الأقباط متحدون - الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟(7) سنوات القلق.. الدور العلمانى بين النكامل والتقزيم
  • ٠٦:١٧
  • السبت , ١٢ مايو ٢٠١٨
English version

الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟(7) سنوات القلق.. الدور العلمانى بين النكامل والتقزيم

كمال زاخر موسى

مساحة رأي

٠٤: ٠٣ م +02:00 EET

السبت ١٢ مايو ٢٠١٨

الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟(7) سنوات القلق.. الدور العلمانى بين النكامل والتقزيم
الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟(7) سنوات القلق.. الدور العلمانى بين النكامل والتقزيم

كانت العقود الستة الأولى للقرن العشرين عقود المد للعمل الأهلى، داخل الكنيسة وخارجها، وكان العمل الأهلى فيها أحد ركائز دعم السلام الإجتماعى بعيداً عن المؤسسات الحكومية والدينية الرسمية، وكانت آليات العمل الأهلى عبر خدماتها الإجتماعية تحقق أكثر من هدف؛ تعمق انتماء الفرد الوطنى، وترب ىداخله قيمة الإيثار والعطاء بغير مقابل أو مغنم، وتعظم قيمة العمل الجماعى واستثمار التعدد والتنوع وتحويلهما إلى قيمة مضافة لمنظومة قيم المجتمع الإيجابية، وفى جانب منها تنظم التنافسية بغير صراع، وترفع عن كاهل الدولة جزء من أعبائها فيما يتعلق بتوفير جانب من الخدمات الإجتماعية والصحية والثقافية والتنموية.

وفى الغالب كانت تقدم خدماتها لمن يحتاجها، ولمن يطلبها، دون تمييز مؤَسس على العِرق أو الدين أو الطبقة أو أياً من الإنتماءات الضيقة، فكانت حائط صد فى مواجهة التيارات والجماعات التى تسعى لأن ينفذ إلى الجماعة المصرية سموم التعصب العرقى أوالدينى أو الطبقى، ونموذج ناهنا منظومة المدارس والمستشفيات والأندية والمنتديات الثقافية التى أقامتها كثيرمن هذه الجمعيات، وكانت أبوابها مشرعة لكل المصريين.

وكانت الجمعيات القبطية فى دوائر التعليم والصحة فى مقدمة هذه النوعية، ومنها على سبيل المثال جمعية الإيمان القبطية بشبرا (1900)، والتى انشأت سلسلة مدارس الإيمان لكل مراحل التعليم قبل الجامعى، ومستشفى الإيمان، وجمعية التوفيق القبطية (1819)، والتى اقامت ايضا سلسلة من المدارس ومستشفى كبرى واستقدمت مطبعة لنشر الكتب والمطبوعات، فضلاً عن خدماتها للمجتمع. وغيرهما العديد من الجمعيات، جمعية اصدقاء الكتاب المقدس (1908) جمعية المساعى الخيرية (1881)، جمعية النشأة القبطية (1896)، جمعية جامعة المحبة (1920)، جمعية ثمرة التوفيق القبطية (1908)، جمعية الإخلاص القبطية بالاسكندرية (1909).

ولم تكن الجمعيات القبطية وحدها منفردة فى هذا الأمر، دوراً وانحساراً، فقد شهدت تلك السنوات فى توقيتات متزامنة جمعيات اسلامية سارت على نفس الدرب، وسبقتهما الإرساليات الأجنبية، على اختلاف منابتها، الكاثوليكية والبروتستانتية، وخلَّفت على أرض مصر العديد من المستشفيات والمدارس والمنشآت الإجتماعية المنضبطة والواعية.

لكننا اقتصرنا الحديث هنا على الجمعيات القبطية الأرثوذكسية لإرتباطها بالإشكالية المطروحة، إذ نكتشف معها الدور الفاعل للمدنيين الأقباط (العلمانيين) فى تشكيل المجتمع العام والقبطى وفى بناء الذهنية القبطية تحديداً، مشاركة مع الكنيسة ـ الإكليروس ـ كل فى دوائره.

وقد التقيا معاً فى دائرة التعليم الكنسى واللاهوتى، فى إعادة احياء المدرسة الإكليريكية (1875) التى اسندت إدارتها إلى القمص فليثاؤس عوض، ثم افتتاح ثان بقواعد أكثر انفتاحاً (1893) يديرها الأستاذ يوسف منقريوس افندى، وخلفه فى ادارتها الأستاذ حبيب جرجس (1918)، لتشهد نقلة نوعية وانطلاقة مؤثرة، وكان البابا كيرلس الخامس الداعم الأول للتأسيس الأول والثانى واختيار من يتولى قيادتها فى المرات الثلاث.

ويرحل حبيب جرجس (1951) فيُسند البابا  يوساب الثانى إدارتها للقمص ابراهيم عطية، ويأتى البابا كيرلس السادس فيرسم لها اسقفاً، الأنبا شنودة اسقف التعليم والكلية الإكليريكية (1962).

ومرة أخرى يتعاون الطرفان ـ العلمانيون والإكليروس ـ فى دائرة التعليم، بتأسيس وافتتاح معهد الدراسات القبطية (1954)، وكان صاحب الدعوة لأقامة المعهد الاستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الأسكندرية ـ آنذاك ـ والذى قدم مذكرة للمجلس الملى بهذا فوافق عليها وقرر إقامة المعهد، الذى افتتحه البابا يوساب الثانى، كما اشرنا الى ذلك قبلاً.

 واعتمدته وزارة التربية والتعليم وجاء فى قرار الإعتماد ”أن فكرة إنشائه تقوم على خدمة التاريخ الوطنى فى العصر المسيحى من أجل سد النقص الموجود فى هذا النوع من الدراسات وتوجيه البحوث على أساس قومى سليم".

وتجربة معهد الدراسات القبطية ـ تأسيساً وعملاً وانهياراً ـ تعد نموذجاً عملياً لمأساة التعليم الكنسى، فقد بدأ كأقوى ما تكون البداية، إذ اسند فى إدارته وعمله إلى قامات علمية متخصصة، مؤهلة أكاديمياً لهذا العمل، وكانوا فى مجملهم من اساتذة الجامعات المصرية والدولية، فضلاً عن كونهم من القامات القبطية ذات الصلة الوثيقة بكنيستهم، فقد تشكل أول مجلس إدارة من :

ا.د. عزيز سوريال عطية رئيس قسم التاريخ بجامعة الإسكندرية واستاذ كرسى العصور الوسطى (مديراً)

المستشار السابق بمكتبة الكونجرس الأمريكى والاستاذ السابق بجامعات بون بألمانيا وليفربول ولندن، والاستاذ الزائر بجامعات شيكاجو وكاليفورنيا واستانفورد وبرنستون وجون هوبكنز بأمريكا وعضو اكاديمية العصور الوسطى الأمريكية والعضو المراسل للجنة الدولية لتحرير تاريخ الإنسانية باليونسكو وزميل الجمعية الملكية للتاريخ بإنجلترا.

ـ الاستاذ الدكتور سامى جبرة مدير معهد الآثار المصرية

ـ الاستاذ الدكتور مراد كامل استاذ اللغات السامية بجامعة القاهرة ومدير مدرسة الألسن

ـ مدير المتحف القبطى الاستاذ يسى عبد المسيح

ـ رئيس جمعية الآثار القبطية د. جرجس متى رئيس قسم الآثار واستاذ اللغات المصرية القديمة بجامعة القاهرة

ـ عضو يمثل مجلس ادارة كلية مار مرقس القبطية (الإكليريكية)

ـ عضو من كنيسة اثيوبيا يختاره امبراطور الحبشة

ـ ثلاثة اعضاء من المجلس الملى من بينهم وكيل المجلس

وانضم للتدريس بالمعهد قامات علمية رفيعة :

ـ د. وزاهر رياض مدير معهد الدراسات الأفريقية.

ـ د. جورجى صبحى رئيس قسم الباطنة بكلية طب القصر العينى وأحد علماء اللغات المصرية القديمة.

ـ الفنان العالم حبيب جورجى المتخصص فى فن الأيقونة القبطية.

ـ الأستاذ راغب مفتاح العالم الموسيقى القبطى.

ـ الاستاذة ايريس حبيب المصرى المؤرخة وصاحبة موسوعة قصة الكنيسة القبطية

ـ الدكتور المستشار وليم سليمان قلادة الفقيه القانونى وكيل مجلس الدولة


ـ الدكتور سليمان نسيم استاذ التربية (رئيس قسم التربية بجامعة حلوان فيما بعد)

وضم المعهد الأقسام المتخصصة:
•    الاثار واللغة القبطية

•    تاريخ الكنيسة القبطية

•    الدراسات الأفريقية (الأثيوبية)

•    القانون الكنسى

•    اللاهوت

•    المجتمع القبطى

•    الألحان والموسيقى القبطية

•    الفنون القبطية

•    التصوير (والميكروفيلم)

•    الدراسات العربية المسيحية

وكان وراء تأسيس وتجاح هذا الصرح العالم البابا يوساب خريج جامعة اثينا اللاهوتية ورغم مؤهلاته العلمية وإجادته اللغة اليونانية لم يفرض نفسه على ادارة المعهد ولا على هيئة التدريس، فقد كان يدرك أهمية أن يكون "المعلم فى التعليم والكاهن فى خدمته".
:::::::::::::::::
اللافت هو تحمس اراخنة الأقباط لدعم المعهد فقام العديد منهم بإنشاء مكتبة خاصة بالمعهد، وتأسيسها وتأثيثها (ويصا واصف وجليلة صبرى ونجيب اسكندر)، وأمدوها ومعهم العديد من المفكرين والعلماء، بالعشرات من الكتب والمراجع النادرة من مكتباتهم الخاصة، وأبرزهم:
     مكتبة الأستاذ كامل ميخائيل عبد السيد المتميزة (4000 كتاب).
     مكتبة الأستاذ حبيب حنين المصرى القانونية والبحثية.
     مكتبة المؤرخ كامل صالح نخلة.

     مكتبة الأستاذ ميخائيل صليب.

     مكتبة الأستاذ ويصا واصف.

     مكتبة الأستاذ صبحى جورجى.

     مكتبة الأستاذ الدكتور جرجس متى. رئيس قسم الآثار كلية الآداب جامعة القاهرة

ليصبح لدى المعهد واحدة من أهم وأكبر المكتبات المتخصصة العلمية واللاهوتية والأدبية والتراثية.

وينضم للمعهد العديد من العلماء الأجانب، عبر آلية "الزمالة" مع الجامعات الدولية، ويسعى لتقنين وضعه العلمى فى المجلس الأعلى للجامعات المصرية، وهو مؤهل لذلك بأقسامه وكوادره العلمية، والتى حرص على دعمها الأنبا غريغوريوس اسقف البحث العلمى ومعهد الدراسات القبطية حتى رحيله.

ولا يمكن أن نتناول التعليم فى الكنيسة دون أن نشير إلى دور الأنبا غريغوريوس الذى كان نصيبه "جزاء سنمار" ممن دعمهم ودفع بهم الى ما صارو اليه، فهو :

ـ وهيب عطا الله الذى تخرج فى الإكليريكية، وكان احد التلاميذ الخلصاء للأستاذ حبيب جرجس، رائد نهضة التعليم بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقد خلفه فى رئاسة اللجنة العليا لمدارس الأحد، وكان لديه رؤية علمية لتطوير الإكليريكية، من خلال دعمها بكوادر علمية أكاديمية متخصصة، فبدأ بنفسه  إذ التحق بكلية الآداب قسم فلسفة ليحصل ليتخرج فيها 1944، ثم يحصل على ماجستير فى الاثار واللغات القديمة من معهد الآثار 1952، لتوفده الكنيسة بأمر من البابا يوساب الثانى فى بعثة دراسية لانجلترا للحصول على الدكتوراة 1955.

ـ وهو الذى أسس القسم المسائى فى الاكليريكية عام 1946 ليتيح الفرصة لخريجى الجامعات فى الدراسة بها، فيوفر للكنيسة كوادر من الخدام المثقفين، وانخرط كثيرون منهم فى خدمة الكهنوت.

ـ مدرس فأستاذ للعلوم اللاهوتية والفلسفة بالكلية الإكليريكية (1944) ثم وكيلاً للكلية (1951).

ـ  أستاذ و رئيس قسم اللاهوت بمعهد الدراسات القبطية 1955م.

ـ مدير معهد الدراسات القبطية بالقاهرة.

ـ أسقف الدراسات العليا اللاهوتية و الثقافة القبطية و البحث العلمى فى عام 1967م.

وقد تدرج فى الرتب الكهنوتية :

ـ أناغنوستيس (1939)

ـ إيبودياكون ودياكون وأرشيدياكون (1959).

ـ ترهب بالدير المحرق (1962).

ـ رسم قساً ثم قمصاً بالدير المحرق (1963).

ـ رسم أسقفاً للدراسات العليا اللاهوتية، والثقافة القبطية والبحث العلمى بيد قداسة البابا كيرلس السادس فى 10 / 5 / 1967 م

::::::::::::::::::::::
كانت الكنيسة تتأهب لنقلة نوعية وخطوة واسعة فى مسار استرداد تواصلها مع كنيسة الآباء على قواعد علمية موضوعية، لكنها تصطدم بواقع يجرها إلى دوامات بلا قاع .

وشيئاً فشيئاً تتجمع الخيوط التى تفسر لنا ما يحدث الآن بين الفرقاء.

ومازال الطرح قائماً

الكلمات المتعلقة