هتتبرع بالفكة؟ نعم ولكن..!
مقالات مختارة | عادل نعمان
الخميس ٣١ مايو ٢٠١٨
ليس عيبًا أو عارًا أن نطلب من الناس التبرع (بالفكة) الفائضة change من عمليات البيع والشراء، فهي ليست دليلا على الفقر وليست أسلوبا للتسول، وهو أمر محمود وممدوح ومشكور، وليس رفض البعض لهذا التبرع نكرانا أو جحودا أو استنكارا، فهذا رأي وموقف، ولا لوم على من رفض، فربما يخرج صدقاته وزكواته بطريق آخر، ويكتفي بذلك وهذا حقه، ويظل قبول الكثير الذين يوافقون عليه أصحاب فضل وعطاء وإحسان.
وهذه الوسيلة مقبولة ومعترف بها في كثير من دول العالم في جمع التبرعات في المحلات والمطاعم وكافة الأماكن التي تتعامل بالبيع والشراء، سواء كان هذا للجمعيات الخيرية التي تتولي أعمالا خاصة، أو عامة أو المستشفيات أو المدارس الحكومية أو حتي المراكز البحثية أو أماكن العبادة من مساجد أو كنائس أو معابد، سواء للأديان السماوية أو الأديان الوضعية، وسواء تخص الحي السكني أو المدينة أو الولاية أو الدولة، الشرط أن يكون هذا بتصريح رسمي، ومن ضمن ما يحدد فيه المبلغ المطلوب جمعه من تبرعات، وليس الأمر على إطلاقه، دون ضابط أو رابط، وتتم الرقابة عليه كاملة بما فيها، طبعا الرقابة الصارمة على الصرف، ولا يجد الناس حرجا في هذا، فيرفض من يرفض بأدب دون لوم أو إحراج، ويقبل من يقبل دون منّ أو أذى، حتى لو كانت قروشا قليلة، أو قل "الفكة" التي لا تمثل على قلتها وتفاهتها وضآلتها قيمة، لكنها تمثل قدرا عظيما إذا جمعت بجوار بعضها، وهذه "الفكة" إلى جانب أنها تمثل قيمة كبيرة على المستوى العام ، فهي أيضا حافز وتشجيع على التبرع وعلى فعل الخير والتعود عليه، وتربية النشء على المساهمة بقروشه القليلة، مهما صغرت قيمتها، وتنبيه وإعلام لمن لا علم عنده عن أعمال الخير، وذلك لانشغاله وكثرة أعماله، وهي تقريب للمسافة بين المتبرع وبين الخير والتطوع، فربما يكون بعيدا عنه، فيخاطبه مباشرة فيستجيب، أو مشغولا عنه فينتبه إليه، ويتجاوب معه، وهو عمل ناجح أن نستميل هؤلاء لعمل الخير، وندفعهم إليه بالإعلان عنه، وهؤلاء جميعا موجودون بيننا، ويحتاجون لتنبيه على هذا النحو، ليس لخروجهم عن خطوط الإنسانية وعمل الخير، بقدر حاجتهم إلى تحريكها كل فترة، ومخاطبتهم مباشرة دون مسافة، وعلي سبيل المثال، فهذا الإعلان عن إرسال رسالة فارغة إلى رقم معين، يصب في حساب مؤسسة خيرية أو مستشفى، يستجيب للإعلان أعداد من هؤلاء غفيرة ويرسلون رسالة للجهة الخيرية أو المستشفى بمبلغ بسيط لا يتعدى الجنيهات القليلة، وينسى الموضوع برمته مباشرة، هكذا يكون أمر الاستجابة الفورية العفوية لدى البعض الذي يفقد التواصل مع الفكرة مجرد الانتهاء منها مباشرة، وهكذا تكون استمالتهم والتأثير عليهم، وهو علم مدروس ويستهدف شريحة كبيرة من هذا النوع، ومميزة في المجتمع والهدف والقصد واحد.
بل قد وصل الأمر أن سلسلة محلات كبيرة ربما تتبنى فكرة خيرية بمفردها، في الحي السكني أو البلد أو الولاية، ويدعون له على هذا النحو (سيدي أتود أن تتبرع بمبلغ زهيد أو الفكة لمشروع ...)، وفي العادة يتم التبرع إذا كان مفيدا وله نفع عام، يرفض أو يقبل دون إحراج. وهذا النوع من التضامن والتكافل مرهون بمدى صدق القائمين عليه، وتوجيه هذا المال إلى صحيح الأعمال، ولا تشوبه شائبة، ويخضع للرقابة المجتمعية ورقابة الدولة، وحتى نكون منصفين، يسمح بتوجيهه لغرض سياسي أو ديني، شرط أن يكون معروفا ومعلوما للمتبرع، كان يوجه إلى حزب معين بذاته أو إلى حملة انتخابية لرئيس معين، أو إلى فصيل ديني معين أكثرية أو أقلية في أي دولة.
لكننا هنا في مصر بصدد جمع الفكة لصالح إحدى الجمعيات الخيرية، وهي تشير بيديها لأحد الدعاة المودرن، وصاحب الملايين، والذي أعلن من قبل عن إرسال متطوعين من الجمعية إلى ليبيا أثناء الثورة على نظام القذافي، للعون والدعم والمساعدة، فمن أين أتي بهذا المال؟ ولم يكن المال بالتأكيد من ماله الخاص، بل كان من مال هذا الشعب البائس، ولو كنت من دولتنا الفتية لحاسبته على كل مليم جمعه من قوت هذا الشعب لماذا جمعه؟ ومن أين؟ وفيمَ أنفقه؟
الغريب أننا لا نحاسب أحدا من هؤلاء الحساب العسير هو وغيره، بل قد وصل الأمر أن مال هذه الجمعيات الخيرية قد ذاب عن قصد مع مالهم الخاص.
نعم، التبرع بالفكة لعمل الخير أنا أؤيده، وأباركه للأسباب السابقة، لكن لصالح الدولة أو المشروعات الخيرية والمستشفيات وتوصيل مياه الشرب والصرف الصحي للأماكن المحرومة.
هذه المشروعات التي نعرف لها عملا واسما وهدفا واضحا وليس للجمعيات المشبوهة التي يديرها من يقيمون بنيانا سياسيا في مواجهة الدولة.
ويكفينا تجربة دولة الإخوان والسلفية الخيرية، التي أقامت دولة في مواجهة دولة، ووزارة مالية في مواجهة وزارة مالية، وكان ما نحن فيه الآن هذا الولاء للجماعة الذي يتفوق في كثير عن الولاء للدولة، وهذه الطاعة للجماعة التي تتغلب على الطاعة للقانون.
انتبهوا جيدا، الأحداث يتم استنساخها، امنعوا هذه الدولة أن تقوم مرة أخرى.
نقلا عن مصراوى