إيماننا الأقدس وحياتنا الروحية
بقلم : للأب القمص أفرايم الأورشليمى
الإيمان المسيحى عقائد وحياة
- الإيمان المسيحي الأقدس الذي نؤمن به ونحياه وبه نصل إلى الحياة الأبدية ، يعتمد في جوهره على حقائق إيمانيه هامة وعقائد إيمانية موحى بها من الله من خلال العهدين القديم والجديد . وهو ليس مجرد اعتناق مجموعة عقائد نتلوها في قانون الإيمان ، رغم أهميتها كعقائد مسيحية إنما هو حياه نحياها أو عقيدة تقود إلى حياة . فما هي الحقائق الإيمانية الضرورية للمسيحي والتي يجب ان يؤمن بها ويحياها لتقوده إلى حياه روحية سليمة وتصل به إلى الأبدية .
- اننا يجب ان نؤمن بالله الواحد ضابط الكل خالق السماء والأرض وما يرى وما لا يرى ، ونؤمن بابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا الذي تجسّد وتأنس من الروح القدس ومن القديسة العذراء مريم من اجل خلاصنا وصلب ومات ، وقام ليقيمنا وصعد إلى السموات وجلس إلى يمين أبيه وأيضا يأتي في مجده ليدين الإحياء والأموات . ونؤمن بالروح القدس الرب المُحيّى المنبثق من الآب الناطق في الأنبياء وبكنيسة واحدة وحيدة مقدسة جامعة رسوليه وبمعمودية واحده لمغفرة الخطايا وبقيامة الأموات وحياة الدهر الآتي .
- كان هذا الإيمان هو إيمان الكنيسة الأولى منذ عصورها الرسولية وصاغته الكنيسة في مجامعها المسكونية في نيقية والقسطنطينية وأفسس . ونمارس الإسرار الكنسية لبناء حياتنا الروحية وللحصول على مفاعيل الإيمان وعمله فينا ، ونؤمن بعصمة الكتاب المقدس ككلمة الله المحيية ، وكلما كانت عقيدتنا المسيحية سليمة قادتنا إلى حياة روحية سليمة . ان حقائق المسيحية الكبرى ليست ضد العقل البشرى وان سمت فوقه ، ولكن الروح القدس يجعلنا نقبلها ونصدقها ونحياها . فالروح القدس يجعلنا نفهم الأمور الروحية والحقائق الإيمانية ويدخل بنا إلى أعماق الله ، فالروح القدس يأخذ من ألآب ويعطينا . اننا نؤمن ثم نتعقّل كما يقول القديس اغسطينوس . ونطلب من الله ان يفتح أذهاننا لنعرف ما في الكتب عن الحقائق الإيمانية التي تسلمناها من الرب يسوع المسيح ومن الآباء الرسل القديسين . ونحافظ عليها بدمائنا ونحياها من جيل إلى جيل .
الله الواحد الذي نؤمن به
- الله واحد وهذا هو بدء قانون إيماننا المسيحي وما أكده الكتاب المقدس والثالوث المقدس هو فهم للذات الإلهية الواحدة لله فالله كائن موجود عاقل حي . فكما ان الإنسان له ذات عاقلة حية وكما ان الشمس لها كيان يشع نورا وحرارة هكذا الله مع الفارق في التشبيه . الله "اب" له كيان موجود" والابن" هو عقل الله الناطق الذي اخذ جسدا فى ملء الزمان من العذراء مريم بالروح القدس دون ان يحد التجسد من لاهوته فهو حكمة الله وقوته . " والروح القدس" هو روح الله المحيي وواضح ان الله وعقله وروحه كيان واحد ( فالذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد ) 1 يو 5 : 7 . والسيد المسيح أمر التلاميذ ان يتلمذوا ويعلموا ويعمّدوا باسم الأب والابن والروح القدس الإله الواحد.
- ان إيماننا ان يسوع المسيح هو ابن الله الحي الكائن في الآب والآب فيه الواحد مع الآب فى الجوهر هو صخرة إيماننا ( في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله . والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمةً وحقّا ً) يو 1: 1- 14 .
فالمسيح يسوع هو الله الظاهر فى الجسد ( لم يصعد احد إلى السماء الا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء ) يو 3 : 13 . فمثلما يسير الإرسال الإذاعي او التليفزيوني في الهواء المحيط بنا ولكن تجسده يظهر في حالة وجود مستقبل للإرسال كالراديو أو التليفزيون ، هكذا تجسّد وتأنس الله الكلمة من الروح القدس ومن العذراء مريم ودعي ابنا للإنسان مع كونه ابن الله اى من ذات طبيعته . ( عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد ) 1 تيمو 3 : 16 . وهكذا تجسد الرب يسوع على الأرض وشابهنا في كل شئ ما عدا الخطية وصار يعلم ويصنع المعجزات ويقيم الأموات وصلب من اجل فداء البشرية الخاطئة وقام من الأموات فى اليوم الثالث وصعد إلى السموات وجلس عن يمين أبيه الصالح وأيضا يأتي في مجده ليدين الإحياء والأموات . والمسيح له المجد يدعونا ان نؤمن بلاهوته ( ان كنت لست اعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي ولكن ان كنت اعمل . فان لم تؤمنوا بي فآمنوا بالإعمال لكي تعرفوا إني في الآب والآب فيَّ .) يو 10 -30 وقال لتلاميذه( مَن رآني فقد رأى الآب . أنا والآب واحد ) يو 10 : 30 . لقد دعي اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا وهذا ما تنبأ به أشعياء النبي قبل الميلاد بما يقرب من 700 عام قائلا ( ها العذراء تحبل وتلد ابنا ويُدعى اسمه عمانوئيل .
اش 7 : 14 .ان التجسّد الإلهي أعطى الإنسان الكرامة اللائقة التي تجعل الإنسان ابنا لله بالتبنّي وأظهر لنا محبه الله الفائقة الوصف التي تجعله يتنازل إلى ضعفنا دون ان يلحق بلاهوته عيب ولا دنس . ان التجسّد الإلهي إعلان لمحبة الله للخطاة الذين يقبلونه ( لأنه هكذا أحب الله العالم لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية . لان لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم . الذي يؤمن به لا يُدان والذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد . ( يو 3 : 16 : 18 . وهذا ما قاله أهل السامرة للمرأة السامرية ،عندما سمعوا المخلص ( لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن لأننا قد سمعنا ان هذا هو بالحقيقة المسيح مخلّص العالم ) يو 4 : 42 . ان هدف الكتاب المقدس هو هذا الإيمان ( أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع المسيح ابن الله ولكي يكون لكم اذا آمنتم حياة باسمه ) يو 20 : 31 .
- إيماننا بان الروح القدس هو روح الله القدوس { الله روح و الذين يسجدون له فبالروح و الحق ينبغي ان يسجدوا } (يو4: 24). فاقنوم الروح القدس هو اقنوم الحياة ومعطيها { ترسل روحك فتخلق و تجدد وجه الارض}مز3:104 وهو حال فى كل مكان ولا يحويه مكان او يحده ، الروح القدس هو ينبوع النعم الإلهية ، ومنذ بدء الخليقة كان روح الله يرف على وجه المياة ليعطى حياة { و روح الله يرف على وجه المياه تك 1 : 2 . هو {روح الرب}(اش11: 2) { روح السيد الرب} (اش61: 1). {روح الرب صنعنى}(أي33: 4). وقال حزقيال النبى {وحل على روح الرب وقال لي} (خر11: 5). وقال القديس بطرس في توبيخ ما فعله حنانيا وسفيره " ما بالكما قد اتفقتما على تجربة روح الرب" (أع5: 9). وهو " روح الحق" (يو14: 17). وقال عنه السيد المسيح روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26). وقال أيضاً {متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق}(يو16: 13).
الإيمان المسيحي وثماره عبر التاريخ ..
- ان الإيمان بالله ومحبته وبعمل الروح القدس فينا، يجعلنا شهوداً لإيماننا مثمرين ثماراً تليق بالتوبة وحياة الإيمان ( من ثمارهم تعرفونهم ) مت 7 : 16 .هذا الإيمان الذى صنع القديسين عبر تاريخ الكنيسة الى الان والة منتهى الزمان ، فإيماننا يجعلنا نحيا حياة التوبة والقداسة ونفعل إرادة الله {ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات} مت 7 : 32 . اننا نعلم ان الإيمان العامل بالمحبة هو ما يطلبه الله منا، وهو الذي يمنحنا الشجاعة في مواجهه الضيقات والفرح رغم مصاعب الطريق . ان الكتاب المقدس يظهر لنا ثمر الإيمان في حياة القدّيسين وكيف عاشوا المواعيد وصدقوها واقروا إنهم غرباء ونزلاء على الأرض يبتغون وطنا أفضل أو سماوياً وهذا الإيمان يزرع فينا الشكر لله الذي تنازل واتحد بطبيعتنا البشرية .
- الأيمان المسيحي أعلن لنا عبر تاريخ البشرية الطويل، و من خلال الآباء والأنبياء بطرق وأنواع شتى من خلال الإعلانات والرؤى والوحي والنبؤات ، ثم أعلن لنا في يسوع المسيح الكلمة المتجسد ووصاياه وتعاليمه وحياته، ومن ثم في إيمان الرسل الأطهار الذين عاشوه واختبروه من خلال تلمذتهم للرب يسوع ومن خلال حلول الروح القدس عليهم الذي منحهم القوة للكرازة باسمه فى كل المسكونة .
- ان ثباتنا فى الإيمان هام جدا لخلاصنا ( لان البارّ بالإيمان يحيا ) رو 1 : 17 . وبدون إيمان لا يمكن إرضاء الله، ان إيماننا بالمكافأة والخلود يجعلنا نثمر بالصبر . وإيماننا بان الله موجود فى كل مكان يعطينا مخافة روحية لنسلك بالتقوى والبر . وإيماننا بمحبة الله يجعلنا نبذل ونعطي في حب فنحن نسلك بالإيمان لا بالعيان . لان الذي لا يؤمن بالخلود والدينونة يتصرف كما يحلو له قائلا ( نأكل ونشرب لأننا غدا نموت ) لهذا يوصينا الإنجيل ( بالثبات في الإيمان لأنه بضيقات كثيرة ينبغي ان ندخل ملكوت الله ) اع 14: 22.
- اننا مطالبون بالنمو في الإيمان لنقول مع بولس الرسول ( مع المسيح ُصلبت فاحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياه الآن في الجسد فاني أحياه في الإيمان . إيمان ابن الله الذي أحبني واسلم نفسه لأجلي . غل 2 : 20 إيماننا يجعلنا نصلى في ثقة بالله القادر ان يهبنا النصرة في حروبنا الروحية ويقودنا في موكب نصرته ( حتى نستطيع ان نطفئ جميع سهام إبليس الملتهبة نارا ) اف 6 : 16 . فالإيمان العامل بالمحبة ضروري لخلاصنا لأنه حتى الشياطين يؤمنون بالله لكن يقشعرون منه ويعادونه ويعملون ضد إرادته ( أنت تؤمن ان الله واحد. حسنا تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون . ولكن هل تريد ان تعلم أيها الإنسان الباطل ان الإيمان بدون أعمال ميت . ألم يتبرر أبونا إبراهيم بالأعمال إذ قدم اسحق ابنه على المذبح، فترى ان الإيمان عمل من أعماله وبالعمل أكمل الإيمان ....لأنه كما ان الجسد بدون روح ميت هكذا الإيمان أيضا بدون أعمال ميت ) يع 2 : 19 – 23 ، 26 .
- إيماننا بالملائكة والقديسين وطلب شفاعتهم هو تعليم يستمد من الإنجيل المقدس ( ملاك الرب حالّ حول خائفيه وينجّيهم ) مز 34 : 7 . فالملائكة ( جميعا أرواح خادمة مرسله لخدمة العتيدين ان يرثوا الخلاص ) عب 1 : 14 . لقد اختبرنا شفاعة القديسين ومحبتهم كأعضاء في جسد المسيح المنتصر في السماء، وندعوك ان تختبرها أيضا ( لذلك نحن أيضا إذ لنا سحابه من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا ناظرين إلى رئيس الإيمان ومُكمّله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي، فجلس عن يمين عرش الله . فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم ) عب 12 : 1-3
- الإيمان هو سلاح الغلبة فئ حياتنا وبه يدافع الرب عنا ونحن صامتون، وكما قاد موسى النبي الشعب قديماً ليعبر به من العبودية إلى التحرّر، نحن الآن لنا المسيح يسوع قائدا عبر بحر هذا العالم نحو الأبدية السعيدة . علينا واجب ان نسعى للنمو فى الإيمان واثقين ان الله معنا كل الأيام والى انقضاء الدهر . وهو دعانا وهو أمين وقادر ان يقودنا كاعضاء فى كنيسته المقدسة عبر بريّة هذا العالم لنصل به ومعه إلى الفردوس والملكوت السماوي .
صرخة إيمان
أؤمن يا سيد فاعن ضعف إيماني ، فبك ربي أكون روحاني ، وفى بعدك الهلاك وأكون في الطبع حيواني . اصرخ إليك فأملأ بالحب كياني، نمي بذره الإيمان لتصبح شجرة خردل مليئة بالأغصان . وبك ننقل جبال الخطية والهم فاعن يا رب ضعف إيماني .أؤمن بأنك ضابط الكل ، متجسدا بالحب تجذبني ، وبروحك القدوس تهديني. فكن لي سيدا لأسير وأصير كما تحبّ وتشاء. فبدونك لن يقوى إيماني. وبك نسير من قوة الى قوة مجددين اجنحة كالنسور وننتصر على كل تجارب ابليس . بالايمان بك يارب نستطيع كل شئ فكل شئ مستطاع للمؤمن ونحن واثقين فيك يالله وفى قيادتك لنا ككنيسة مقدسة واعضاء فيها . لنصل بك الى بر الأمان والى الابدية السعيدة.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :