الأقباط متحدون - مصر الضيعة (3)
  • ١١:٣٩
  • الخميس , ٣١ مايو ٢٠١٨
English version

مصر الضيعة (3)

مقالات مختارة | عادل نعمان

٥٢: ١٠ ص +02:00 EET

الخميس ٣١ مايو ٢٠١٨

عادل نعمان
عادل نعمان

مصر الضيعة، جنة الله فى أرضه، هكذا كانت حلم كل الولاة، أنهار ومياه عذبة وخضرة تسر الناظرين، وفاكهة مثمرة يانعة، ولحم طير مما يشتهون ويحبون، ونساء متحففات متنمصات جميلات، وقد كان حلم عبدالله بن سعد بن أبى السرح فى حكم الضيعة يشغل عقله يوم دخل مصر وسحر بجمالها ونعيمها، وكان مشاركا عمرو بن العاص فى غزوها، ويرافقهما فى الغزوة عبدالرحمن بن ملجم، أحد أهم خوارج الإمام علىّ وقاتله على باب المسجد، وكان حافظاً ومحفظاً للقرآن، إلا أن هذا الأمر كان مستبعدا فى عهد بن الخطاب لموقف النبى منه وإهدار دمه.

وأصبح الحلم حقيقة فى عهد عثمان أخيه من الرضاعة، فعزل عثمان ابن العاص من ولاية الضيعة، ورفعه مكانه، وتفانى بن أبى السرح فى جمع الجزية والخراج، وحلب ضرع الضيعة المسكين حتى أدمى ونزف، وفاء لهذا الاختيار، وتنفيذا لأوامر الخليفة، وزاد الخراج أربعة أضعاف عن عهد بن العاص، يقال ثلاثمائة قنطار من الذهب الخالص، «الذهب الإبريز»، فلما نجح فى مهمته أوكل له الخليفة عثمان غزو إفريقية، عسى أن يأتى لدولة الخلافة بالخير الوفير والرزق الكثير، وتحصل بن أبى السرح على خمس الغنائم، حتى وصلت أمواله، وفاقت اثنى عشر قنطارا من الذهب الخالص (ابن الأثير)، ولم يكن الخمس إلا للرسول من غزواته وفتوحاته، وسحبها الخلفاء لأنفسهم وللولاة معهم، وقد كان لهذا كله الأثر الأعظم فى ثورة المصريين على الخليفة عثمان، استغلها عمرو بن العاص فى تأليب الثوار عليه انتقاما لعزله من ولاية الضيعة ونعيمها، واجتمعت المعارضة الداخلية فى المدينة، والخارجية من مصر والكوفة والبصرة على أمور كثيرة أهمها أن عثمان يؤثر قرابته بالأموال والأعمال، وضعفه أمام الولاة من أقربائه. لما خرج المصريون على الخليفة، وتوافقوا فى الخروج الأول مع ثوار الكوفة والبصرة، وخطب فيهم الخليفة، وأبكى الجميع، ورقت القلوب فغفروا، وتعاهد على إصلاح ما أغضبهم، إلا أن مروان بن الحكم، وزيره، قد غير الأمر وبدل الرأى وخالف ما اتفقوا عليه.

ومرت الأيام ولم ينفذ الخليفة ما تعاهد عليه وعاهد عليه الناس، فعاد المصريون مرة أخرى فى خروجهم الثانى، وتقابلوا مع ثوار البصرة والكوفة، واحتلوا المدينة عاصمة الخلافة، وحاصروا بيت الخليفة حتى قتل، الرواية الخاصة بخطاب الخليفة إلى عامله بن أبى السرح بقتل الثوار حال وصولهم، قيل فيها الكثير ولسنا بصددها الآن، إلا أن الموقف الأكثر غرابة، هذا الخذلان الذى خذله من كانوا سببا فى ثورة الثائرين، وعلى وجه الخصوص معاوية بن سفيان ابن العم، والى دمشق، وعبد الله بن أبى السرح، الأخ من الرضاعة، والى ضيعتنا، والذى كان يعلم وجهة ثوار مصر وهدفهم، وغايتهم من الخليفة وإنكارهم له، وكان الأجدى منعهم وكان أمرا سهلا وميسورا، فقد كان عددهم يقدر بستمائة ثائر، ولقد امتد الحصار أربعين يوما، ولو كانا قد رغبا فى نجدة الخليفة لفعلا، ولو أراد أهل المدينة إنقاذه لنجحوا، ولو أراد الحجيج حمايته لأفلحوا، إلا أن الأمة كلها قد تخلت عن الخليفة، وتركته لهؤلاء الثوار!.

بعد الفتنة وعزله، تولى محمد بن أبى بكر أمر مصر الضيعة فى عهد الخليفة على بن أبى طالب، ويترك بن أبى السرح مصر حاملا أطنان الذهب والنساء والأموال ليلا إلى مدينة عسقلان، فى حمى معاوية ولم يشارك فى حروب الفتنة الكبرى، وفضل أن ينعم بما حلبه من ضرع الضيعة، لك الله يا مصر.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع