خلية الإرهاب العائلى
مقالات مختارة | سحر الجعارة
الخميس ١٧ مايو ٢٠١٨
في عام 2005 بدأ تنظيم «داعش» الإرهابى عملية بث الرعب في نفوسنا بما يسمى «الجهاد الإلكترونى».. الذي يعتمد على القتل كأسرع وسيلة لنشر أفكارهم وفرض إرهابهم على العالم!.. وقام التنظيم بنشر مشاهد الإعدام الجماعى عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وكذلك في مجلة «دابق» التابعة للتنظيم.. لكن الصدمة كانت في مقطع فيديو لطفل يعدم رجلين بإطلاق النار من مسدس، لأن تنظيم «داعش» أدانهما بالتجسس على التنظيم لصالح الاستخبارات الروسية!.
إنه «عبدالله»، الذي تعود جذوره إلى كازاخستان، هاجر من عالم الطفولة، وأصبح نجماً يستخدمه تنظيم «داعش» في شرائط يُظهر فيها أطفالاً يتدربون في أحد معسكرات التنظيم الدموى في سوريا.. نجم من طراز «المتحولون»، يعيش على دماء البشر، ولا يركع إلا لشيطان اسمه «الأمير» الذي اختطفه من دنيا البراءة ليعلمه تفكيك الأسلحة وتركيبها، ويدربه على خوض المعارك، ويلقنه عقيدة «الجهاد» المزعوم!.
لم تعد لغة الحديث عن انتهاكات حقوق الطفل أو ارتكاب جرائم ضد الإنسانية واردة في قاموس التنظيمات الإرهابية.. وأى خطاب يفسر عقيدة «الجهاد» من منظورهم، أو حتى الإسلام نفسه، هو خطاب عاجز، أخرس، لأنه خطاب «أعزل شفهى».. لقد إغتالوا البراءة والطفولة وخلقوا جيلا من «الوحوش الآدمية» ترسم «خريطة الدم» بدلا من الطيور والأزهار الملونة!.
تذكرت «عبدالله» ومن على شاكلته، حين سمعت خبر تفجيرات «أندونسيا»: أسرة مؤلفة من ستة أفراد يشنون هجمات انتحارية على أشخاص يحضرون قداس الأحد في ثلاث كنائس في سورابايا، ثاني أكبر المدن في إندونيسيا، مما أسفر عن مقتل 13 شخصاً على الأقل وإصابة 40 .
وبحسب تصريحات المتحدث باسم شرطة جاوة الشرقية، «فرانز بارونجغ مانغيرا»، للصحافيين فإن: ( الأب قاد السيارة من طراز أفانزا والتي كانت تحتوي على المتفجرات واقتحم البوابة أمام الكنيسة).. لكن اللافت للنظر والموجع للضمير الإنسانى، هي أعمار «خلية الإرهاب العائلى»: فالزوجة وابنتين (تبلغان من العمر 12 و9 سنوات) نفذا هجوماً على كنيسة ثانية ..، فيما يعتقد أن المراهقين الآخرين هما ابنا الرجل وعمرهما 16 و18 عاماً!.
لم يصل واحدا من الأبناء لـ«سن الرشد» ليفهم الفرق بين الإرهاب والجهاد، ولا إكتمل النمو العقلى للفتيات ليدركن أن مجموعات تنظيم «داعش» العائدون من سوريا قد دمروا بلدانا كثيرة وشردوا شعوبها وإستحلوا أعراض بناتها.. كيف تدرك طفلة عمرها 9 سنوات أو 12 سنة مأساة بنات ونساء «الأيزيديات» اللاتى أصبحن «سبايا» في سوق نخاسة «داعش» ؟!.
حوالي 90 في المائة من سكان إندونيسيا مسلمون، هناك أيضا أعدادا كبيرة من المسيحيين والهندوس والبوذيين، لكن يبدو أن «الإسلام الصحيح» لم يصل هناك.. بل ما حدث هو العكس إنتقل فيروس الإرهاب اليهم عبر العائدين من «الجهاد» في سوريا.. وإنتشرت الخلايا السرطانية التي تتولى تكفير المسيحيين (وبالتبعية الهندوس والبوذيين).. وقامت بغسل أدمغة الشباب والأطفال.. ويعتقد أنها جذبت المئات من الإندونيسيين المتعاطفين مع «داعش».. وفقا لتصريحات الشرطة.
الغريب هنا أن الجماعات التكفيرية، التي تجاهد بقتل المسيحيين وتفجير كنائسهم، لم تسع يوما لدعوة الهندوس أو البوذيين إلى الإسلام.
حتى شيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب» قال في افتتاح جولات الحوار بين عدد من الشباب يمثلون أطراف الصراع في «ميانمار»، قال: (درسنا أن البوذية دين إنسانية في المقام الأول، وأن بوذا كان من أكبر الشخصيات التاريخية الإنسانية، وكبار العلماء يصفون رسالته بأنها دين الرحمة).. فهل نقبل بغير الديانات الإبراهيمية الثلاث ونحارب الشيعة والمسيحيين بإعتبارهم «الصيد الثمين» لللإرهاب.. حتى «اليهود» ندافع عنهم ونرفع شعار: (الفرق كبير بين اليهودية والصهيونية)!.
وكأنما نخدع أنفسنا فالصهيونية تتولى التصفية العرقية لأشقائنا في «فلسطين»!!.. نحن أمام عالم بلا ضمير توحش فيه الإرهاب لأننا تركنا «أطفالنا» مثل الطبل الأجوف، (مسلمون بالميلاد.. دمويون بالتلقين).
تركناهم فريسه لأقوى وأغنى التنظيمات الإرهابية، لم يصلهم صوتنا ونحن نتغنى بالإنسانية ورحمة الرسالات السماوية.. فكل ما وصلهم «تمويل سخى ومدافع» أر بى جى«.. وخطاب تكفيرى ينتشر في إعلامنا ومجتمعاتنا.. بل وبعضنا يردده همسا بين ضلوعنا!.
هؤلاء الأطفال ليسوا ضحايا «أبوبكر البغدادى».. إنهم ضحايا «إبن تيمية».. والمجتمع الإسلامى الممزق.. المنقسم.. الذي يكفر بعضه بعضا.. ولا يرفع السلاح إلا في وجه أخيه !.
نقلا عن المصري اليوم