الأقباط متحدون - ذكري نياحة القمص كيرلس داود
  • ٠٩:٢٨
  • الاربعاء , ٣٠ مايو ٢٠١٨
English version

ذكري نياحة القمص كيرلس داود

القمص. أثناسيوس فهمي جورج

تأملات كنسية

٥٩: ٠٢ م +02:00 EET

الاربعاء ٣٠ مايو ٢٠١٨

 ذكري نياحة القمص كيرلس داود
ذكري نياحة القمص كيرلس داود
القمص اثناسيوس فهمي جوج
 
انطلقت في مثل هذا اليوم نفس أبينا مختار الله، القمص "كيرلس داود" -راعي كنيسة الملاك ميخائيل بمنطقة مصطفي كامل بالأسكندرية- إلى الفردوس، بعد أن خلع خيمة الجسد الضعيف الذي كانت روحه القوية تستتر فيه٬ وبعد أن عاش أيام غربته في الإيمان٬ ناظرًا إلى ما لا يُرى٬ متأكدًا بشدة اليقين من رجاء دعوته، ومجد ميراث المسيح٬ وبعد أن قدَّم لسيده مشورات حريته وإرادته وذبيحة ذاته٬ منطلقا الي راحة المجد.
 
ففي ساعة انتقاله.. تركزت صلواته وآلامه وتضرعاته وتأملاته وبذله وأعماله٬ ما نعرفه ومالا نعرفه٬ و كل محصلة أتعابه، تنسَّمها المسيح ملكنا كرائحة رِضَى، بعد أن نال رضى القدوس.
 
ألبسته الكنيسة ثياب التقديس التي لن يخلعها أبدًا٬ حاملاً في يده صليب وإنجيل الخلاص٬ لانه منذ الآن انتهى للزمن أن يكون له عليه سلطان،خادمًا للأقداس مع الأربعة والعشرين السمائيين كهنة الحق.. بعد ان ذقا النعمة، واقتني المحبة الإنجيلية، وسكب حياته في بوتقة الخدمة مُكمِّلاً السعي.. وقد أبرز على نحوٍ خاص الوجه الحقيقي للروحانية المسيحية في بساطتها وطيبتها وحكمتها٬ كنسمة وديعة هادئة٬ عملت عمل الخميرة النشطة التي تُخمِّر العجين كله بلا ضجيج ولا افتعال٬ فلن ننسي ابدا نظراتك الهادئة، وابتسامتك العذبة التي كنت تنظر بها إلى القلب محتضنًا الكل في اتساع وأصالة، تتحدث إلى الله والناس من مَعِين قلبك٬ ولم تحد إطلاقًا في خدمتك لله عن هذا الخط٬ فكنت بعيدًا عن التصنع والإفتعال والبهرجة .. نبراتك عميقة تؤكد بساطتك ورسوخ عقيدتك التي تركت في النفوس إنطباعًا روحيًا عميقًا..
 
حقاً.. إنك كنت خادما من طراز فريد. في عشقك للكنيسة وللتسبيح وللقديسين وللاسرار المقدسة ولمصادقة الاباء الكهنة السكندريين اللاتقياء الذين تمتعت عيوننا ونفوسنا بالعيش معهم وفي حضورهم .
 
ولعلني أذكر اليوم الذي استعرتُ فيه من قُدسك مجلدًا للقديس "يوحنا ذهبي الفم" من مجموعة (آباء نيقية ومابعد نيقية)، Nicene & post-Nicene Fathers-والتي كانت نادرة جدًا في السبعينات- بعد رجوعك من الخدمة في لوس أنجيلوس - وكيف كنت تحمله على ذراعيك كأنه كنز الكنوز.. لانك عشتَ نهج الآباء وحياتهم، وقدرت قيمة اعراقهم وجهادهم ؛ وتمثلت بهم لذا رايناك متجردًا عفيفًا مشجعًا كل أحد، وقدمت تجسيدًا حيًا للفرح والاتكال والدفء المسيحي كالأولين؛ بالعمل والقول .
 
ولأن المثيل يستريح إلى مثيله، فقد أحببتَ المتنيح الأنبا "مكسيموس" مطران القليوبية، الذي كان يقيم بقلاية في كنيستك ؛ ويركب معك سيارتك( الفولكس ) المتواضعة ؛ كذلك احبك جدا المتنيح الأنبا "مينا أفا مينا"منذ ان كان وكيلا امينا للبطريركية ، والطيب الذكر أبونا القمص "بيشوي كامل"، نيح الله نفوسهم.. وقد بادلوك هم أيضًا الصداقة الروحية٬ ليستقبلوك في مواضع النياح والراحة.
 
حقا كنتَ من المساكين بالروح الذين عبروا برِّية هذا العالم لابسين ثياب التواضع، وقد رأيتُك أثناء خدمتي بالدار البطريركية، كيف كنتَ مُلازمًا بالتلمذة والحب الصادق والتقدير للآباء الأجلاء؛ القمص "مرقس باسيليوس"، والقمص "جرجس رزق الله"، والقمص "بطرس رياض"،والقمص "متياس روفائيل"، وكم كنت وَدوُدًا معهم، ووفِيًّا بهم، وكم هم أحبوك وضموك؛ وانتم معا رسل بساطة وطيبة ورحمة وحكمة ليست من هذا العالم ؛ مقتناه من عند ابي الانوار والارواح كلها .
 
لقد هربت ياابانا من الحكم على الآخرين كمَنْ يهرب من أسد مفترس٬ لذا عُرفتَ بدعتك، وقد اتَّبعت احيانا الجهالة من أجل الله لتنجي نفسك وتكسب الكثيرين بالحب٬ عندما نظرت إليهم بنظرة التحنن التي لأبيهم السماوي٬ فأعدتَ للأذهان صورة ونمط طريقة القديسين، والجميع يشهد لك كم سعيت في جهادٍ كثير، من محرس الصبح إلى آخر ساعات الليل، طوال سِنِيّ كهنوتك لتصير بيعة الله التي للملاك الجليل "ميخائيل" على ما هي عليه الآن، مكتسية بالبهاء والجمال الروحي.؛ منارة في رمل الاسكندرية . 
 
ان تقواك أقوى من كل عظة٬ وقدوتك ومثابرتك أسرع من كل سهام الكلمة، تركض باجتهادٍ وأمانة في سماحة وصفاء.. وها ثمار سهرك ودموعك مع زِقّك، وكتاب وكالتك مُدوَّنًا لك في سِفْر الحياة، وسيكون لك تذكارًا مؤبدًا تنال عنهم الجُعالة الحسنة، والأجر السمائي، والرتبة الحسنة.
 
إنني أراك بعين الإيمان في سفرك السعيد إلى المصاعد التي بغير قياس، في المساكن التي لها الأساسات٬ بعد أن جاهدت الجهاد الحسن، وعُدت كطائر يدخل من نافذة، ويخرج من أخرى٬ وقد جمعت وخزنت كنوزًا سمائية في الوطن الأفضل ليفتح لك المسيح الأبواب بسعة، وليمنحك النياح والراحة وعدم الفساد، وليعيننا الله كما أعانك لنتمثل بحياتك٬ ولتكثر لنا التعزية بصلواتك وبخورات مجمرتك مع كهنة الحق حول عرش السيد الملك .