الأقباط متحدون | الديمقراطية بين الممارسة والإدعاء
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٣:١٣ | الأحد ٢٦ يونيو ٢٠١١ | ١٩ بؤونة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤٣٦ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

الديمقراطية بين الممارسة والإدعاء

الأحد ٢٦ يونيو ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: عبدالخالق حسين

يمر العراق في انعطافة تاريخية حادة منذ إسقاط حكم البعث يوم 9 نيسان 2003، ويواجه مرحلة تحولات اجتماعية وسياسية عاصفة، وفي هكذا مرحلة لا بد وأن تحصل إعادة اصطفاف القوى، و خلافات واختلافات في الرأي بين أبناء الشعب، وخاصة بين المثقفين من الكتاب والسياسيين. وبطبيعة الحال، الكل يدعي أنه ديمقراطي يدافع عن حرية التعبير والتفكير وتقبل التعددية واحترام الرأي الآخر المختلف. ولكن المحك هنا في الممارسة والتطبيق وليس بالإدعاء، إذ حتى البعثيون يدعون أنهم ديمقراطيون. لذلك ما أن تنشر مقالاً أو تبدي رأياً مخالفاً لرأي أحدهم أو موقف تنظيم سياسي معين، حتى وتأتيك رسائل مليئة بالشتائم والتحقير والتخوين والابتزاز، ليس من بعثيين فحسب، بل وحتى من أشخاص كنا نتوسم فيهم التعامل بروح حضارية وتقبل الرأي الآخر، ولم يخطر على بالنا يوماً بأن يسلك هؤلاء سلوك البلطجة البعثية.

فالديمقراطية نتاج تربية حضارية تبدأ من العائلة مروراً بالمدرسة والجامعة والمجتمع والسلطة...الخ. وهناك شبه إجماع لدى الفلاسفة وعلماء التربية أن أهم مرحلة تؤثر في حياة الإنسان وتشكل شخصيته ومستقبله هي مرحلة الطفولة، إذ كما قال الفيلسوف البريطاني برتراند راسل:"الحرب تبدأ من الطفولة".

والمجتمع العراقي معروف بالقسوة، فالإنسان العراقي مقموع في جميع مراحل نموه وتطوره من المهد إلى اللحد، يتعرض للعنف منذ الرضاعة. فمما ينقل عن موروثنا الاجتماعي في هذا الصدد أنه عندما يأخذ الأب طفله إلى (الكتّاب) أو المدرسة لأول مرة، يقول للمعلم "لك اللحم ولي العظم"، أي من حق المعلم أن يضرب الطفل حتى يهرس لحمه، ولكن دون أن يكسر عظامه. وفي هكذا تربية، ليس من المتوقع أن يتحول هذا الإنسان إلى ديمقراطي حقيقي يحترم الرأي الآخر المختلف بمجرد تغيير نظام حكم البعث الفاشي، فالبعث نتاج هذا الموروث الذي يقدس العنف.

ومن تجربتي الشخصية، منذ أن وطأت قدماي أرض بريطانيا قبل 32 سنة، دخلت في صراع مع الذات لأبدأ بما أسماه المفكر المصري الكبير الراحل سلامة موسى بـ(التثقيف الذاتي، أو كيف نربي أنفسنا)، فحاولت أن أتغيِّر وأتخلص من ترسبات الماضي قدر الإمكان. وأعتقد أني نجحت في ذلك إلى حد ما. والمشكلة أني بين حين وآخر اصطدم بأشخاص عراقيين يعتبرونك ديمقراطياً فقط إذا اتفقت معهم في آرائهم وأيديولوجياتهم مائة بالمائة، أما إذا اختلفت معهم ولو بنسبة 10% فأنت عدو لدود، ولست ديمقراطياً، وخاصة إذا كان هؤلاء من أحزاب الأيديولوجيات الشمولية، حيث ينظرون لأحزابهم نظرة دينية محاطة بهالة من القداسة والعصمة، والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يتجرأ وينتقدهم.

وفي بريطانيا وجدت في الديمقراطية الليبرالية دليلاً مرشداً لاكتشاف إنسانيتي وتحقيق طموحاتي الفكرية في التعبير عما أؤمن به من الأفكار المتجددة دوماً، فرأيت من العبث تجميد الزمن في أيديولوجية معينة في هذا العالم المتغير بوتيرة متسارعة. وبعد كل ما حصل للعراق من خراب شامل بسبب نظام الحزب الواحد والرأي الواحد، والأيديولوجية الواحدة والحاكم الواحد، شعرت بأن من واجبي كمثقف أن أقول رأيي في أية مسألة بحرية وصراحة دون أن تأخذني في الحق لومة لائم، ومهما تعرضت إلى حملة ضارية من المؤدلحين ضيقي الأفق.
وبعد نشر مقالي الأخير الموسوم (التظاهرات كعلاج نفسي)، رحت استلم رسائل فيها الكثير من الابتزاز وكيل النعوت النابية مثل "كتاب الحكومة"، و"كتاب المالكي" وكتاب "وعاظ السلاطين"، و"الكتاب الرجعيين"، وآخرها "الكتاب المتملقين للحكام"...الخ. والمفارقة أن أكثر هذه الرسائل الهجومية تأتي من شخص كنت أكن له الاحترام خاصة وهو ناشط في حركة التيار الديمقراطي، وإذا بهذا الديمقراطي للنخاع لم يتحمل أي رأي مغاير لرأيه سامحه الله. والسؤال الذي يجب أن يطرح هو: من هو المتملق يا ترى، الذين يتزلفون للجماهير ويدفعونها للهاوية، مستغلين معاناتهم، أم الذين يقومون بإرشادها، وحرصاً على مصلحتها، وما يحمله هذا العمل من اتهامات شتى؟
يقول جوزيف ستوري، وهو رجل قانون أمريكي من القرن التاسع عشر: "الجمهوريات الديمقراطية هي نتاج الفضيلة وحكمة الشعب، وذكاء المواطنين. وتنهار عندما يختفي العقلانيون من مجالس الشعب، لأنهم يتجرؤون أن يكونوا نزيهين، والمداهنون يكافئون لأنهم يتزلفون للعامة من أجل خدعهم وخيانتهم."
وهذا بالضبط ما يجري في عراق اليوم. فالواجب يحتم علينا كمثقفين، أن نقول آراءنا في أية مسألة بمنتهى الحرية والصراحة والصدق. فالجدل بين أصحاب الآراء المختلفة مفيد لأنه يساعد لمعرفة الحقيقة، على شرط أن يتم بأسلوب حضاري ودون تخوين أو تحقير أو تكفير، ونترك الحكم للزمن، لأن في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح، والبقاء للأصلح.

والغرض من هذا المقال ليس الرد على أصحاب الرسائل الشتائمية الابتزازية، بل للرد على مقال الأستاذ عادل حبه بعنوان: (مرة أخرى... قدراً من الدقة العلمية والأكاديمية وبعيداً عن الانفعال والاندفاع) وهو رد على مقالي الموسوم:( التظاهرات كعلاج نفسي)[1] الذي اقترحت فيه على المسؤولين في الدولة تشجيع العراقيين على التظاهرات السلمية لأنها حق دستوري مشروع، ووسيلة لتفريغ شحنات الغضب المتراكم في النفوس عبر عشرات السنين من القهر والظلم والاستلاب، وكتدريب لهم على ممارسة الديمقراطية. ولكن مع الأسف الشديد، حاول البعض عن قصد أو سوء الفهم، لي عنق الحقيقة لغاية في نفس يعقوب، وتفسير ما قلته بأنه كلام ضد الشعب. وهذه تهمة تحريضية خطيرة(معاذ الله)، الغرض منها التأليب، وغير لائق خاصة أن يصدر من مثقف بوزن الأستاذ حبه، رغم أنهم يرددون مقولة (الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية).

تجريد الجنود وليس المتظاهرين من السلاح
من المعروف أن معظم الاختلافات والصراعات بين الناس سببها سوء فهم أقوال بعضهم البعض. ويبدو أن الأستاذ عادل حبه أساء فهم بعض الفقرات من مقالي، فكرس نصف مقاله على فقرة وردت في مقالي، ورغم أنه نقلها عن طريق الاستنساخ الإلكتروني (copy and paste) الذي لا يقبل الخطأ. فقد ذكرت في مقالي الآنف الذكر: "وكان رئيس حكومة الثورة، الزعيم عبدالكريم قاسم يبعث الجنود بعد أن يجردهم من السلاح، لا لمنع المظاهرات بل لحماية المتظاهرين من بعضهم البعض، فيقوم الجنود بفصل البعثيين عن الشيوعيين،". المعنى واضح من الجملة أن الزعيم قاسم كان يجرد الجنود من السلاح. ولكن السيد عاد حبه فهم الجملة بالشكل التالي إذ قال: "وهنا لا أدري من أين أتى الدكتور بوقائع حول إرسال الزعيم جنوده ليجرد المتظاهرين من السلاح وفصل البعثيين عن الشيوعيين؟؟؟؟..". وهذا لم يرد في مقالي إطلاقاً. لذلك راح يكتب صفحات تلو الصفحات لينفي فيها امتلاك الحزب الشيوعي للسلاح. أرجو من الكاتب مراجعة الفقرة ثانية ويقرأها بتمعن. وعليه فلا أرى حاجة لإضافة المزيد في هذا الخصوص.

عن هتاف البعثيين
ينفي الأستاذ عادل حبه أن ردد المتظاهرون البعثيون والقوميون في عهد المرحوم قاسم هتاف (يا بغداد ثوري ثوري.. خلي قاسم يلحق نوري). الحقيقة أني شخصياً شاهدت تظاهرة من هذا النوع عندما كنت طالباً في السنة الأولى في كلية الطب في الموصل، فمرت تظاهرة للبعثيين في شارع الدواسة حيث كنا نقيم في القسم الداخلي هناك، وذلك قبيل انقلاب 8 شباط 1963 الأسود بشهر، وهم يرددون هذا الهتاف البغيض. كما وأن الدكتور علاء الدين الظاهر أشار إلى هذا الهتاف في بحث له عن تلك الفترة، نشره في (مجلة الموسم، العدد 32، عام 1997، ص57-93)، وأشار فيه إلى كيف كان الانضباط العسكري يحمون المتظاهرين في بغداد وهم يمزقون صور الزعيم عبدالكريم قاسم ويرددون هذا الهتاف.

الغوغائية مرة أخرى
وقع الكاتب في نفس المطب الذي وقع فيه الكتاب اليساريون أيام ثورة 14 تموز 1958، الذين اعتبروا كل الغوغاء شعب بمثل ما كان الحكام في العهد الملكي يعتبرون كل الشعب غوغاء. وقد تطرقتُ إلى هذا الموضوع في مقال بعنوان (الشعب والغوغاء من منظور الوردي - رابط المقال في الهامش)[2]. فالأستاذ عادل حبه يحاول جاهداً نفي صفة الغوغائية في التظاهرات الجماهيرية ومهما كانت تصرفاتهم. وهنا أنقل بعضاً مما قاله الراحل العلامة علي الوردي في هذا الخصوص كشاهد عيان، وهو عالم اجتماع كان يترصد هذه الظواهر المؤسفة من الناحية الاجتماعية في تلك الفترة وأثبتها في كتبه، فقال:
"هنا أود أن أصارح القارئ بقول قد لا يرتضيه مني، هو أني كنت في العهد البائد (يقصد العهد الملكي) أخشى من غضب الحكام، وقد أصبحتُ في العهد الجديد أخشى من غضب "الغوغاء". وأرجو من القارئ أن لا يسئ فهم قولي هذا. فالغوغاء ظاهرة اجتماعية موجودة في كل مجتمع، شهدنا أثرها في العراق كما شهدناه في مختلف البلاد والمجتمعات. وكلما اشتد الجهل في بلد أزداد خطر الغوغاء فيه.
"وقد أشار إلى خطر الغوغاء مفكرون لا نشك في نزعتهم الشعبية والديمقراطية. أشار إليه ماركس وانجلز في "البيان الشيوعي". وأشار إليه علي بن أبي طالب قبل مئات السنين، حيث قال عن الغوغاء أنهم همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح، وقال عنهم كذلك أنهم الذين إذا اجتمعوا ضروا وإذا تفرقوا نفعوا.
" وحدث لي شخصياً، ذات يوم أن شهدت جماعة من الغوغاء يجرون بالحبل جثة شخص ويمثلون بها فلم أر فيهم رجلاً يحترم نفسه. عند هذا تذكرت قول الإمام الآنف الذكر. فهؤلاء الذين يقومون بمثل هذا العمل الفظيع لا نتوقع منهم عادة أن يكونوا مواطنين صالحين. إنهم من سفلة الناس وحثالاتهم. وقد دلت الأبحاث الاجتماعية الحديثة أن الكثيرين منهم يندفعون في أفعالهم الغوغائية تحت تأثير دوافع دنيئة كامنة في أعماق نفوسهم. فهم لا يستطيعون أن يحققوا تلك الدوافع في الأوقات الاعتيادية، ولهذا نراهم ينتظرون الفرصة المؤاتية لهم، وقد تأتيهم الفرصة إثناء التظاهرات والانتفاضات الشعبية، فيدسون أنفسهم بين صفوف الشعب ويستغلون فترة الحماس السائد فيندفعون في القتل والمثلة وهم فرحون مستبشرون." (د. علي الوردي، الأحلام بين العلم والعقيدة، دار كوفان، لندن، ط2، 1994، ص 319- 320). فما موقف الأستاذ عادل من كلام الوردي؟

حول الدقة العلمية والأكاديمية
يشرح المؤرخ البريطاني الأستاذ (Norman Davies) في كتابه عن تاريخ أوربا، الموسوم (Europe: A History) في معرض المقارنة والمقاربة بين الشيوعية والفاشية، فيقول أن الأيديولوجيتين ورغم الاختلاف والعداء بينهما، تشتركان في صفات كثيرة، ويعددها بنحو 16 صفة، أذكر منها: العلمية الزائفة (Pseudoscience)، وتبنيهما لأهداف طوباوية، ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة، واحتقارهما الشديد للديمقراطية الليبرالية...الخ. فكلتاهما تدعيان العلمية وأن أيديولوجيتيهما نتاج العلم، ولذلك نلاحظ التأكيد الدائم وبتكرار ممل على كلمة (العلمية) في أدبيات هاتين الأيديولوجيتين، فنقرأ مثلاً: الاشتراكية العلمية، والشيوعية العلمية، والنظرة العلمية، والمنهج العلمي...الخ، كما وكانت دول أوربا الشرقية الاشتراكية تسمي نفسها بـ"الديمقراطيات الشعبية"، وهي كناية وتسميات مهذبة للدكتاتورية. والغرض من كل ذلك هو إيهام الناس بأن ما يقولونه هو علم وحقيقة، ومن يخالفهم فهو إما جاهل أو سيء النية. ونرى هذه المفردات تتكرر بكثرة عند الكتاب الشيوعيين والبعثيين، ولم يشذ عن هؤلاء الأستاذ عادل حبه إذ جعل عنوان مقاله: (مرة أخرى... قدراً من الدقة العلمية والأكاديمية وبعيداً عن الانفعال والاندفاع). نلاحظ هنا التأكيد على تعبير "الدقة العلمية والأكاديمية" في أقواله، ووصف الآخر بـ(الانفعال والاندفاع). فالرفاق دائماً يتحدثون بالدقة العلمية والأكاديمية وغيرهم بالإنفعالية والإندفاع، ومع احترامي للكاتب، وكما يقول المثل: "رمتني بدائها وانسلت". وهنا أود التحذير من مخاطر الوقوع في فخ اليقينية واتهام الآخر بالانفعالية..الخ. إذ يقول نيتشة: «ليس الشك، وإنما اليقين، هو الذي يقتل!». ولذلك انتهت هذه الأيديولوجيات اليقينية "العلمية جداً" إلى متحف تاريخ الأفكار، إلى جانب هياكل الداينصورات.

حكومة المحاصصة والفساد!!
هناك حملة إعلامية واسعة وشرسة ومنسقة بدهاء من قبل اليمين واليسار، في الداخل والخارج، لإظهار حكومة الشراكة الوطنية المنتخبة وكأنها الشر المطلق. ولكونها منتخبة ديمقراطياً، فالحملة شملت الطعن حتى بالانتخابات والديمقراطية، حيث رفع البعض لافتة (الموت للديمقراطية). وهذا تمهيد لإسقاط الحكومة وإلغاء الديمقراطية وإغراق الشعب في فوضى عارمة، وفرض البديل اللاديمقراطي تحت مختلف الواجهات. وقد تركز ذلك بشكل واضح في الخطاب السيئ الصيت الذي ألقاه الدكتور أياد علاوي، زعيم كتلة "العراقية" يوم 10 حزيران الجاري، والذي وصف فيه منافسيه في الحكومة بالبغاة، والذي ذكَّرنا بالبيان رقم واحد أيام الانقلابات العسكرية،.[3]

فمنذ سقوط حكم البعث الفاشي، راح البعثيون وحلفاؤهم من أتباع القاعدة والإعلام العربي يسمون الحكومة العراقية بحكومة الإحتلال، وحكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية والفساد. ولم نسمع هذه التهمة ضد الحكومة من الشيوعيين يوم كانوا يشتركون فيها بحقيبة وزارية واحدة، ومقعدين في البرلمان، ولكن بعد أن خسروا مقاعدهم في الانتخابات الأخيرة انضموا إلى جماعة الصارخين ضد "حكومة المحاصة الطائفية والفساد" وبذريعة الإصلاح السياسي وليس الإسقاط !. لقد نسي هؤلاء أن هذه المحاصصة والفساد نتاج مرحلة صعبة مفروضة على العراق بحكم 40 سنة من النظام البعثي الطائفي الجائر الذي أعاد العراق إلى ما قبل مرحلة الدولة والشعب. ولا نريد هنا الدفاع عن السيد المالكي، ولكن الحقيقة يجب أن تقال أن المالكي لم يستلم السويد أو سويسرا، بل استلم خرائب وأنقاض في بلد مشلول، والأشد خراباً هو الخراب البشري، ومقولة صدام حسين معروفة عمن يحكم العراق من بعده، حيث جعلوا من العراق بلداً غير قابل للحكم إلا من قبلهم وبالقبضة الحديدية. والغريب أن السيد عادل حبه يستخدم هذا الخراب ومقولة صدام لتبرير التأليب على الحكومة المنتخبة.
وعن المحاصصة والفساد، من المفيد أن أقتبس ما قاله الأستاذ حسن حاتم المذكور في مقاله الموسوم (المالكي على لوحة الإشاعات): "السيد نوري المالكي لم يؤسس لنظام التحاصص عبر تشكيلة مجلس الحكم المؤقت، ولم يشترك في دورة رئآسة الجمهورية لشهر واحد، ولم يكن أول أو ثاني رئيس حكومة الفرهود الشامل، وإشعال حرائق الفتن الطائفية والعرقية، بل وجد كل شيء جاهزاً ولا بـد أن يتعامل معه ويكون جزءً منـه كواقع عراقي ليس باستطاعة أحد القفز عليه بمجرد الرغبة والتمنيات، لهذا فمن الخطأ شخصنة القضيـة، بل من الحكمة والإنصاف النظر إليها ونقدها كحالـة عراقية (مرحليـة) مفروضة لا مناص من المرور بها، وتحمل تبعاتها مهما كانت مرفوضـة"(4)

نعم، كلنا نتمنى لو كان العراق مثل السويد وسويسرا، ونتمنى لو كانت الأحزاب العلمانية قد فازت بكل المقاعد البرلمانية، ونتمنى لو طبق في العراق نظام انتخابي مماثل للنظام البريطاني (First past the post)، ولكن التمنيات شيء وترجمتها إلى واقع شيء آخر، فالسياسة فن الممكن، وليست أحلام طوباوية. المطلوب هنا أن نبدأ بمعالجة هذا الواقع المزري، والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات ديمقراطية رغم أنها دون مستوى الطموح بكثير، والعمل على تطويرها إلى الأفضل وليس تدميرها. أما حملة التشهير والتأليب ضد الحكومة، فهي لا تؤدي إلا إلى المزيد من الدمار والخراب، يكون فيه الشعب هو الضحية، واليساريون في مقدمة من يدفع الثمن كما دفعوا في انقلاب 8 شباط 1963، وعدنها سيلقون اللوم على غيرهم، ويتنصلون من مسؤوليتهم، كما فعلوا من قبل.

والسؤال الذي أود أن يجيب عليه المحرضون أو أي كاتب شيوعي هو: لو كان للشيوعيين مقعد أو مقعدين في الوزارة، فهل قاموا بكل هذا التأليب ضد الحكومة والعملية السياسية؟ وإذا أجابوا بنعم، فلماذا وقف الحزب مع الحكومة في الدورة السابقة عندما كان له فيها وزير واحد؟ فما الذي تغير؟ هل حكومة المحاصصة وتفشي الفساد حصلا بعد مغادرة الوزير الشيوعي الوحيد من الحكومة؟

 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :