من ترف السعودية لـ"ونس" باب الشعرية.. قصة عجوز تصنع وجبات للحيوانات من موائد الرحمن
منوعات | مصراوى
الاثنين ٢٨ مايو ٢٠١٨
في الوقت الذي ينتهي فيه ضيوف مائدة الرحمن بمنطقة الدراسة من الإفطار، بعد دقائق من آذان المغرب، تشرع "نورا" في جمع لقيمات الخبز وعظام الدجاج المتبقية من على الطاولات.
بعدما انتهت السيدة لتوها من تناول الإفطار وسط مئات الصائمين بالمائدة، الآن تخرج بملابسها البسيطة في طريقها لإطعام الكلاب والقطط بالشوارع، وهي العادة اليومية التي بدأتها منذ حضورها إلى مصر قبل عامين.
"نورا" سيدة سعودية الجنسية شارفت على الستين من العمر، تنتمي لواحدة من كُبرى العائلات بالمملكة، وبحسب ما تقول، كانت تعيش حياة مُترفة، قبل أن تتعرض لصدمة نفسية بعد وفاة ابنها الأصغر في حادث، وتركت ممتلكاتها وأبنائها الأربعة الذين يعيشون مع زوجاتهم وأحفادها بمدينة الطائف وجاءت إلى منطقة باب الشعرية، وتُكرس حياتها لإطعام الكلاب والقطط الضالة، أملاً في التخفيف عنها وأن يكون في ميزان حسنات فلذة كبدها.
"ابني توفي في الجامعة فتلاقيني أعصابي تعبانة"، قالتها "نورا" بمزيج من الثبات والحزن، قبل أن تذكر تفاصيل الحادث الذي أودى بحياة ابنها الأصغر قبل نحو عامين وقتما كان يدرس بجامعة سعودية، حيث تحداه شاب يمني لا يعرفه خلال قيادتهما سيارتهما على الطريق "راح خبط في شجرة، ومات".
محاولات جاهدة بذلتها الأم للتعايش بعد فقد فلذة كبدها "كان قريب ليا مرة، كان طيب مرة مرة"، حاولت ابنتها وأبناءها الثلاثة التخفيف عنها قليلاً "ما قدرت أعيش بنفس المدينة، كنت كل ما أمر من الطرق أتذكره"، لتعقد العزم على مغادرة المملكة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا "لحين ما أقدر أرجع تاني".
"باب الشعرية"، كانت هي المنطقة التي وقع اختيار "نورا" عليها للإقامة بها، حيث كانت المفضلة لصغيرها "كان بينزل مصر، وبيحب يقعد في المنطقة دي". منذ أن وطئت قدماها الحي الشعبي، كَرست حياتها لإطعام الكلاب والقطط الضالة "يمكن ما لقيت حظي مع البني آدمين، لكن لقيت حظي مع الكلاب".
تمر ساعات اليوم ثقيلة على الأم "قاعدة في الشقة لحالي، لا أختلط بأحد"، تلجأ إلى زيارة مساجد آل البيت للتبرك والترويح عن نفسها "بروح السيدة نفيسة والسيدة عائشة والحسين"، بينما تنتظر قدوم شهر رمضان لترافق الصائمين في موائد الرحمن.
بحثًا عن الونس، تقضي السيدة الستينية رمضان للعام الثاني في موائد الرحمن خاصةً المائدة التي تنظمها إحدى الجمعيات الخيرية بالدراسة "أنا مش جاية هنا عشان آكل، أنا بدورعلى ناس" تقولها بينما تدمع عيناها، تضيف أنها يمكن أن تحضر طعامها معها ولا تأخذ من وجبات المائدة "كفاية إني أشوف الناس".
داخل مائدة رحمن الدرّاسة، يعرف المتطوعون بالمائدة، التي تقام منذ 4 سنوات، "نورا" جيداً، اعتادوا عليها وحفظوا عادتها بجمع باقي الطعام لحيوانات الشارع.
"علا عادل" إحدى المتطوعات، تقول إنها تأتي لمائدتهم منذ عامين وتشارك الأسر بطاولتهم دون أن تفتح حوارا معهم "بتقعد مبتسمة من غير ما تكلم، بتكون فرحانة بالونس"، بعدها تجمع اللقيمات والعظام داخل كيس وترحل لتبدأ في إطعام الكلاب والقطط في الشارع "بنشوفها بعنينا".
وتذكر المتطوعة الثلاثينية أن "نورا" ذات مرة أخبرتها بقصتها وحكاية وفاة نجلها وهاتفت ابنها الذي يعمل بأحد المطارات السعودية، وطلبت منه أن تتحدث إليه لتتأكد من صدق كلامها "قعد يوصيني على أمه، ويقولي طيب هي مضيقاكوا في حاجة، وشكراً إنكم بتعاملوها كويس".
بحسب ما تقول "نورا"، تمتلك ابنتها الكبرى مؤسسة معروفة بالسعودية، ويعمل ابنائها الثلاثة بمطارات المملكة "ولادي بسطني وبيبعتولي فلوس"، وتضيف أنهم يلحون عليها للعودة إلى منزلها بالمملكة لكنها ترفض "أنا مغلبة ولادي معايا".
تُخفي "نورا" جنسيتها عن العاملين بالمائدة، بينما تُخبر فقط المتطوعة "علا" بعدما شعرت بارتياح لها، تقول إنها تخبرهم بأي جنسية أخرى مثل فلسطينية أو جزائرية أو سورية.
وغير شهر رمضان، لا تقطع "نورا" عادة إطعام الكلاب والقطط طوال العام، فتقول إنها تتكفل بإطعامهم من مالها الخاص "بجيبلهم أكل على حسابي"، حيث تحضر لهم هياكل الدجاج من محلات الدواجن "وأسقيها في عيش وشوربة"، للقناعة الراسخة داخلها "اطعمي الطير ربنا يطعمك".