ليس صحيحًا أن كوريا الشمالية'>زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، يمثل تهديدًا على الأمن والسلام فى العالم، فالتصريحات الأخيرة للرجل الذى ورث حكم بلاده عن والده كيم جونج إيل، أعلن مرارًا عزمه التخلص من ترسانته النووية وضمان الإخلاء الكامل لشبه الجزيرة الكورية من أسلحة الدمار الشامل، مع ما يعنيه ذلك من انفتاح كامل على العالم وفق المعايير الغربية للسلم الدولى، وإذا أخذنا فى الاعتبار التركة الثقيلة التى ورثها كيم جونج أون لدولة معزولة مازالت أسيرة صراعات دولية مجحفة وحصار من المعسكر الغربى بكامله، بل يمكن القول إنها الدولة الوحيدة التى مازالت أسيرة تداعيات الحرب العالمية الثانية والانقسامات التى حكمت العالم وقسمته إلى معسكرين متناحرين، لابد أن نرفع القبعة لهذا الزعيم الذى يحاول السير عكس الاتجاه الغالب فى بلاده، والقيام بأكبر ثورة تصحيح سياسية واقتصادية مع ما فى ذلك من آثار جانبية على شعبه وشعبيته.
بالتأكيد يعرف
كيم جونج أون ومساعدوه معنى أن يفتح بلاده أمام العالم، فهو استطاع خلال السنوات الماضية الصمود، وبناء قلعة تصنيعية وزراعية تحقق لشعبه الحد الأدنى من العيش الكريم لأنه مازال المجتمع الوحيد الذى مازال يتبع النظام السوفييتى الشيوعى فى الإنتاج الجمعى والتوزيع بالحصص على الأسر والأفراد، لكن هل يصمد هذا النظام المتقشف أمام حمى الاستهلاك التى تصيب المجتمعات بالسعار وتوسع الهوة بين الطبقات بعد الانفتاح الوشيك على الغرب؟
لا أعتقد أن نزع الأسلحة النووية دفعة واحدة أو على مراحل هو الخطر الذى يهدد المباحثات التاريخية المرتقبة بين
كيم جونج أون ودونالد ترامب فى سنغافورة 12 يونيو الجارى، فهذه القضية الخلافية سيتم حلها بين الفريقين الفنيين خلال المباحثات، ولكن القضية الأعقد والأكثر خطورة على المجتمع الكورى الشمالى هى طبيعة الضوابط التى سيتمسك بها رئيس
كوريا الشمالية خلال المفاوضات ليمنع اجتياح بلاده اقتصاديًا وقيميًا من الولايات المتحدة وأوروبا، مع الفوز بحزمة من المساعدات الاقتصادية المناسبة لقاء التخلى عن ترسانة الأسلحة النووية والصاروخية وضمان السلام فى منطقة بحر اليابان.
حتى الآن يسير
كيم جونج أون على المسار الصحيح ، فهو يقدم التنازلات الضرورية التى تحقق لواشنطن واليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا ما يطلبونه من اشتراطات أمنية، وفى الوقت نفسه يطالب بمقابل ليستطيع إجراء أعقد التحولات الاقتصادية والسياسية فى بلاده على الطريقة الصينية، ليضمن عدم تفسخ المجتمع أو انهيار بلده مثلما حدث فى روسيا يلتسين عندما اضطر الروس إلى بيع ممتلكاتهم وما يستطيعون الوصول إليه من أصول الدولة وأسرارها الحيوية من الآثار إلى الأسلحة النووية التكتيكية.
هل يستطيع
كيم جونج أون استكمال التحول التاريخى الذى بدأه بالتنازل عن الأسلحة النووية مقابل الاستمرار على قيد الحياة؟ هل يستطيع الفوز بحزمة المساعدات الغربية دون أن يسمح باجتياح بلاده اقتصاديا وقيميا؟ جلسة المفاوضات التاريخية مع ترامب فى سنغافورة هى مجرد بداية لطريق طويل من الصراع الذى سيكشف هل يتحول
كيم جونج أون إلى أكبر زعيم إصلاحى فى تاريخ
كوريا الشمالية، أم يسجل التاريخ أنه مجرد جورباتشوف الكورى الشمالى الذى سلم بلاده للغرب بعد أكثر من خمسين عاما من المواجهة والصمود.