بقلم  : محمود الزهيري
mahmoudelzohery@yahoo.com
8
في ظل هذه الأجواء أصبح شاغراً لجميع الجماعات الدينية علي السواء , والتي حولت المساجد إلي مقار حزبية , تنطلق منها الندوات والمؤتمرات , والإعلان عن مرشحي الرئاسة , وكأن من يعمل بالسياسة من هذه الجماعات الدينية سوف يحكمنا من السماء , وليس من الأرض , خاصة وأن الأحزاب السياسية أصبحت غثاءاً غثاء السيل , لاتسمن بنضالات سياسية , ولاتغني عن مستقبل محفوف بالمخاطر والصراعات الإجتماعية والسياسية بخلفيات دينية , كلها تعتمد نصوص من القرآن والسنة , لتجد شرعية دينية مقدسة في ميدان السياسة والمجتمع , وكأن قيادات هذه الجماعات الدينية , اصبحوا وكلاء حصريين عن الله رب العالمين في وجوب طاعتهم , لأنها حسب مفهومهم , مستمدة من طاعة الله سبحانه وتعالي , وهنا مكمن الخطورة , لأن غالبية الجماعات الدينية ستدعي أنها صاحبة العصمة من الخطأ والزلل , وانها هي والفرقة الناجية سواء بسواء , وبقية الجماعات الدينية في النار , وكلهم بذلك يصيروا ممثلين للفرقة الناجية بجدارة وامتياز , وكلهم يصيروا كذلك بجدارة وامتياز ممثلين للفرقة الكافرة , وتبدأ مسلسلات التنابز , والتراشق بالكفر والفسوق , والخروج عن طاعة الله , ومحاددة الله ورسوله , وهذا ليس بين هذه الجماعات والمجتمع , ولكن بين هذه الجماعات وبعضها البعض , والذين هم في النهاية أعضاء في هذا المجتمع , لننتظر الكوارث والمصائب , ويصبح الصراع ويصير محتوماً , ولكن ليس من أجل المشتركات الإنسانية الحياتية , وتحسين ظروف وأحوال ومعيشة الإنسان , ولكن ليكون من أجل هويات مجانية صادمة لكل من هو غير منتمي لهوية الآخر , ويكون الصراع بزعمهم من أجل رضاء السماء , وليس من أجل سعادة الإنسان الذي هو خلق الله رب الأرض ورب السماء !!

9
من حق كل إنسان أن يتساءل عن الحاضر المعاش , وعن تأزماته , وعن المستقبل الذي يبدو محفوفاً بالمخاطر الحقيقية , في ظل غياب متعمد لمنظومة الأمن , وفي ظل تقاعس يبدو وكأنه مقصود من أجل الحفاظ علي تلك المنظومة التي من واجباتها الأساسية أن تحفظ الأمن , وتعمل علي إستعادته , وعلي السعي قدماً في طريق وضع الأسس العصرية لبناء الدولة , علي اساس من منظومة الحقوق والواجبات , وتوسيع دوائر المشاركات السياسية لصناعة مستقبل نود ونطمح أن يكون باهراً بتطلاعاتنا إلي دولة مدنية تسع الجميع , في ظل إطار عام يحترم الإنسان , ويعمل علي الحفاظ علي المباديء العامة للأديان التي جاءت من السماء للإرض من أجل خدمة الإنسان , والعمل علي سعادته , ورفاهيته , والحفاظ علي كرامته , وصون حريته , بما لايتعارض مع حريات الآخرين , وصولاً إلي التوافق عملياً علي كل مايؤدي إلي إعلاء من شأن المشتركات الإنسانية العامة التي تؤدي إلي تحقيق هذه الأهداف المنشودة , مع الإحتفاظ بالهويات في إطار الدستور والقانون ..

10
فهل قامت الثورة المصرية , لتتيح الفرصة لمناخات من الحرية أن تكون علي هذا النحو الإقصائي , المبني علي الترعيب والتخويف بالتكفير والتفسيق , والتخويف تحت دعاوي محاربة الله ورسوله , ومحاربة الإسلام , والعمل علي تعطيل أحكامه وتطبيق شريعته , وليس هذه الإدعاءات علي ما أعتقد , ولكنها من أجل صراعات سياسية تنطوي عليها مفاهيم دينية مزعومة ويوظفون لها بعض الآيات من القرآن , وأحاديث السنة , حتي لايستطيع أي فريق سياسي آخر من إستعمال حقه في النقد والنقض لبعض الرؤي والتصورات والمفاهيم التي تبسط سيطرتها تلك الجماعات الدينية .
11
أري ان هناك من هم خارج الإطار الوطني المصري ممن هم أصحاب المصلحة في هزيمة الثورة المصرية , والإرتداد بها إلي مرحلة ماقبل 25 يناير 2011 , لتكون هذه الدول التي تخشي الثورة المصرية في مأمن من عدوي الثورات وخاصة المصرية , وعلي الرأس منها المملكة العربية السعودية , والكويت , ولاننسي أحدث الفتاوي التي أفتي بها الشيخ صالح بن محمد اللحيدان , عضو هيئة كبار علماء المسلمين بالممكلة العربية السعودية, والذي أفتي بضلالة "الاشتراكيين " "والحوثيين "و "الاخوان المسلمين " في اليمن، وحرّم عليهم تولي مقاليد الحكم في اليمن

وقال في معرض رده على سؤال حول اليمن ، أن هؤلاء ليسوا أهل لأن تكون لهم الولاية في بلد إسلامي لأنهم لايهتمون بالعقيدة ولأنهم ليسوا أهل أن تكون الولاية لهم في البلد الأسلامي اليمن , سائلاً الله أن يعجل بالقضاء على هذه الفتنة في اليمن, وهذه الفتوي بمثابة صك لإعمال التقتيل والتذبيح في الإشتراكيين , والإخوان المسلمين , والحوثيين في اليمن , أو غيرها من البلدان التي يتواجد فيها الإشتراكيين , أو الإخوان المسلمين , والحوثيين , وإلا فما معني الدعاء والتبتل إلي الله بأن يعجل بالقضاء علي هذه الفتنة !! أليست هذه المفاهيم عدائية للثورات سواء كانت ثورة تونس , أو مصر أو اليمن أو الثورة السورية , وبوادر ثورة البحرين , وسلطنة عمان , وفي القريب العاجل ستطول الثورة مملكة آل سعود !!


وأذكر إذ اذكر مافعلته إمارة عجمان من طباعة العلم المصري علي الأحذية التي يتم إستخدامها في المراحيض , في الإعلان عن حالة نفسية عدائية للوطن والمواطن , ولاننسي حجم التمويلات التي من الممكن أن تساعد علي السير في هذا المنحي حتي تكون مصر في زيل الأمم المتخلفة , وتبتعد عن دورها الريادي والحضاري بمناخات الحرية والديمقراطية علي أسس وقواعد الدولة المدنية , المحافظة علي مباديء الهويات الدينية , كلُ حسب دينه ومعتقده ..
وكذلك حسب نظرية المؤامرة التي لاتخلو حدتها علي الدوام في أن مصر دولة محورية ولها خصوصية في المنطقة العربية الإسلامية , ومنطقة الشرق الأوسط , والعالم , وكل القوي المناوئة لمصر تلعب علي نفس الأوتاربمعزوفاتها الهادئة , ولكن علي نفس الأوتار الملغومة ..

12
أري أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو مرحلياً صاحب الدور الرئيس حصرياً , في وقف هذا النزف للقوي الإجتماعية , والسياسية , وأنه هو المنوط به الإنتقال بالوطن والمواطنين إلي بر الأمن والأمان , بمشاركات المواطنين , وتفعيل دوره كراع للدستور والقانون , والديمقراطية والحريات , في هذه المرحلة الإنتقالية , أما مايحدث علي الساحة , فإنه يعتبر إخلالاً بواجبات المجلس الأعلي للقوات المسلحة , وهذا ما لانرجوه أن يكون علي الإطلاق , لأنه بمثابة عزف هاديء علي أوتار ملغومة !!
أم أن الجماعات الدينية تحرم كل أنواع المعازف , وتستأثر وحدها بالعزف علي أوتار المحرمات الإجتماعية والسياسية بجسد موسيقي ملغوم , قابل للإنفجار عند إرتفاع نغمات العزف الحماسية !!؟