نابليون بونابرت معلقا رياضيا !
د. أحمد الخميسي
٢٥:
١٠
ص +02:00 EET
الثلاثاء ٢٦ يونيو ٢٠١٨
د. أحمد الخميسي
اخراج المنتخب الروسي منتخبنا المصري من المونديال بثلاثة أهداف يؤكد أن قاعدة الانتصار هي التنظيم والبناء العام الذي تنخرط فيه المكونات الفردية، بينما أكد الهدف الذي أحرزه محمد صلاح أن عبقرية الموهبة الفردية تظل استثناء جميلا مثل الزهرة التي لا تخلق ربيعا بمفردها. وقد شهد التاريخ المصري في الثقافة والأدب والسياسة والحروب استثناءات الموهبة العبقرية التي لم تخلق ربيعا، شاهدنا بطولة عبد المنعم رياض في العسكرية والحربية، ورأينا في العلوم عبقرية الطبيب مجدي يعقوب والطبيب محمد غنيم والعالم المصري عادل محمود رائد أبحاث اللقاح الذي نعاه العالم منذ أيام ونحن لا نكاد نشعر به،
وعايشنا نجيب محفوظ الذي قادنا إلي نوبل في الآداب، ومن قبله طه حسين الفلاح الصعيدي الضرير الذي تمكن بعبقريته من نشر النور على الثقافة العربية، وأخيرا ها نحن نتابع موهبة محمد صلاح الفذة التي وضعته بصفته أفضل لاعب كرة قدم في العالم. وقد ظلت مصر دوما تومض بتلك العبقريات الفردية في عصور الظلام، والتنوير، والعدل، والظلم، لتعلن أنها حية، وعصية على الصمت. لكن تلك العبقريات كلها هي الاستثناء، إذ لم تستطع واحدة منها أن تفسح للربيع مجالا، وظل نورها يتقطع كالنجوم البعيدة بين الغيوم القاتمة. سجلت الأهداف الروسية الثلاثة حقيقة أن التنظيم والتكوين أقوى من المهارات الفردية أيا كانت عظمتها. وكان نابليون بونابرت أول من انتبه إلي تلك الحقيقة حينما غزا مصر، واشتبكت جنوده مع المماليك، وتابع المعارك وقال:" يستطيع ثلاثة
مماليك بمهاراتهم الفردية أن يهزموا عشرة جنود فرنسيين، وعشرة مماليك يمكنهم التغلب على عشرين، لكن مئة مملوك ينهزمون أمام كتيبة فرنسية من ثلاثين جنديا". هذه القصة التي أوردها أحمد حمروش في كتابه " مصر والعسكريون" لتبين لنا بدقة الفارق بين مهارات العبقرية الفردية ذات الأفق المحدود وبين القوة التي يمنحها التنظيم والتخطيط والتكوين العام، ولتبين لنا أيضا أن قاعدة الانتصار في أي مجال هي التنظيم العام. ما الذي نفعله لكي نبني قاعدة رياضية مصرية؟ كم ننفق على النشاط الرياضي في المدارس؟ كم لدينا من النوادي وصالات التدريب؟. في الخارج تدخل الرياضة بصفتها مادة أساسية في كل مراحل التعليم، الرياضة بكل أنواعها من شطرنج وكرة قدم إلي هوكي وخلافه. وتنتشر الملاعب وحمامات السباحة في كل مكان، وتؤدي دورها في المناخ البارد أو الحار من دون توقف. ومن الصعوبة بمكان القول إننا نعتمد على قاعدة " التنظيم"، لكننا نعقد آمالنا فقط على الاستثناء النادر الذي يومض
بمواهب الشعب المصري: محمد صلاح في الكرة، ونجيب محفوظ في الأدب، ومجدي يعقوب في الطب، ومحمد عبد الوهاب في الموسيقا، وطه حسين في الثقافة، وعادل محمود في العلوم، وهكذا. لكننا لا نحاول إرساء حجر أساس لتنظيم قوي في تلك المجالات. ولك أن تتساءل: كم ننفق على الأبحاث العلمية؟ كم ننفق على الفنون داخل المدارس؟ كم ننفق على نشر الأدب وغرسه في نفوس الطلاب؟. وللمقارنة فقد شاهدت حين كنت أدرس في موسكو عربة من عربات مترو الأنفاق مخصصة للأدب، تدخلها، فتجد على جدرانها لوحات بصور الأدباء العظام، ومقتطفات من أقوالهم، وسير حياتهم، أما عندنا فإن أقصى ما بلغه خيالنا السقيم أن نقترح إقامة أكشاك للفتاوى داخل محطات المترو! الفرد المتفوق حالة استثنائية لا تخلق ربيعا، أما التنظيم والتخطيط فكفيلان بذلك،
وللمواهب الفردية حدود لا يمكنها أن تتجاوزها أيا كانت عظمتها، وهي قد تلمع مرة وتخبو عشرات المرات، أما التنظيم فيبقى القوة الضاربة الحقيقية لأي مجتمع ينشد التطور. ولعل ذلك هو الفارق الحاسم بين الرقص الشرقي، وفن الباليه. الرقص الشرقي يعتمد على مهارات فردية للراقصة، وهي محدودة مهما تمكنت الراقصة من فنها، لأنها " فرد" ، أما في الباليه فيلوح فن التنسيق والتناغم بين أكثر من راقص مما يمنح العمل قوة وثراء غير مسبوقين.
وعايشنا نجيب محفوظ الذي قادنا إلي نوبل في الآداب، ومن قبله طه حسين الفلاح الصعيدي الضرير الذي تمكن بعبقريته من نشر النور على الثقافة العربية، وأخيرا ها نحن نتابع موهبة محمد صلاح الفذة التي وضعته بصفته أفضل لاعب كرة قدم في العالم. وقد ظلت مصر دوما تومض بتلك العبقريات الفردية في عصور الظلام، والتنوير، والعدل، والظلم، لتعلن أنها حية، وعصية على الصمت. لكن تلك العبقريات كلها هي الاستثناء، إذ لم تستطع واحدة منها أن تفسح للربيع مجالا، وظل نورها يتقطع كالنجوم البعيدة بين الغيوم القاتمة. سجلت الأهداف الروسية الثلاثة حقيقة أن التنظيم والتكوين أقوى من المهارات الفردية أيا كانت عظمتها. وكان نابليون بونابرت أول من انتبه إلي تلك الحقيقة حينما غزا مصر، واشتبكت جنوده مع المماليك، وتابع المعارك وقال:" يستطيع ثلاثة
مماليك بمهاراتهم الفردية أن يهزموا عشرة جنود فرنسيين، وعشرة مماليك يمكنهم التغلب على عشرين، لكن مئة مملوك ينهزمون أمام كتيبة فرنسية من ثلاثين جنديا". هذه القصة التي أوردها أحمد حمروش في كتابه " مصر والعسكريون" لتبين لنا بدقة الفارق بين مهارات العبقرية الفردية ذات الأفق المحدود وبين القوة التي يمنحها التنظيم والتخطيط والتكوين العام، ولتبين لنا أيضا أن قاعدة الانتصار في أي مجال هي التنظيم العام. ما الذي نفعله لكي نبني قاعدة رياضية مصرية؟ كم ننفق على النشاط الرياضي في المدارس؟ كم لدينا من النوادي وصالات التدريب؟. في الخارج تدخل الرياضة بصفتها مادة أساسية في كل مراحل التعليم، الرياضة بكل أنواعها من شطرنج وكرة قدم إلي هوكي وخلافه. وتنتشر الملاعب وحمامات السباحة في كل مكان، وتؤدي دورها في المناخ البارد أو الحار من دون توقف. ومن الصعوبة بمكان القول إننا نعتمد على قاعدة " التنظيم"، لكننا نعقد آمالنا فقط على الاستثناء النادر الذي يومض
بمواهب الشعب المصري: محمد صلاح في الكرة، ونجيب محفوظ في الأدب، ومجدي يعقوب في الطب، ومحمد عبد الوهاب في الموسيقا، وطه حسين في الثقافة، وعادل محمود في العلوم، وهكذا. لكننا لا نحاول إرساء حجر أساس لتنظيم قوي في تلك المجالات. ولك أن تتساءل: كم ننفق على الأبحاث العلمية؟ كم ننفق على الفنون داخل المدارس؟ كم ننفق على نشر الأدب وغرسه في نفوس الطلاب؟. وللمقارنة فقد شاهدت حين كنت أدرس في موسكو عربة من عربات مترو الأنفاق مخصصة للأدب، تدخلها، فتجد على جدرانها لوحات بصور الأدباء العظام، ومقتطفات من أقوالهم، وسير حياتهم، أما عندنا فإن أقصى ما بلغه خيالنا السقيم أن نقترح إقامة أكشاك للفتاوى داخل محطات المترو! الفرد المتفوق حالة استثنائية لا تخلق ربيعا، أما التنظيم والتخطيط فكفيلان بذلك،
وللمواهب الفردية حدود لا يمكنها أن تتجاوزها أيا كانت عظمتها، وهي قد تلمع مرة وتخبو عشرات المرات، أما التنظيم فيبقى القوة الضاربة الحقيقية لأي مجتمع ينشد التطور. ولعل ذلك هو الفارق الحاسم بين الرقص الشرقي، وفن الباليه. الرقص الشرقي يعتمد على مهارات فردية للراقصة، وهي محدودة مهما تمكنت الراقصة من فنها، لأنها " فرد" ، أما في الباليه فيلوح فن التنسيق والتناغم بين أكثر من راقص مما يمنح العمل قوة وثراء غير مسبوقين.
في شبابه كان الأديب الفرنسي العالمي ألبير كامو صاحب رواية " الغريب" حارس مرمى فريق جامعة وهران في الجزائر عام 1930، وكتب فيما بعد عن تجربته مع كرة القدم يقول: " كل ما أعلمه عن الحياة تعلمته من كرة القدم.. تعلمت أن الكرة لا تأتي أحدا قط من الجهة التي ينتظرها منها " ! والأديب الكبير محق، ولكن بوسعنا أن نضيف شيئا إلي ما قاله وهو أن علينا الاستعداد بالتنظيم للكرة التي لا ندري بعد من أي جهة ستأتي.