حرية العقيدة
مقالات مختارة | أ. د. آمنة نصير
الاثنين ٢٨ مايو ٢٠١٨
كرس الإسلام حرية العقيدة فى آيات كثيرة منها: «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى». «ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين».
«وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».
وتستتبع حرية العقيدة احترام أماكن العبادة جميعاً من دون تمييز بين الأديان: «.. ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً». فالإسلام لا يكره أحد على اعتناق الإسلام والقضية تكمن فيمن أسلم طواعية ثم أراد أن يرتد، لأن الإقرار بالحق يوجب التزام أحكامه، فيعرض عليه الإسلام، فإن لم يتب كان جزاؤه القتل، وذلك فى قول جمهور الفقهاء، عملاً بالحديث: «من بدل دينه فاقتلوه».
وقد ذهب بعض العلماء بأن الحديث المذكور أنه من نوع الخبر الواحد «أى جاء برواية محدث واحد فقط»، مما يستوجب الشك فى صحته، لاسيما أنه يبدو مخالفا لمعنى الآية المتقدم ذكرها والتى تعلن أن «لا إكراه فى الدين». وكذلك قال مفتى الأندلس ومحدثها، محمد بن الفرج القرطبى المالكى، بأن لم يقع فى شىء من المصنفات المشهورة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، عاقب مرتداً أو زنديقاً بالقتل.
غير أن الردة إذا اتخذت الصفة الجماعية، مقرونة بانشقاق المرتدين وخروجهم عن طاعة الدولة أو بالالتحاق بالعدو، فعندئذ يعتبر عملهم من نوع الفتنة المضرة بالمصلحة العامة، ويجوز قتالهم حتى يتوبوا ويرجعوا إلى احترام النظام والسلطة، وهذا ما فعله الخليفة أبوبكر- يوم حارب بعض الأعراب والقبائل عندما انشقوا عن الدين وامتنعوا عن أداء فريضة الزكاة فكان ذلك منهم ثورة وعصيانا وفتنة ومعلوم أن الفتنة تعد خطرا على سلامة الدولة. وهى ترقى فى الإسلام إلى أشد وأعظم من القتل، فإذن ليست الردة وحدها سبب القتال فى هذه الحالة، بل هى مقرونة بالحرابة والفتنة والعصيان.
وقد أقر الشرع الإسلامى حرية الرأى كنتيجة لحرية الفكر والعقيدة، فجعل الاجتهاد وأوجبه على من يستوفى شروطه، ومنع التقليد إلا من كان أمياً جاهلاً، وفى قوله، صلى الله عليه وسلم: «اجتهدوا فكل ميسر لما خلق له» ومنها قوله، صلى الله عليه وسلم: لابن مسعود: «اقض بالكتاب والسنة إذا وجهتهما فإذا لم تجد الحكم فيهما اجتهد رأيك».
وقال صلى الله عليه وسلم، بمعناه أيضاً لمعاذ بن جبل وأبى موسى الأشعرى يوم بعثهما قاضيين إلى اليمن. ويمتد حرية الرأى فى ردع الظلم من قبل الحكام، ففى الحديث: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».
فالمساواة والعدل والقسط من الأسس المهمة فى الإسلام بغض النظر عن اختلاف الدين، طالما لا يأتى من قبله أذى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».
وقد اشتهر عمر بن الخطاب بعبارته التى تعتبر من أعظم فقرات الدساتير المعاصرة وهى: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً». قالها لفاتح مصر عمر بن العاص، لأن ولده استكبر على قبطى مسيحى، فاختلاف الدين لا يمنعه من تمتعه على قدم المساواة بحرمة النفس وبالحرية الشخصية.
حتى فى فترة الحروب كان، صلى الله عليه وسلم، يحذر من الإفساد والقتل وانتهاك حرمة العباد فيقول: «لا تقتلن امرأة ولا صغيرا ضرعا، ولا كبيرا فانيا، ولا تحرقن نخلا ولا تقتلعن شجرة ولا تهدموا بيتا، ولا تقتلوا أصحاب الصوامع».
ولم تكن الوظائف العامة والمرموقة مستثناة من مبدأ المساواة على أهل الكتاب، والتاريخ يحفظ الكثير من أسماء هؤلاء الرجال ومن مسميات هذه المناصب.
وأختم هذه الجولة بحديثه، صلى الله عليه وسلم، وهو يبين أن الناس جميعاً من أب وأم واحد والخلق لا يتفاضلون إلا بأعمالهم: «كلكم بنوا آدم، وآدم خلق من تراب لينتهين قوماً يفتخرون بآبائهم، أنا أخو كل تقى ولو كان عبداً حبشى وبرىء من كل شقى ولو كان شريفاً قرشياً».
وفى الواقع العملى طبق قوله الكريم فكان من أشهر أصحابه: صهيب بن سنان الرومى، وبلال الحبشى، وسلمان الفارسى. هذه هى مجمل حقوق الإنسان فى الإسلام من منطلق إنسانية الإنسان.
نقلا عن المصري اليوم