محمد صلاح.. من «وجوه الفيوم»
مقالات مختارة | فاطمة ناعوت
الاثنين ٢٥ يونيو ٢٠١٨
شكرًا للمنتخب المصرى الذى منحنا ساعاتٍ وأيامًا وأسابيعَ من الفرح والفخر والأمل. وشكرًا لكل إنسان، مصريًّا كان أو غير مصرى، شجّعَ فريقنا فى المونديال ورفع علمَ مصرَ، وهتف باسمها. وشكرًا للفنان المصرى، أحمد الصبروتى، الذى رسم وجوه بعض لاعبى المنتخب ومُدرّبهم كوبر، بتقنيات الفن القبطى الفريد، تخليدًا للحظة تاريخية فريدة من تاريخ مصر، وتخليدًا لرجاء دثّر المصريين بالدفء أسابيع وشهورًا. وبرسوماته تلك، فإنما فتح كوّةً من النور على فنٍّ مصريّ مندثر، حتى يراه العالمُ؛ فيتعرفوا على عظمة الريشة المصرية المبكّرة، التى سبقت العالم، والتى كانت قبسَ إلهام للعديد من الفنون الأوروبية على مدى العصور.
رسم الصبروتى وجوه اللاعبين بتقنيات «لوحات الفيوم»، المشهورة باسم «وجوه الفيوم». وهو فنٌّ جنائزيٌّ استثنائى، ابتكره الفنان المصريُّ القديم فى القرن الميلادى الأول، أثناء العصر الرومانى، لرسم وجوه الشخصيات المصرية المرموقة، لتوضع فوق توابيتهم، كبديل أسهل للمنحوتات التى كان الفراعين يمثلون بها وجوه المتوفين فوق توابيتهم بالحفر على الحجر، حتى تتعرف عليها الأوراح، وفق المعتقد المصرى القديم، حيث تبحثُ الأرواح عن أجسادها الدنيوية لتعود إليها فى رحلة البعث. ولفرادة ذلك الفن التشكيلى المصرى من بين فنون التاريخ، صار فنًّا عالميًّا مقترنًا باسم مصر النبيل.
ورسم الفنان المصرى الشاب، أحمد الصبروتى، فلسفته الخاصة ورؤاه عن كل لاعب. حيث توّج رأس محمد صلاح بغصن سلام ذهبى، كإشارة إلى أن هذا اللاعب قد نجح فى نشر روح السلام فى المجتمع المصرى، بعدما اجتمع على حبّه جميع أطياف الشعب، حين رفض بذكائه وفطرته السليمة أن «يُؤدلَج» دينيًّا أو «يُعنصَر» طائفيًّا، رغم كل المحاولات السخيفة والبائسة من المتطرفين وبعض الإعلاميين التافهين. فقدّم نفسه كلاعب مصرى موهوب يعشق وطنه ويعتنق الإتقان. أما إيمانه فهو شأن خاصٌّ بينه وبين الله، لا يجوز حتى ذكره حين الكلام عنه كلاعب مصرى عالميّ موهوب.
وللأسف، هاجت بعضُ الألسن المتطرفة، ونالت من الفنان أحمد الصبروتى، واتهمته بازدراء الدين المسيحي! وكان ينبغى أن أُكمل المقال حتى منتهاه بعلامات التعجب! أولئك الغاضبون يخلطون مثل بسطاء الناس بين كلمة «قبطي»، بمعنى مصرى، وكلمة «مسيحي». القبطية «عِرقٌ»، والمسيحية «عقيدة». والخلط بينهما يشبه النكتة القائلة: النخلة أطول واللا القطار أسرع؟! الفنون إجمالا قد ترتبط بالحِقَب التاريخية: (الكلاسيكى، الحديث، ما بعد الحداثي)، أو بالفلسفات: (القوطى، الدادائى، السوريالى، التكعيبى، الرومانسى، التأثيرى) أو بالأعراق: (البيزنطى، الرومانى، الإغريقى، الصينى، الفارسى، القبطي). ولكن لا علاقة للفنون بالأديان والعقائد. فحين نقول الفن الإسلامى، فإنما نقصد التيمات الزخرفية والمقرنصات والخطوط التى ابتكرها مسلمون للتعبير عن أفكارهم الفنية. ولكن ليس من نصّ فى القرآن قد وضع فلسفة ذلك الفن. وحين نقول الفن القبطى، فإنما نعنى التيمات الفنية التى ابتكرها المصريّ القديم. وحين رُسم السيد المسيح بتقنية الفن القبطى، بتيمة وجوه الفيوم، فذلك لأن مصريين قد رسموها فى ذلك العصر، وليس لأن نصًّا فى الإنجيل قد وضع فلسفة ذلك الفن.
أولئك المسيحيون الغاضبون من تلك الرسومات، لا يختلفون شيئًا عن المتطرفين الإسلاميين الذين يحاكمون الفنون والآداب فى محكمة التعصب والطائفية. فيحرّمون علينا أن نستخدم فى كتاباتنا الأدبية كلمة أو عبارة وردت فى القرآن الكريم. منهم رجلٌ استنكر عبارة الهرم الأكبر، لأن الأكبر هو الله! ناسيًا أنه بهذا المنطق المُختلّ سوف يُحرّم كل أساليب التفضيل مثل الأجمل والأعلى والأرقى والأغنى والأكرم، فجميعها هو الله. وعليه تحريم جميع كلمات المعجم، لأنها وردت بالقرآن. أخرجوا الدين من الفن؛ حتى يستقيم كلاهما.
نقلا عن المصري اليوم