الدراما والتراجع اللاإرادى
مدحت بشاي
٣٩:
٠٩
م +02:00 EET
السبت ١٦ يونيو ٢٠١٨
كتب : مدحت بشاي
لاشك أن الفنون المصرية بكل أشكالها ومسمياتها، كانت عبر التاريخ عنوان حضارة شعب له إنجازات عبقرية في كل مجالات الإبداع الإنساني غير مسبوقة، وبعضها حتى تاريخه يبقى متفرداً غير قابل للنسخ أو التقليد وإعادة الإنتاج.
ويشهد التاريخ المصري المعاصر أن الدراما بكل صورها وأنماطها وكذلك الموسيقى والأغاني قد ساهمت بشكل رائع في تنمية الولاء الوطني لدى المواطن المصري وبغير توجيه سياسي في كثير من الأحيان، فضلاً عن تحقيق ريادة حقيقية في مجال دعم صناعة متميزة تحقق أعلى مردودات اقتصادية بشكل كان يبدو أنه يمثل شبه احتكار لسوق الدراما التليفزيونية والأغنية والبرنامج الإذاعي والتليفزيوني في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، حتى جانا نهار ما قدرش يدفع مهرها على رأي الخال «الأبنودي»، نعم جانا نهار ومعاه بداية تغيرات باتت وكأنها تشكل مؤامرة على الذوق والإبداع وعلى صناعة رائعة وبضاعة رائجة تفتح لها الأسواق بتلهف واحترام وتقدير، وتزامناً واتساقاً مع فكرة تخلي مؤسسات الدولة عن دعم ورعاية الثقافة والفنون، والدراما التليفزيونية بشكل خاص، توقفت كل قطاعات الإنتاج التليفزيوني عن تقديم الدراما بشكل كبير، وبداية دخول القطاع الخاص كمنتج شريك أو من الباطن.. ولأن القطاع الخاص والمنتج الآن - للأسف وفي معظم الحالات - له أهدافه المادية فتم تحول الشكل والمضمون الدرامي للاستجابة لمخطط عام لصالح من أقدموا على الفتك بأروع وأعظم عناصر القوة الناعمة المصرية بزعم رذيل وكاذب «الجمهور عايز كده» عبر توليفة اللعب بمشاعر التدين ومجموعة مشاهد «بهارات وتوابل الإيحاءات الجنسية» وبعض الكادرات الساخنة، فإذا أضيفت مجموعة مشاهد مطاردات بوليسية مثيرة وشوية صراعات مع تجار مخدرات وفتوات المطاوي والسيوف، فإنها الوصفة المسيطرة على شكل ومضمون الأعمال التي تشغل معظم الشاشات الرمضانية الآن!
ويسأل المشاهد المسكين:
• أين كتاب الدراما الكبار ومخرجونا العظام ؟.. يسري الجندي ودراما السير الشعبية.. محفوظ عبدالرحمن وملاحمه الوطنية... محمد فاضل صاحب التاريخ العريض في دراما الأسرة المصرية والطرف الثاني في دراما أسامة عكاشة في محاربة مظاهر الفساد الحكومي الإداري والمالي.. وغيرهم كثيرون رأى بعضهم الاحتجاب في زمن الرداءة، والبعض الآخر رأى أهل إنتاج البكش والهمبكة والدم الثقيل أنهم خارج الزمن وشغلهم قديم!
• متى تنتهي ظاهرة سيطرة النجم الأوحد على سوق الدراما، فالبداية عنده ورضا معاليه بالكام مليون الأول، ثم تعطفه باختيار الموضوع والكاتب ومشاركته الكاتب في كثير من الأحيان كتابة المشاهد لزوم التنجيم، ثم اختيار المخرج ومعاونيه المرضي عنهم من جلالته لمشاركته التمثيل برعايته وتوجيهه.. ده كلام؟!
• وبالعودة لما ذكرت في بداية المقال عن وجود مؤامرة منذ زمن لتدمير آليات قوانا الناعمة، يسأل المشاهد المتابع.. كيف يمكن قراءة خبر ومعلومة أن لدينا مسلسلات تكلف إنتاجها مليار جنيه، بينما كعكة الإعلانات لا يتجاوز مقدارها نصف مليار جنيه؟!.. وبالطبع في دنيا الدراما التليفزيونية لا خسائر، فتبقى علامات الاستفهام.. من يغطي الفارق؟.. ولصالح أي جهة يتم تدمير الأهداف الأسمى لدراما كانت تحمل رايات التنوير فباتت تذهب بنا إلى دوائر القبح والتراجع الحضاري ؟!