
فالفنان يعبر بصدقه الفني عن الواقع الإنساني والواقع النفسي العام بالإضافة إلى السمات الشخصية للمتوفى .
وفي النهاية لنا أن نفخر بروائع مدرسة الفيوم أو فن الصورة الشخصية كما يجب لمصريين بعيونهم السوداء وشعورهم السوداء المنسدلة أو المجعدة وعلامات الحزن التاريخي التي تركت آثارها الواضح على فناني مصر والعالم مثل بيكاسو "Picaso " وماسيمو كامبيلى " Kampili " وجورج البهجورى وزكريا الزينى والفنانة الكبيرة تحية حليم وجمال محمود وحلمى التونى والفنانة ثناء عز الدين وغيرهم كثير من الشباب وإلى الدهر الآتي سوف تظل وجوه الفيوم مدرسة عظيمة اشتعلت أنوارها مع بداية القرن الأول الميلادي لتظل منارة مصرية أصيلة على مر التاريخ .
أخيرا
إن الفنان أحمد الصبرونى عندما أستلهم رسم بعض اللاعبين من إبداعات وجوه الفيوم لا يؤخذ عليه شىء بل بالعكس نشجعه وندعوا كل الفنانيين بالاستلهام من هذا التراث ، ولكن احيانا النوايا الخبيثة تكون مغلفة بالنويا الطيبة وهذا ما يدعنا أن نستنكر أن يضع الفنان المدرب كوبر بنفس تركيبة أيقونة السيد المسيح برموزها الفنية التى تختص بالسيد المسيح فقط ويطلق عليه المخلص ، وأن يكون عنوان المقال بركاتك يا عذرا وأعتقد لا يوجد دخل للعذراء بماتش يمكن أن يخسر أو يكسب ويصير الموضوع مجرد سخرية من المخلص الذى لم يستطع فعل شىء مع الفريق أو العذراء التى لم تستجيب .