حلقت مع «مصر للطيران» فى السماوات المفتوحة، فوق شاطئ البحر الأبيض الم��وسط بين جنوب أوروبا وشمال أفريقيا، أجمل من الريفييرا وشاطئ إيطاليا وفرنسا، لكنه مكبل بأثقال الماضى والحاضر والمستقبل، وغزوات الاستعمار الخارجى والداخلى، لا يمكن لأى قوى أجنبية أن تغزو أى بلد دون معاونة الحكومة الداخلية، وهى النخبة العليا للطبقة الحاكمة، لا تزيد عن ٢ ٪ من الشعوب المطحونة عالميا ومحليا، هذه النخبة تملك كل شيء وتبيع أى شيء، بما فيها الثورة الشعبية، تقفز عليها وتدعى زعامتها، ثم تبيعها للقوى الخارجية والداخلية، وإن جاع الشعب، وعاش يعانى الفقر والمرض والجهل، الثلاثى المزمن منذ العبودية، تتجسد هذه النخبة فى قلة تمتلك السلطة والمال فى كل مكان وزمان.
جاءتنى الدعوة لحوار أدبى بمؤتمر المبدعات العربيات فى تونس أواخر إبريل، حاورتنى الدكتورة «هاجر خنفير» أستاذة تونسية، درست أعمالى الأدبية والعلمية، ونشرت كتابا بعنوان: «الحب والرغبة فى دراسات نوال السعداوى» كان الحوار على مستوى عال، ربط بين الفن والعلم والسياسة والاقتصاد، والطب والأدب، والتاريخ والفلسفة والدين والجنس والأخلاق، وغيرها من العلوم الطبيعية والإنسانية، التى أصبحت أساسية لفهم قضية المرأة.
كانت الأسئلة والتعقيبات مدهشة، فالجمهور متنوع، من المبدعين والمبدعات، نهض أستاذ تونسى، وقال إنه شهد خلال زيارتى الأولى لتونس منذ ثلاثين عاما وأكثر، ما قلته بالتليفزيون التونسى، إننى لا أومن بحكم الفرد، وأن العبيد لا يحررهم إلا أنفسهم، والنساء أيضا لا يحررهن إلا أنفسهن، وشهد الحبيب بورقيبة بمنزله هذا الحوار التليفزيونى فانفجر غاضبا، لأنى لم أقل إنه هو الذى حرر المرأة التونسية، وأصدر أمرا بعزل مدير التليفزيون، ومنع دخولى لتونس، وسألنى الأستاذ: هل تغير رأيك فى بورقيبة، وما رأيك فى الثورة التونسية بعد سبع سنوات؟
قلت إن بورقيبة له إيجابيات وسلبيات، إننى لا أومن بحكم الفرد، إن تحرير العبيد أو النساء لا يكون إلا بأنفسهم، إن ثورة الشعب التونسى كانت رائدة، وكان يمكن لهذه الثورة أن تحرر تونس من الاستعمار الأمريكى والحكم الداخلى الفاسد، لكن تم إجهاضها بالقوى الاستعمارية الخارجية والنخب الحاكمة داخليا، وهذا حدث لأغلب الثورات الشعبية فى بلادنا، أيد الجمهور كلامى بالتصفيق، وتم تكريمى من الهيئة التى دعتنى وهيئات أخرى، حظيت بحفاوة كبيرة من الشعب التونسى الذى قرأ كتبى فى طفولته بالمدارس الابتدائية والثانوية، وهذه إحدى إيجابيات الحكم فى عصر بورقيبة، الذى ساعد على نهضة التعليم والمرأة، وبنى على الجهود السابقة عليه.
قضيت سبعة أيام فى تونس الخضراء أطل على البحر والمياه الزرقاء، أملأ صدرى بالهواء، وأغمس الخبز الطازج بزيت الزيتون، وفى اليوم الأخير كان لقائى بحركة النساء الديموقراطيات وهى من أهم الحركات وأكثرها تقدما فى رؤيتها لقضية تحرير المرأة التونسية، وأكد أغلبهن أن حركة التحرير بدأت فى القرن التاسع عشر، وأن الحبيب بورقيبة كان امتدادا لهذه الحركة، ولعب دورا هاما فى منع تعدد الزوجات وفوضى الطلاق، واستطاع أن يقف بشجاعة ضد التيار الدينى الرجعى.
نقلا عن المصرى اليوم