الأقباط متحدون - فضل شاكر.. هل يغرد صوت مُشبَّعٌ بالدم؟
  • ٠٧:٥١
  • الاثنين , ١٤ مايو ٢٠١٨
English version

فضل شاكر.. هل يغرد صوت مُشبَّعٌ بالدم؟

د. أحمد الخميسي

مساحة رأي

٠٩: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٨

فضل شاكر
فضل شاكر

د.أحمد الخميسى
قرر المطرب اللبنانى فضل شاكر، الذى سيتم الخمسين قريبًا، أن يعود إلى الغناء بعد اعتزال دام نحو ست سنوات، حينما أعلن فى مارس ٢٠١٢ فى لقاء مع محمد السلاوى على «قناة الرحمة»، توبته عن الفن طريق «الحرام»، وقد فسر لاحقًا حرمانية الموسيقى بقوله: «السبب أنك ما تأخذنى معك حين تجلس مع حبيبتك أنى أثيرك حين أغنى بمرافقة الموسيقى لإثارتك»، فالموسيقى عنده ليست فنًا لكنها إثارة للغرائز، ومن هنا حرمانيتها.

من حق فضل شاكر أن ينظر للفن باعتباره نشاطًا يستحق التوبة، ومن حقه أن يعتزل الفن، لكن لا يحق له ولا بأى حال، أن يندفع فى مظاهرات مع الإخوان المسلمين تأييدًا لهم فى لبنان، وأن يصب نشاطه فى عداوة النظام السورى، ويغض الطرف فى الوقت ذاته مثل الإخوان عما تقوم به إسرائيل. وأخيرًا ينتقل المطرب العاطفى إلى طريق الإرهاب الحلال والرشاشات والدماء، مع جماعة المجرم أحمد الأسير ويخوض بجواره معركة ضد الجيش اللبنانى راح ضحيتها عشرات الشهداء اللبنانيين. وبذلك ينتقل مما يحق له، إلى ما لا يحق له بأى حال، ومعظم الفنانين الذين اعتزلوا لم يصبحوا قتلة أو إرهابيين.

وفى سبتمبر ٢٠١٧ أصدر القضاء اللبنانى حكمه على شاكر بالسجن ١٥ سنة أشغالًا شاقة بتهمة قتل أفراد من الجيش اللبنانى. واختبأ المطرب فى مخيمات فلسطينية وظل يظهر بالبنادق مع المجرم أحمد الأسير، ويوزع نصائحه على الفنانين بالاعتزال، كما فعل مع وردة الجزائرية، حين نصحها بأن تضع الحجاب وتعتزل، وفى مارس ٢٠١٢ شنّ الفنان بشار إسماعيل هجومًا على شاكر ووصفه بأنه «من المرتزقة» وقال: «متى التقت السلفية بالفن يومًا؟». أما المطرب اللبنانى الكبير راغب علامة، فقد أعلن خلال برنامج «مصارحة حرة» مع منى عبدالوهاب فى فبراير ٢٠١٦ أن شاكر هدده بالقتل إذا لم يعتزل الفن!، وأضاف علامة: «وقمت برفع دعوى قضائية ضده».

لسنا إذن أمام فنان يعتزل بهدوء كما فعل الكثيرون، بل إزاء مجرم، يعتزل، ويصرف نشاطه وطاقته كلها للهجوم على الفنانين وتهديدهم والمشاركة فى عمليات عسكرية إرهابية. ما الذى اكتشفه فضل شاكر لكى يعلن منذ فترة عن عودته للغناء، ومن ثم يخرج على الناس، وقد خلع ذقن الجهاد المقدس ووضع على وجهه من جديد تعبير المطرب العاطفى، وأراق فى عينيه دموع المظلومين؟. كيف أصبح المطرب قاتلًا؟، وكيف عاد القاتل إلى الطرب؟. تلك قصة فضل شاكر هو أدرى بها، المهم أن شركة العدل تراجعت عن الاتفاق معه على غناء شارة مسلسل «لدينا أقوال أخرى» الذى سيعرض فى رمضان. تثير عودة المجرم إلى حديقة الفن تاريخًا طويلًا من تقلبات الفنانين، وأحوالهم، لكنها على اختلاف ألوانها لا تشتمل على حالة فنان إرهابى واحد مثل شاكر، مارس القتل، والدعوة له والتحريض عليه.

أعرف حالة الشاعر سعيد عقل الذى كتب بعد نكسة ١٩٦٧ «زهرة المدائن»، يدق فيها الطبول لتحرير فلسطين: «الآن.. الآن.. وليس غدًا»، وهو نفسه سعيد عقل الذى رحب بالغزو الإسرائيلى للبنان عام ١٩٨٢ لكنه لم يشارك فى جرائم قتل ولم يصرف حياته على الدعوة للقتل. وعام ١٩٢٦ كتب الشاعر أحمد شوقى قصيدته «نكبة سوريا» يناصر فيها كفاح الشعب هناك، وضمت بيته الأشهر «وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق»، وهو ذاته شوقى الذى حقر ثورة أحمد عرابى زعيم الشعب بقصيدة فى يونيو ١٩٠١ جاء فيها: «صغار فى الذهاب وفى الإياب.. أهذا كل شأنك يا عرابى؟»!.

لكن شوقى لم ينضم للعصابات التى قاتلت عرابى، ولا كرس حياته لعداوة الفن والتحرر والمشاركة فى عمليات إرهابية. أقول إننى أتفهم جميع تقلبات الفنانين، وأحوالهم، حتى يجتازوا الخط الأحمر، هناك حيث تمتد دماء الآخرين، حينئذ لا أستطيع أن أغفر لهم، لأنهم كفّوا عن أن يكونوا فنانين. هناك حالات تتفهم فيها أن الكاتب أو المبدع ينافق النظام، فقط ينافقه، مثلما فعل جون ستاينبك الحائز على نوبل، مؤلف مجموعة من أجمل الروايات فى العالم: «تورتيلا فلات»، و«عناقيد الغضب» وغيرهما. ستاينبك هذا العبقرى رافق أحد الطيارين الأمريكيين خلال غارة أمريكية على فيتنام، وكتب بعدها مقالًا جاء فيه: «كانت أصابع المقاتل الجوى تضغط على مفاتيح إسقاط القنابل مثل أصابع عازف البيانو الماهر الذى يعزف أعظم كونشرتو فى العصر الحديث»!. نفاق لا يليق بكاتب كبير، لكنه نفاق. أما حالة فضل شاكر، فإنها تتجاوز كل ذلك، النفاق، والخوف، والاضطرار، والعوز، لتصبح نشاطًا فعالًا هدامًا على طريق الإرهاب «الحلال»، لا يصبح بعده الصوت المشبع بالدم قادرًا على التغريد.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد