الأقباط متحدون - هل انتصرنا فى أكتوبر بحلم شيخ الأزهر؟
  • ١٣:٥٨
  • الأحد , ٢٧ مايو ٢٠١٨
English version

هل انتصرنا فى أكتوبر بحلم شيخ الأزهر؟

مقالات مختارة | بقلم : خالد منتصر

١٩: ٠٩ م +02:00 EET

السبت ٢٦ مايو ٢٠١٨

خالد منتصر
خالد منتصر

 فى خطبة الشيخ أسامة الأزهرى يوم الجمعة الماضى أمام الرئيس وقادة القوات المسلحة، وفى ذكرى الاحتفال بانتصار العاشر من رمضان، الذى استعاد لنا كرامتنا بكسر أنف العدو الصهيونى، حكى الشيخ، ومع كامل احترامى وتقديرى له، حكاية تنتمى إلى عالم كرامات الأولياء الصالحين، وليس إلى عالم الواقع، الذى لم يعد يعترف إلا بالعلم، حكاية لا أستسيغها فى تلك المناسبة، التى كان العقل والتخطيط والعلم مفتاحها وحل شفرتها، وسبب انتصارها، وليس الرؤى والأحلام والكرامات والمعجزات، فقد حكى، ومرجعه كتاب د. محمود جامع «كيف عرفت السادات؟»، أن الشيخ عبدالحليم محمود رأى النبى فى المنام قبل حرب أكتوبر يبلغه بالانتصار، فذهب من فوره إلى «السادات»، وقال له لو كنت على استعداد فادخل الحرب على بركة الله، وحكى له الرؤيا وبشّره بالنصر!، وأنا أشك فى صحة هذا الكلام، وأربأ بالشيخ أسامة أن يُكرّره ويعيده على مسامعنا، أعرف أنه مجرد ناقل عن كتاب «محمود جامع» صديق «السادات»، لكننى أعرف أن دراسة الشيخ أسامة تُحتّم عليه التدقيق، لأن الحكاية ليست مجرد قصة عابرة، لكن لها دلالات تنصر الفكر اللاعقلانى وتقحمه فى مسائل وقرارات مصيرية، نود أن نزرع فى عقول شبابنا أنها جاءت بعلم اليقظة لا برؤى المنام، وهو يعرف جيداً أن كتاب الحواديت هذا الذى ألفه «جامع» لا يُعد مرجعاً يُعتد به وإلا فليأخذ الشيخ أسامة باقى ما فيه مرجعية أيضاً، وفيها ما يخجل ويدين «السادات» نفسه، مما هو بعيد عن المنطق والصدق، هل يستطيع الشيخ أسامة من فوق منبر الجامع فى الخطبة نفسها، أن يقص علينا قصة عمولات السلاح التى اعترف بها «السادات»، طبقاً لمذكرات صديقه محمود جامع؟!، هل يستطيع الشيخ أسامة حكى تلك التفاصيل التى لا تُقنع طفلاً عن موظف شركة المضارب الذى أتى إلى محمود جامع يوسّطه للقاء «السادات»، ليعرض عليه بيع أسلحة شرقية وغربية ووعده بأن عمولة «السادات» محفوظة!، وذهب تاجر الأسلحة إلى «السادات» بشنطتين أسلحة!!، تخيلوا أسلحة فى شنط وكأننا فى صفقة سلاح فى قضية ثأر فى الصعيد، لكن الدكتور جامع لم يُحدّد هل كانت شنط خضار أم هاندباج!!، أما رد فعل «السادات» فكان كوميدياً أثار ضحكى عند قراءة المذكرات، اندهش «السادات» الذى كان يجلس مع المشير أحمد إسماعيل قبل خروجه من الصالون، وقال «السادات» مسروراً «عرفوا إزاى أن إحنا عايزين السلاح ده بالذات!!»، تكبير، يعنى «السادات» حافظ السلاح اللى ناقصنا، وموظف شركة المضارب، وشنطة حمزة المعجزة جمعت كل الأسلحة السرية!!، إذا كنت يا شيخ أسامة مصدّقاً حلم الشيخ عبدالحليم محمود فى كتاب محمود جامع، فلتصدق إذاً تلك الحكاية الخرافية والاتهامات الجزافية لقائد الانتصار «السادات» الذى أشدت به فى خطبتك ومدحته، هل تقبل أن يكون مصدرك كتاباً يعترف بأن «السادات» يشترى سلاحاً فى شنطة من موظف شركة مضارب ويقبض عمولات؟!، أما خطر هذا التفكير اللاعقلانى فأترك الرد عليه للدكتور فؤاد زكريا، الذى نبّه إليه فى مقال وقتها من الممكن أن ترجع إليه، قائلاً: «كان من أكثر التعليلات التى شاعت بصدد الهزيمة أنها قد حلت بنا لأننا ابتعدنا عن طريق التقوى مفهومةً بمعنى ساذج. ولم يكن ذلك بالتعليل الذى يمكن اغتفاره لأسباب عديدة أهمها أنه يعمى عيون الناس عن العوامل الأساسية التى كان لا بد أن يفهموا أنها شاركت كلها فى صنع هذه الهزيمة: كمؤامرات الصهيونية المتعاونة مع الإمبريالية، وكالأخطاء التى ارتكبناها نحن أنفسنا قبل حرب عام 1967 وأثناءها، والتى كان ينبغى أن نعيها جيداً إذا شئنا أن نمحو أثر الهزيمة، وفضلاً عن ذلك فإن المنطق نفسه الذى كان ينطلق منه دعاة هذا التعليل يمكن أن يكون حجة عليهم لا لهم، لأننا إذا كنا قد ابتعدنا عن طريق التقوى، فإن عدونا كان، طوال تاريخه، أشد منا ابتعاداً عنه. فهذا العدو ذاته هو الذى شرّد شعباً كاملاً، وارتكب فى حقه أشد الفظائع والمظالم. فلماذا إذاً يكتب النصر لعدو كهذا، إذا كان مقياس النصر أو الهزيمة هو التقوى مفهومةً بهذا المعنى الساذج؟». ويقول أيضاً: «وكان واضحاً أن التدريب الشاق والحساب العلمى الدقيق والتوقيت الذكى والتضليل المخطط والمرسوم للعدو، وفوق ذلك كله حماسة الجندى المصرى وشجاعته، كل هذه كانت العوامل الرئيسية فى النجاح الباهر الذى أحرزناه فى العبور، وفى معارك الضفة الشرقية. ومع ذلك فقد عادت التعليلات اللاعقلية تطل برأسها من جديد، وكان ما يثير الإشفاق فى هذه التعليلات أنها تهيب بقوى غير منظورة قيل إنها حاربت معنا. ولم يدرك مردّدو هذه الأقاويل أن تصديقها معناه أن الذى انتزع النصر ليس هو الجندى المصرى الباسل بدمه وعرقه وشجاعته، ومعناه أن العلم والتخطيط والحساب الدقيق لم يكن له إلا دور ثانوى فى كل ما حدث. بل إن تصديق هذه الأقاويل يعنى ما هو أشد من ذلك وأخطر، إذ إن قائلها يفترض أن ما حدث كان معجزة، وأن الأمور لو تُركت لكى تسير فى مجراها الطبيعى لما أمكن أن يحدث ما حدث. ولست أستطيع أن أتصور فى ظروف التضحية الهائلة التى مر بها جيشنا جحوداً أشد من ذلك الذى ينطوى عليه هذا الافتراض الضمنى». ويضيف «زكريا»: «أعتقد أن تمسّكنا بالارتكاز على أرض العقل الراسخة يعطينا سلاحاً هائلاً فى معركتنا، فى حين أن عودتنا إلى ضباب اللامعقول وإلى التعليلات الخرافية والأسطورية تجعلنا نقف معنوياً على الأرض الهشة نفسها التى يقف عليها أعداؤنا».

 
يا شيخ أسامة، أعذرنى فى عدم تصديق هذه الرؤيا، وقولاً واحداً لم يكن يعرف ميعاد الحرب إلا القادة العسكريون الكبار حتى بيت «السادات» نفسه لم يطلع على هذا السر، ولم يكن الرئيس وقتها متفرغاً للقاءات لمناقشة رؤى وأحلام وكوابيس!!، فلنعد إلى العقل والعلم والتخطيط فهم طوق النجاة الوحيد، الانتصارات يا شيخنا الجليل لا تصنعها بركة الحلم، كما أن الجرح النازف لا تعالجه الرقية الشرعية.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع