المجتمع الأبوى أتعس الجميع وأولهم الرجل
مقالات مختارة | هنا أبوالغار
الثلاثاء ١٥ مايو ٢٠١٨
مجتمعنا الأبوى، المبنى على أحادية القيادة للرجل داخل الأسرة مقابل الأمن والمال، عندما ربى أبناءه الذكور والإناث على قيم تسلب الطفل الذكر إنسانيته وتحوله إلى «سوبرمان» صغير (أو هكذا يخيل إليه وإلى أهله)، فهى فى الحقيقة قيم تسلبه صفات توازنه النفسى وسعادته، فتشقيه وتشقى من يحبونه ويحبهم ويعاشرهم، وأولهم رفيقة الحياة والزوجة.
دعونا نراجع بعض المفاهيم التى يتربى عليها أبناؤنا وتأثيرها على سعادتهم وسعادة أسرهم:
«ما تعيطش أنت راجل!» هذه الجملة المكررة فى معظم بيوت مصر نقولها للطفل الذكر وأن إظهار مشاعر الحزن أو الإحباط شىء سلبى يقلل من رجولته ونشجعه أن يكبت حزنه ويخفيه، فلا يخرجه ويتغلب عليه، ولا هو يلجأ لأحبابه سواء زوجته أقرب الناس له أو أصدقائه ليواسونه، ولا يعبر عنه لكى يتفهم من حوله سبب تغير تصرفاته أو أسلوبه الناتج عن الحزن. فتتراكم المشاعر السلبية لمدة طويلة لدى الرجل وتعانى الأم هذا التراكم، ويشعر المحيطون به بالحيرة والإحباط.
«اللى يضربك اضربه، ما تبقاش (بنت) أو ما تبقاش (عيل)»، الرسالة هنا أن الرجل لا يلجأ إلى سلطة أعلى لأخذ حقه، فهذا متروك «للضعفاء فى المجتمع»، أما الرجل القوى فيأخذ حقه بذراعه. فبدلا من أن نشجع الصبيان على اللجوء إلى مدرسة الفصل أو الكابتن أو الشخص المسئول عن حمايتهم فى أماكن تواجدهم، نشجعهم على رد العنف بالعنف ونغرس فيهم قيمة «قانون الغاب»، ثم نندهش لانتشار البلطجة فى المجتمع، والصوت العالى واللجوء للعنف فى مشكلات بين أبناء مجتمع واحد فى المرور أو بين الجيران. أو حتى لجوء الرجل لحل مشكلاته الزوجية بالعنف البدنى أو اللفظى. والأغرب، أننا نتعجب لتبنى المرأة نفس هذا الأسلوب، فنندهش عندما نراها ترفع صوتها وتتلفظ بكلمات مؤذية للحصول على حقها، متناسين أنه أصبح أسلوبا عاما نتائجه جيدة ونندهش بينما نحن فى الحقيقة نعود إلى بيوتنا لنردد نفس الجملة لأبنائنا لنغرس فيهم مرة أخرى قيمة الحلول الفردية بعيدا عن احترام القانون وتطبيقه.
***
«ظل راجل ولا ظل حيطة»، حجر أساس فى كثير من البيوت المصرية، رسالة للشاب والفتاة عند الزواج، بعيدة تماما عن مفهومنا التقليدى وموروثنا الثقافى والدينى عن الزواج المبنى على الرحمة والمودة والهدف والمشروع الواحد الذى يجمع زوجين، رسالة أن «التواجد كرمز اجتماعى» كاف لإكساب الرجل وضعه فى الأسرة، ولتغاضى المرأة عن أى مساهمة أخرى كانت تتمناها منه. رسالة خطيرة لأنها بمثابة وعد «كاذب» للرجل بضمان وضعه الاجتماعى بغض النظر عن جهده المبذول فى إنجاح علاقة الزواج، ورسالة أخطر لجيل من النساء صدقن هذه المقولة واخترن أن يعشن فى كنف رجل بلا عطاء لها ولا لأولادها ولا بيتها فتعلمت أن تعتمد على نفسها فى كل شىء إلى أن أدركت أن «ظل هذا الرجل» لم يضف كثيرا بل منعها من تحقيق حلمها مع رجل أكثر عطاء.
«مهما حصل فى الآخر الست هى البيت، هى المسئولة عن نجاح الزواج أو فشله»، مرة أخرى مقولة خطيرة، للرجل أولا، لأن الزواج مثل أى علاقة إنسانية مبنية على طرفين، ومهما بذل طرف من عطاء لإنجاحها فهو حرث فى البحر إذا لم يقابله عطاء من الطرف الآخر. عندما نربى أبناءنا على عدم العطاء فى أهم علاقة فى حياتهم والتى تبنى عليها سعادتهم وسعادة أبنائهم بل يبنى عليها جزء كبير من نجاحهم المهنى والاجتماعى أيضا، فنحن نغرس بذور التعاسة فى المستقبل يجنى ثمارها الرجل وزوجته وأبناءه. أما بناتنا عندما نربيهن على هذه الجملة فنحن نزرع بذرة الإحساس بالذنب مع كل مشكلة زوجية تواجهن، إحساس يعيق قدرتهن على التعبير عن مشكلاتهن فى العلاقة وعن إيجاد حلول مشتركة مع الزوج لحلها، ويجعل كثيرا من السيدات المصريات يدفعن وحدهن ثمن فشل زواجهن سواء قررن الاستمرار فى زواج تعيس لتفادى وصمة «الزوجة الفاشلة أو المطلقة»، أو قررن أن يطلبن الطلاق فيواجهن بالضرورة بموجة عالية من اللوم والتهم والنقد والاستنتاجات من القريب والبعيد لأنهن كن «فاشلات» فى الحفاظ على بيتهن. وبعيدا عن مفهوم العدالة فهذا الوضع لا يحافظ على العلاقة الزوجية ولا على البيت حيث إن الحفاظ عليه يحتاج إلى قدرة على التواصل والتعبير عن المشاعر والاحتياجات والرغبة فى الفهم والوصول إلى مناطق تلاقٍ وتفاهم.
***
«الراجل ما يعيبوش إلا جيبه»، مقولة قمة فى القسوة فى مجتمع وزمن نسبة من يتعدى دخلهم الخمسة آلاف جنيه شهريا لا تزيد على ١٥٪ من الشعب. هى رسالة عجز وكسر لقيمة الإنسانية وليست الرجولة فقط أن نربط وضعه داخل أسرته بقدرته المالية والتى نعلم أنها لأسباب كثيرا ما تكون خارجة عن إرادته محدودة. وكان الأجدى أن نغرس فى أبنائنا قيمة الجهد، والاتقان، والهمة، لأنها كانت غالبا ستحفز على العمل وبذل جهد أكبر لضمان دخل الأسرة وكان الإحساس بالذات والفخر سينبع من جودة العمل وإتقانه بدلا من مقياس مادى يعرف الزوج والزوجة أنه لن يتحقق، فيقلل من ثقة الزوج بدوره فى الأسرة ويقلل من قيمته فى نظر زوجته والتى فى كثير من الأحيان لأنها تربت على هذه المقولة ترى مساهمتها فى مصاريف الأسرة وعملها كأنه نزول فى السلم الاجتماعى بسبب عدم قدرة زوجها أنه «يستتها» أو بمعنى أكثر تقدمية يوفى «بمسئولياته المادية»، وهى مرة أخرى نظرة بعيدة كل البعد عن فكرة البناء والسند والشراكة «على الحلوة والمرة» فى مؤسسة الزواج.
فى كل ما سبق نسلب الطفل الذكر وبالتالى الرجل فيما بعد مهارات ومفاهيم بديهية لبناء علاقات سوية، ليس فقط مع زوجاتهم وإنما مع الآخر بشكل عام، فمهارات التواصل وحسن التصرف فى الأزمات، الحكمة والهدوء، العطاء والسند، المسئولية تجاه الزوجة والأبناء سواء كانت مادية أو نفسية أو مجرد إحساس الطمأنينة الذى نحسه فى علاقة نعلم فيها أن كلا الطرفين مثمن لها ومستثمر فيها من سنوات عمره النفس والجهد. وزرعها فى الطفل الأنثى هو بمثابة سلب لبصيرتها السليمة ولقوتها النفسية المطلوبة لضبط دفة مركب الحياة الزوجية فى الأزمات قبل فوات الأوان.
العدل أساس أى علاقة، فلا تظلموا أبناءكم وتربوهم على غير ذلك فتتعسوهم، ثم تتحملوا وزر تعاستهم وتعاسة زوجاتهم وأبنائهم.
نقلا عن الشروق