الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد؟ 14 ـ سنوات البعث
كمال زاخر موسى
الخميس ١٠ مايو ٢٠١٨
ضوء فى نهاية النفق
14 ـ سنوات البعث
كمال زاخر
عندما تقترب من حقل الكتابة فى الشأن العام، القبطى الكنسى تحديداً، تُحاصر بمحاذير عديدة، بعضها يجد تبريره عند المناخ السائد فى المجتمع العام، وبعضها موروث تناقلته الأجيال، وبعضها ينطلق من نسق سنكسارى طوباوى، وبعضها تحكمه قاعدة "من يكتب؟" وليس "ماذا كتب؟"، وبعضها يذهب إلى خدش الصورة المثالية لدى الآخر، وكلها ترسم حروفها "الصورة الذهنية" للقارئ والموضوع وربما الكاتب نفسه.
كل هذه المحاذير تجتمع فى مواجهتك عندما تقترب من ثنائية قداسة البابا شنودة الثالث والأب متى المسكين، وهى ثنائية كاشفة لكل أمراض المجتمع الكنسى القبطى الأرثوذكسى فى العقود الأخيرة، ولعلها أهم مكونات المواجهات والمصادمات التى يموج بها الفضاء القبطى الإلكترونى، وقد تحول إلى ساحة اقتتال، يتبادل فيه الفرقاء قذائف التحريم وطلقات الهرطقة.
وتكتشف بشئ من التدقيق أن المشايعين قد تحولوا فى غالب الأحوال إلى "ألتراس" يحركه شعار "انصر أباك ظالماً كان أو مظلوماً"، وبطبيعة الحال تجنح الغالبية باتجاه السلطة، وبين الفعل ورده يغيب التناول الموضوعى، وتتسلل صراعات المصالح التى استقرت للبعض، ويسقط الجدل فى بئر الشخصنة، وغير بعيد يقف من يؤجج الصراع، بتعدد المرامى، وتنزف الكنيسة ألماً وتختل بوصلتها، وترتعش منابرها، وتلوذ ببدائل لا تضبط ماءً ولا تفلِّح أراض تشققت وكادت تبور، وتستبدل التعليم اللاهوتى الآبائى بتعاليم إجتماعية وحكايات تدغدغ مشاعر البسطاء، وتغرقها فى طوفان الغيبيات، وأحياناً تعظم قيمة "الجهل" وتروج لكونه "بساطة" تقود للملكوت.
وقد أشرت قبلاً إلى الفرق بين العقيدة والرأى والشرح والتفسير، فالعقيدة لا يمكن الإختلاف حولها، فهى بمثابة القواعد المؤسسة للإيمان، بينما الرأى والشرح والتفسير فيخضع للخلفيات الثقافية والقدرات الإستيعابية، وطبيعة المناخ السائد ومعطيات العصر، وأفق الإدراك، وهى محكومة، قبولاً واختلافاً، باتساقها مع القواعد المؤسِسة، وتقبل الإختلاف دون الإنفراد أو إدعاء امتلاك الحقيقة المطلقة.
وقد انتبهت الكنيسة فى قرونها الأولى إلى أهمية صياغة عقيدتها فى دستور أقرته باتساع المسكونة فكان "قانون الإيمان النيقاوى القسطنطينى" ـ قبل صراعات عصر المجامع فى القرون من الرابع إلى السادس الميلادية ـ وقد جمع بشكل موجز ومحكم اساسيات الإيمان المسيحى، مؤسساً على ما عرف بقانون الرسل:
نؤمن بالله الآب ضابط الكل خالق السماء والأرض.
وبيسوع المسيح ابنه الوحيد ربنا الذى حُبِل به من الروح القدس ووُلد من مريم العذراء وتألم على عهد بيلاطس البنطى، وصلب ومات وقُبِرَ ونزل إلى الجحيم ليبشر ويحرر المأسورين، وقام من الأموات فى اليوم الثالث وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الله الآب الضابط الكل من حيث يأتى ليدين الأحياء والأموات.
ونؤمن بالروح القدس، وبالكنيسة المقدسة الجامعة، وبشركة القديسين، وبمغفرة الخطايا، وبقيامة الأجساد، وبالحياة الأبدية.
والكنيسة لم تنشئ هذه المحاور، ولم تقرها من فراغ، بل بلورت بها ما أعلنه المسيح وعلم به وسلمه لتلاميذه ورسله، وهم بدورهم سلموه بالتتابع لتلاميذهم، وفقاً للقاعدة التى أكدها بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا. " (2 تى 2 : 2)، وهى القاعدة التى أرساها الرب يسوع فى ارساليته لهم. "فَاذْهَبُوا وَ (تَلْمِذُوا) جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ". (مت 28 : 19 ـ 20).
فالعقيدة تستمد صحتها وقوتها من الكتاب المقدس، الوثيقة الآبائية الأولى، ولا يمكن أن يقوم البناء الإيمانى على غير قاعدة الكتاب المقدس.
لذلك تتعدد الطرق للتعرف على شخص المسيح ومن ثم سر الثالوث وسر الفداء وتدبير الخلاص، فيمكن أن تتلمذ على الكتاب المقدس ثم تتعرف على التراث الآبائى فتجدهما متطابقين، أو أن تتلمذ على الآباء فتجدهم يقودونك إلى استعلان الكتاب المقدس وينتهيا بك إلى شخص المسيح، فالكتاب والآباء مسارات تقودنا إلى استعلان يسوع المسيح، ولهذا قال المطران جورج خضر (مطران جبل لبنان للروم الأرثوذكس)، فى محاضرة له بمركز دراسات الآباء الأرثوذكسى بالقاهرة، "أننا لسنا أهل كتاب بل أهل شخص"، ولعله فى هذا يؤكد على ما قاله القديس بولس الرسول "فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا ِللهِ فِي الرُّوحِ." (أفسس 2 : 19 ـ 22).
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::
القطبان الأبرز فى المواجهات الآنية هما قداسة البابا شنودة الثالث والأب متى المسكين، أو للدقة بين فرقاء ينسب كل فريق منهم نفسه لأحدهما، وينتصر له بشكل مشخصن يفقده الموضوعية ويفتح الباب لتدخل عوامل أخرى تفقد معها المواجهات خطها البنائى، فتأتى خصماً من سلام الكنيسة واستقرارها.
لذلك كان حرصى أن اقترب من كليهما الراهب والبابا، بقدر كبير من التجرد، ربما نسهم بهذا فى رأب الصدع، ودعم توجهات البناء أو لنقل إعادة بناء ما تهدم بفعل مدخلات عديدة، تاريخية، كان من ابرزها الانقطاعات المعرفية الكبرى التى نتجت عن انتقالنا الملتبس بعد خلقيدونية من اليونانية إلى القبطية، والإنتقال الجبرى من القبطية إلى العربية مع تعسف الحكام فيما بعد القرن العاشر، فضلاً عن اختلالات محاولات العودة التى شهدتها عقود القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وهو ما تعرضنا لطيف منه فى سياق هذه المقالات.
لذلك فسطورى هنا تتمحور حول "الأب متى المسكين وسنوات البعث"، بينما مقالى القادم سيتناول "البابا شنودة الثالث وانطلاق كنيسة".
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::
المسيح والإنجيل يطلقان سراحه
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::
عندما نتتبع البدايات عند الأب متى المسكين نجده لم يسع للرهبنة بدافع النسك والزهد أو اعتزال العالم، بل كان مشدوداً لمكان ومناخ يوفران له مساحة لاستيعاب كلمة الله وتدبير الخلاص، بعد أن وجد نفسه يتماهى مع اسفاره وشخوصه، وقد استنار ذهنه بنور المسيح، ووقفت التزامات عمله الدقيقة دون تحقيق غايته، واستعرض بدائل عديدة لكنها قصرت عن أن تحقق ما يسعى إليه، حتى طرح عليه أحد اصدقائه فكرة الرهبنة، وذهبا معاً لمقابلة مطران الحبشة المصرى الأنبا كيرلس، الذى استبعدته قوات الإحتلال الإيطالى من اثيوبيا، ليستقر به المقام فى بيت ضيافة ملحق بكنيسة العذراء بمهمشة ـ الشرابية، أحد احياء القاهرة، والتى كانت تضم فى رحابها المدرسة الإكليريكية، قبل أن تنتقل الى موقعها الحالى بدير الأنبا رويس بالعباسية فى حبرية البابا البطريرك الأنبا يوساب الثانى، ذهبا إليه لاستشارته فى أمر رهبنة الدكتور يوسف اسكندر، وهو لقاء يكشف عن ملمح من شخصيته، فنراه وهو بعد شاب صغير يمتلك قدرة على الحوار وتوجيهه، وقناة لا تلين، وينتهى الأمر الى ذهابه الى دير الأنبا صموئيل بمغاغة بالمنيا، ليتتلمذ على الراهب الأب مينا المتوحد، والذى صار فيما بعد قداسة البابا كيرلس السادس، وينتقل بعدها الى دير السريان بوادى النطرون، وكان قد تعمق فى سياحته بين اسفار الكتاب المقدس، وأمسك بخيوط تدبير الخلاص، وهناك يجد منحى جديد وفرته له مجموعة كتب أباء نيقية وما قبل نيقية وما بعد نيقية، بمكتبة الدير فينكب عليها وتكتمل لديه الرؤية ، ويتشكل ذهنه على قاعدة إنجيلية آبائية، وتترسخ عنده مكتسبات الإنسان من التجسد الإلهى، ولا يكاد يخلو كتاب أو عظة من التنبيه على "حقوقنا فى المسيح"، الذى "رد آدم إلى رتبته الأولى"، ووصل عبر الصليب والقيامة والصعود والجلوس عن يمين الآب ما انقطع بسبب التعدى والعصيان.
يسجل الأب متى المسكين هذه الخبرة بقوله
* "كان الإنجيل هو أمنيتي التي خرجتُ من أجلها من العالم. كنتُ في العالم مشغولاً، وكنتُ أودُّ أن أهدأ لأقرأه بفهم وبوعي، وكان عملي يغطي يومي كله من 7 صباحاً إلى 11 مساءً. كنتُ أقول ربما أهدأ السنة القادمة، وتنتهي تلك السنة والتي بعدها، وهكذا كان الزمن يتآكل أمامي، ثم قلتُ: يستحيل أن العالم يغلبني، فلابد أن أتمتع بالمسيح والإنجيل. يستحيل أن يأخذ العالم مني شبابي والـ 24 ساعة كل يوم! عندما كنتُ أغيب عن عملي قليلاً، كان الناس يقومون بثورة، لأن عملي - كما تعلمون - كان متَّصلاً بالجمهور. فكيف أهرب وأنا عليَّ واجبات؟ فكنتُ حزيناً، ولكن كلما ازدادت واجباتي كلما كنتُ أتيقن بضرورة الخروج من العالم“.
* ”كانت أمنيتي الوحيدة أن أُعطي المسيح الـ 24 ساعة في اليوم كله، فظللتُ أصلِّي حتى فكَّني الرب من العالم وذهبتُ إلى الدير. وبدأتُ أقرأ في كتابي المقدس في العهدين وأتمتع، وازدادت قراءاتي من 30 إلى 50 أصحاح في اليوم، فحقَّقتُ شيئاً من فرحتي بالإنجيل. ولكن قابلتني مشكلة أحزنتني فبكيتُ، إذ أنني لما ابتدأتُ بسفر التكوين ووعيته جداً، وكنتُ أخطط بالأحمر تحت الآيات المهمة، حتى بَدَأتْ الآيات تدخل في حياتي؛ وجدتُ أن الذي حصَّلته كان قليلاً جداً! ثم أمسكت بسفر التكوين مرة ثانية، وأحضرتُ كراسةً وقلماً لم يكن يوجد غيرهما في الدير، لأن الاتصال كان مقطوعاً وأنا قطعته بيديَّ، فلا أحد يبعث لي خطابات، ولا أردُّ على أحد ولا صلة لي بإنسان قط؛ فقطعتُ كل الصلات لكي أتمتع بالرب، وليس كحالة مَرَضية أو عزوف عن الدنيا أو كراهية للناس؛ لا، فكما ترونني فإنني أحب الناس، ولكنني لم أَدَعْ شيئاً يعوقني إطلاقاً عن حبي الكامل للمسيح، وعن استيعابي للكتاب المقدس“.
يمكن أن نقول بارتياح أنه صار "ناسكاً إنجيلياً"، فقد شهدت جنبات دير الأنبا صموئيل المعترف ملحمة تشكل ذهن الراهب القادم سعياً للتعرف على، والتعمق فى، كلمة الله، حتى انفتحت له بكنوزها وأسرارها.
* " كنتُ أسهر كل ليلة. وكانت امكانيات الدير شحيحة، فقلتُ: يا رب، أعطني نعمة. وصلَّيتُ كثيراً حتى انفتح الإنجيل أمامي وصرتُ أستوعب كثيراً، فوجدتُ نور الإنجيل ومجده بقدرٍ كبير جداً فارتعبتُ. ثم شعرتُ بقوة الإنجيل وسلطانه في نفسي وعلى حياتي. فبعد أن أحسستُ بقوة التغيير تسري في جسمي وقلبي بصورة جارفة كل يوم، بدأتُ أبكي كثيراً، لماذا؟ لأنني قلتُ: يا رب، الإنجيل مليء بالذخائر، ومجرد آيات قليلة أخذتُ منها الكثير جداً، فمتى أنتهي من الكتاب بعهديه؟"
كانت نفسه قلقة متعجلة فى إصرار على ادراك سر المسيح، لذا كان الحاحه فى الصلاة أن يتحقق ما جاء لأجله
* "عبدك يطلب منك يا سيدي أحد أمرين: إما أن تُطيل في عمري، أو تعطيني ذهن شاب لكي أستوعب الإنجيل كله، لأن حرام أنه يكون أمامي 10-12 سنة بعد سن الثلاثين، ثم يبدأ الذهن ينطفئ! يا ليتك تعطيني استيعاباً كثيراً جداً حتى تُعوِّضني فأستوعب في شهر ما كنتُ أستوعبه في سنة أو سنتين، وبغير ذلك سأكون حزيناً جداً. أريد أن أفرح بالإنجيل، وأخاف أن ينتهي عمري ولا أكمل استيعاب هذا الإنجيل بجماله...".
ويعلن أمام الرهبان بعد سنوات
* "والآن أُعْلمكم كيف كان ردُّ المسيح الحلو الطيب عليَّ؟ كان ردُّه أنه أعطاني هذه وتلك: أي طول العمر والذهن الذي يستوعب. لم أظن أن ذهني سيظل يستوعب أكثر من عشر سنوات، ولكنه أعطاني بسِعَة جداً، من سن 30 سنة حتى الآن. وها أنا كما ابتدأتُ في الإنجيل تماماً بعافيتي هي هي في ذهني وروحي. صدِّقوني أن الرب من حنانه لم يرضَ أن قلبي يشيخ، فإنني أقرأ كما كنت زمان بقوة روحية كما ابتدأتُ في الإنجيل".
يعود فيقول :
* ”من كثرة تأملي في كلمة الله، بدأ الإنجيل ينفتح أمامي آية وراء آية، شيء لا نهاية له. فقد ذُقتُ معنى قول داود النبي: «كلمتك حلوة في حلقي، أفضل من العسل والشهد في فمي» (مز 119)؛ إذ صارت كلمة الله أحلى من العسل والشهد، وهذا الطعم في فمي لم يُفارقني قط مدة من الزمن كأنني أكلتُ صفيحة عسل! أقول لكم ذلك لكي أؤكِّد لكم أن كلمة الله مذاقها بالفعل على المستوى الحسِّي أحلى من العسل، هذا ما اختبرتُه بنفسي“ .
ويضع قاعدة أساسية تنير الطريق لمن يسعى لفهم وإدراك سر الكلمة، الإنجيل والمسيح" :
*”إنَّ تعمُّقنا في الإنجيل لا يزداد بمقدار علمنا أو ذكائنا، بل بمقدار علاقتنا بالرب. فإن وُجد علم أو معرفة، فإنني أقرع عليهما لكي يوجد مجال في قلبي أكثر لتلك العلاقة. فلا العلم في حدِّ ذاته أو المعرفة أو الفحص أو البحث أو التأمُّل الكثير يتأتَّى منه شيء؛ بل علاقتنا الشخصية والقلبية بالرب. أو بمعنى آخر، فإنه بطهارة ونقاوة قلوبنا وأفكارنا يُستعلَن الروح الذي في كلمة الله.".
* ”قد تمتعتُ بكلمة الإنجيل جداً، ولكن ليس بذهني. أخاف أن يُفهم كلامي على أنني صرتُ عالماً في الكتاب المقدس، فلا أنا عالمٌ ولا أي شيء؛ أو أنني صرتُ مفسِّراً، ولا أنا مفسِّر ولا أي شيء. ولكن مُتعتي بالكلمة هي في كونها صارت لي أباً ومرشداً ومعلِّماً وطبيباً يقطع بمشرط! نعم، إنها سيفٌ ذو حدَّين، يدخل ويقطع السرطانات، أي النموات الكاذبة التي تؤدِّي إلى الهلاك. فالكلمة «حيَّة وفعَّالة وأمضى من كل سيف ذي حدَّين» (عب 4: 12)“.
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
(الكلمات المنقولة عن الأب متى المسكين (*) مأخوذة عن كلمة له في جلسة مع بعض الرهبان في 20 / 6 / 1981 ، وعن كلمته: ”تأثير الإنجيل في حياته الرهبانية“ في أربعاء أيوب سنة 1974.)
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
كانت هذه الخبرات الكتابية الرهبانية وراء اصداره نحو 280 كتاباً لقراء العربية، بعضها مجلدات تتناول دراسات فى اسفار الكتاب المقدس، وبخاصة الأناجيل الأربعة وسفر أعمال الرسل ورسائل القديس بولس الرسول، ودراسة متعمقة عن القديس بولس الرسول، وكذلك عن الرهبنة القبطية التاريخ والمبادئ والحياة، أما شخص المسيح فكان محتلاً للعديد من عناوين كتبه ودراساته.
ويقتحم دوائر عديدة تشكل العقل اللاهوتى الأرثوذكسى بنكهة آبائية مدققة لعل ابرزها مجلدَي "الروح القدس الرب المحيي" (953 صفحة)، ويعود فيكتب "الروح القدس وعمله داخل النفس – عرض لأقوال الآباء النساك"، وتصطدم دوائر راسخة بالكنيسة بأطروحاته التى تشكل عصفاً ذهنياً فى مناخ رتيب، وتدور رحى المواجهات والتى يصل بعضها إلى حد المطاردات والحصار، وهو أمر يحتاج إلى دراسات متخصصة تسعى لسبر أغوارها، وتحليلها بعيداً عن الإنحيازات العاطفية، وضغوط المصالح، أو التناول السطحى الذى يستريح للإجابات المعلبة والمنقولة، والمحكومة فى غالبها بالتراجع المعرفى وربما اللاهوتى والروحى أيضاً.
أرى أن سنوات الأب متى المسكين، يمكن أن نعدها سنوات بعث للروح القبطية الأرثوذكسية، أسست لخروج الكنيسة من نفقها الطويل الذى دخلته قبل قرون بتعدد الأسباب، التى اقتربنا عبر أطروحاتنا من بعضها،
آثرت أن اشير هنا إلى منطلقاته الأولى والتى تمحورت فى الإنجيل والآباء وهى نفسها المحاور التى تنطلق منها الكنيسة لتسترد دورها فى عالم يطالبها أن تعبر إليه وتعينه، كنيسة انجيلية آبائية.
ومازال للطرح بقية
مع قداسة البابا شنودة الثالث وانطلاق كنيسة.