«العالم» يُحذّر من كتاب فاطمة ناعوت الجديد
مقالات مختارة | بقلم فاطمة ناعوت
السبت ١٢ مايو ٢٠١٨
رنَّ جرسُ الهاتف فى منزلى فى السادسة صباح أحد أيام ٢٠٠٦. استيقظتُ والقلق يعصفُ بى. فإذا بصوت أمى يصرخ: «العالم كلّه ضدك؟! يا نهار أسود! هببتى إيه؟!»، طارت بقايا النوم من عينى وانتفضتُ فزعةً، لأننى أعلمُ عن أمى الجديّة وعدم المزاح. «مش فاهمة يا ماما بتتكلمى عن إيه؟ إهدى وفهمينى!» أجابت بنفس النبرة الغاضبة: «الأهرام كاتب فى مانشيت عريض باللون الأحمر!: (العالم يحذّر من كتاب فاطمة ناعوت الجديد!)».
تبدأ أمى يومَها فى السادسة صباحًا بقراءة «الأهرام». ولا تسمحُ لأحد بأن يكلمها فى أى أمر قبل وجبة الصحافة «الأهرامية»، كما عادة الآباء والأمهات الذين كبروا مع تلك الجريدة العريقة. سألتُها: «طيب ممكن يا ماما تقرأى لى الخبر بهدوء عشان أفهم؟» فبدأتْ تقرأ الخبرَ بصوت مُتهدّج: (صدر مؤخرًا للكاتبة كذا، كتابٌ جديد بعنوان كذا، عن دار كذا). وفى مقدمة بعنوان (تحذير ومقاربة) يقول المفكرُ الكبير محمود أمين العالم: (أيـها القارئ العزيز، حـذارِ أن تصدِّقَ عنوانَ الكتـاب!، فكتابتُه لم تتحقّـق، كما يزعم عنوانُه، بالطباشيـر!، فهى ليسـت بالكتابـة السطحية التى يمكن أن تُمسـحَ أو تُنسى بمجرد مغادرتِها. بل كتابـةٌ بالحفـر العميـق فى حقائقَ وظواهـرِ تجاربنا الثقافية القومية والإنسانيّة، التراثيـّة والمعاصـرة. كتابةٌ تظلُّ تتابعنـا وتلاحقـنا بعد قراءتهـا. ولهذا أرجو أن تتأهَّبَ أيها القارئُ فى قراءتك لعمليتىْ: هدمٍ وبناء- معرفيًّا وموقفًا، حول العديد من همومنـا الثقافيـة والحياتيّـة السائدة والمُهيمنة).
كنتُ أستمعُ إليها وأنا غارقةٌ فى الضحك. ولكنّ أمى لم تنتبه إلى ضحكى وأكلمتْ قراءة الخبر وهى حزينة وخائفة على ابنتها، «اللمضة»، كما كانت تنعتنى دائمًا، والتى تُسبب لها دائمًا المشاكل والكوارث، وفق رأيها الدائم فىّ. بعدما أنهتِ القراءةَ قلتُ لها: «ها يا ماما، اطمنتى دلوقت؟»، لكن أمى فيما يبدو كانت تقرأ بنصف وعى، لأن فكرة أن «العالَم» يُحذّر من كتابى سيطرت عليها، فلم تنتبه إلى أنها قرأت: «العالِم» بالفتحة: «العالَم»، وليس بالكسرة، كما هو اسم المفكر الكبير: «محمود أمين العالِم».
وحين نبهتُها أنها قرأت اسمَ الرجل على نحو خاطئ، قالت: «مفيش تشكيل على الحروف. يعنى الخُلاصة، الراجل ده معاكِ واللا ضدك؟!»، هنا انفجرتُ فى الضحك وقلت لها: «يا ماما يا حبيبتى، المقدمة اللى كتبها الراجل ده كأنها جائزة نوبل. وسام على صدر بنتك. المفكر الجميل ده أكرمَنى بالمقدمة الرائعة دى يا ماما. وبعدين الكتاب بتاعى موجود على كومودينو سريرك بقاله أسبوع، لو كنتِ قريتيه كنتى فهمتى الخبر ووفرتى على نفسك الخضّة، ووفّرتى عليا الصُحيان الساعة ٦ الصبح مفزوعة على صوت غضبك!» عادت أمى لرصانتها وشُحّ كلامها، وقالت باقتضاب: «هابقى أقراه لما ألاقى وقت. سلام».
وعلى طريقة «كتاب المطالعة» فى مناهج مدارسنا، أجبْ على السؤال التالى: ما هى الدروسُ المُستفادة من تلك القصة الطريفة؟
١- من الخطأ الاكتفاء بقراءة «عناوين» الأخبار أو المقالات أو الكتب، دون قراءة المتن، ثم المسارعة بتكوين رأى فى موضوع لا عرفنا تفاصيلَه.
٢- تشكيلُ الحروف فى اللغة العربية «ضرورة»، وليست رفاهية أو «تفلسف» من الكاتب، أديبًا كان أو صحفيًّا، أو حتى فى رسائل التليفون ودردشة الإنترنت.
لهذا أتمسكُ بتنضيد مقالاتى، لأن الحرفَ العربى دون تشكيل يُغير المعنى. وكم دفعتُ من أثمان بسبب «قُرّاء العناوين» الذين يكتفون بقراءة المانشيت الذى قد يكون مُخاتلا.
وأما عنوانُ الكتاب «المريب» فهو: «الكتابة بالطباشير»، الذى صدر عام ٢٠٠٦، ويصدر قريبًا فى ثوب جديد مُطوّر: «بالطباشير الملوّن» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
نقلا عن المصري اليوم