الأقباط متحدون - الاقتناع بالعبادة لا يحتاج طبيب العيادة
  • ١٩:٠٨
  • الجمعة , ١٨ مايو ٢٠١٨
English version

الاقتناع بالعبادة لا يحتاج طبيب العيادة

مقالات مختارة | خالد منتصر

٢١: ١١ ص +02:00 EET

الجمعة ١٨ مايو ٢٠١٨

خالد منتصر
خالد منتصر

كل عام وأنتم بخير، وكل رمضان ومصر أكثر حلماً وأملاً وعقلاً وأقل استسلاماً للخرافات والدجل والأوهام وتجار الفاشية الدينية، من ضمن تلك الأوهام التى تنتشر انتشاراً سرطانياً فى رمضان وهْم تسويق العبادة من خلال العيادة، يحتشد فى رمضان الأطباء طوابير فى مزادات فضائية للكلام عن الفوائد الطبية للصيام، فالناس لا تصوم بناءً على ما تكتبه «الميديكال جورنال» ولكنها تصوم بناءً على ما قاله القرآن، وهذا التسويق الطبى يمثل خطراً مزدوجاً على الدين والعلم على السواء، فالعبادات والطقوس الدينية لا تحتاج موظفى تسويق من الأطباء لإقناع أتباع الدين ومعتنقيه بهذه العبادات، فهى فى النهاية تسليم ويقين إيمانى وليست روشتة طبية أو تقرير أشعة أو تحليل فصيلة دم، وأيضاً العلم لا يحتاج التكبيل بمطلقات ثابتة بينما منهجه يقوم على نسبية الأفكار والنقد الدائم والتكذيب المستمر، والسؤال الذى أطرحه على كل الأطباء الذين يتبنون ما يطلق عليه «الإعجاز العلمى» ويتعسفون فى تطبيقه على العبادات الدينية، لماذا هذا التسويق الذى لم يُطلب منكم أصلاً؟، ستقولون غرضنا شريف وهو تحبيب الناس فى الدين وتثبيتهم على العقيدة، جميل هذا الغرض وتلك النية، لكن التحبيب والتثبيت هو بمبادئ الدين الموجودة فيه وليست باختراع وافتعال نظريات علمية ليست فيه ولا ينتقص منه عدم وجودها لأن وظيفة الدين ليست أن يتحول إلى مستشفى كليفلاند أو كينجز كولدج!، إضافة وللأسف الشديد إلى أن كل ما يقوله هؤلاء الأطباء من فوائد طبية للصيام يفتقر إلى المرجعية العلمية المعترف بها، يعنى لم يقدم فى مؤتمر علمى عالمى ولا نشرته مجلة علمية محكمة، وقد امتد التسويق الطبى من الصيام إلى العبادات والفرائض الأخرى مثل الصلاة والحج، فيخرج علينا من يقول إن رسالة ماجستير من جامعة الإسكندرية أثبتت أن الصلاة علاج لدوالى الساقين.

أنا راضى ضميرك العلمى يا مَن ناقشت الرسالة ما هى العلاقة الطبية؟! وإذا كانت أهمية العبادة أو الفرض أو الطقس الدينى بنتيجته الطبية فهل هذا يعنى أن تمارين الأيروبيك أفضل من الصلاة وأنه كان من الأفضل أن نذهب للجيم بدلاً من المسجد؟!، وهل الأفضل لمرضى دوالى الساقين من المسلمين أن يُلقوا بالجورب الطبى فى سلة القمامة ولتسقط الجراحة وليذهب الدوبلر إلى الجحيم؟.. وهل هناك إحصائية طبية تؤكد أن دوالى الساقين عند المسلمين أقل منها عند البوذيين مثلاً؟!، أما أستاذ جراحة العظام ببنها فيؤكد أن تكبيرة الصلاة تقوى عضلات الكتفين والصدر!!

وأسأل طبيبنا النابه هل من الأفضل أن يستبدل المسلم طبقاً لنظريتك بالتكبير تمريناً بالدمبلز لتقوية أفضل لعضلات التراى والباى والديلتويد؟!!

أستغفر الله العظيم من التزيد والتنطع وفقدان صفاء الدين وتعكير فطرة معتنقيه التى كانت رائقة عذبة قبل أن يقتحم منافقو التسويق الطبى للعبادات ليمتد كومبانى حياة هؤلاء المعتنقين ويسوّدوا عيشتهم ويعيّشوهم فى معضلة تحويل مقاصد الدين الحنيف لمصطلحات طبية لاتينية!!

أما الحج فقد احتل المركز الأول فى التسويق الطبى وما عليك إلا أن تقرأ هذا المثال لتعرف إلى أى مدى سرمدى غامض تم السطو على معانى الحج السامية لتتحول مناسكه إلى مستوصف بحجم مكة!!

وطبعاً أهم سيكشن طبى فى الحج هو زمزم الذى حلق به الأطباء إلى آفاق علمية مُبالَغ فيها إلى أقصى حد، الحقيقة التى يجب أن تقال وبصراحة أن أهمية ماء زمزم الدينىة تكمن فى رموز ودلالات قصته الموحية وعناصر حكايته المعلمة وليست فى أنه مضاد حيوى أو شربة قاتلة للديدان أو مسكن للآلام، وما يحدث من هيستيريا عند حجاج كثيرين ينتظرون المعجزة الطبية على يد ماء زمزم بل تصل الكارثة إلى أن يترك مريض السكر الأنسولين انتظاراً لمعجزة زمزم!، ويهجر مريض الكبد أدويته تيمناً وتوقعاً ليد زمزم الشافية، وتتوالد حكايات وقصص زمزم الإعجازية من أصحاب بازارات الإعجاز العلمى، أرجوكم توقفوا عن التسويق الطبى للعبادات فى بوتيكات العيادات والفضائيات، فالدين ليس فى حاجة لفروع شركات «السيلز» وأوكازيونات العروض الشبيهة بعروض شركات المحمول وأوكازيونات الصيف، والعلم الذى هو فى بلادنا على جهاز التنفس الصناعى مريض بما فيه الكفاية فلا تنزعوا عنه الفيشة وأسطوانة الأكسجين الأخيرة.
نقلا عن الوطن
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع