كميت-الأمس واليوم وكيف تعود
فاروق عطية
٥٤:
٠٧
ص +02:00 EET
الاثنين ٧ مايو ٢٠١٨
فاروق عطية
مصر مهد الحضارة وفجر التاريخ لم يكن اسمها مصر، كان أجدادنا يطلقون عليها كميت (قد تنطق كمت أو كومات) ألتي معناها الأرض السمراء الخصيبة. أما هذا الإسم المتواتر الآن فقد أطلقه عليها العرب الغزاة. مصر في اللغة العربية تعني إقليم أو دولة ذات حضارة وجمعها أمصار. ولما كانت كميت بحضارتها التي أبهرت العالم، خاصة العرب الرعاة حين زارها بعض من البدو الرعاة لقحط أصاب بلادهم، نقلوا انبهارهم لمواطنيهم وأطلقوا عليها مصر، حيث لا يوجد أمصار تضارعها حضارة حولهم، كما أطلقوا علي أهلها إسم قبط وهو تحريف لكلمة كمت، ومع التداول اصبح المصريون أقباطا. أما اللغات السامية كالعبرية والأرامية والكلدانية كانت تطلق عليها إسم مسر.
قلت وما زلت أكرر أن كلمة أقباط تعني اهل مصر أي الكميتيون دون النظر لدين أو جنس أو لون، ولكن للأسف يحلو للبعض أن يطلقها علي المسيحيين فقط، ربما اختلط عليهم الأمر فلم يفرّقوا بين الديانة والجنسية، أو ربما لغرض في نفس يعقوب، أو ربما اعترافا ضمنيا بأن المسيحيين هم أهل مصر الأصليين وذلك صحيح 100%، وأنا أري أن أكثر من 90% من أهل مصر الحاليين هم مصريون منحدرين من أسلافهم الكميتيين. حقا المسيحيون هم من سلالة كميت دون منازع أو شك، أما الأقباط المسلمون فغالبيتهم من أسلاف الكميتيون الذين دخلو الإسلام جبرأ أو اقتناعا أو خوفا واقتناصا لبعض المميزات. حتي العربان البدو الذين انتقلوا إلي مصر بكامل قبائلهم واستولوا علي ممتلكات المصريين وأراضيهم واستعبدوا أهلها ليعملوا أجراء لديهم، البعض منهم ما زالوا أعرابا وقبائل يتفاخرون بانتسابهم للبداوة والتخلف خاصة في صعيد مصر كالهوارة والأشراف والعوامية، ولكن أكثرهم تصاهروا مع المصريين تزاوجا أو اغتصابا لنسائها فاختلطت أنسابهم ومع مرور الزمن واستمرار التزاوج مع المصريين صاروا أقباطا مثلنا، ليت من يفتخرون بقبليتهم أن يعودوا لها.
يعتبر الملك نخت انبو الثاني(نكتنابو) "360-341 ق.م" آخر ملوك الأسرة الـ30 هو آخر فراعنة مصر. بعده جاء الاستعمار الفارسي مكونا الأسرة الـ31 "341-332 ق.م"، ثم غزي مصر الاسكندر المقدوني الذي طرد الفرس وأعلن نفسه فرعونا علي مصر "332-323 ق.م". وبعد موت الاسكندر تولي حكم مصر الملوك البطالسة الذين اعترفت بهم مصر ملوكا فراعين يحكمون مصر المستقلة. استمرت مصر مستقلة تحت حكم البطالسة حتي عام 44 ق.م بعدها احتل الرومان مصر إبان حكم الملكة كليوباترا السابعة التي حكمت مصر في الفترة "51-44 ق.م، وكانت نهاية الحكم البطلمي في عهد بطليموس الـ 15(قيصرون) الذي حكم مصر تحت الاحتلال الروماني في الفترة "44-30 ق.م". ونستطيع القول أن فترة الحكم البطلمي لم تكن استعمارا لأن ملوكهم قد اعتبروا أنفسهم فراعين يحترمون عبادات وتقاليد الشعب المصري وحافظوا علي استقلاله وسيادته وازدهاره حتي سقوط كليوباترا السابعة في غرام مارك انطونيو وما تلاها من أحداث درامية أدت في النهاية لوقوع مصر فريسة للاحتلال الروماني، الذي استمر من 30 ق.م حتي 641 م، تخلله دخول المسيحية إلي مصر وآمن بها غالبية الشعب المصري.
ذاق المصريون بسبب إيمانهم المسيحي شتي أنواع العذاب والاضطهاد من مستعمريهم الرومان الوثنيين. وحين دخل الرومان للمسيحية تنفس المصريون رياح الحرية الدينية. لم تطل راحتهم كثيرا حيث بدأ الخلاف العقائدي بين البطاركة المصريين والبطاركة الرومانيين بعد مجمع خلقونية فازداد الاضطهاد عنفا. فى هذه الغضون، تحديدا فى سنة 620 م، تولى الكرازه المرقسيه البطريارك التامن و التلاتين بنيامين الاول. أرسل هرقل لمصر حاكم مدنى و فى نفس الوقت بطريارك ملكانى هو"سيروس" او "قوروس" الذي أطلق عليه العرب اسم المقوقس. رفض بابا مصر بنيامين الاعتراف بسلطة البطريارك الملكانى سيروس فتعرض لإضطهاد كبير اضطره لترك الاسكندريه والهرب إلي وادى النطرون ومنها إلي صعيد مصر واختبأ هناك، كما طلب من اساقفته الاختباء أيضا، أزعن البعض وآخرون اتبعوا سيروس تحت الضغوط الهائلة، وعين هرقل اساقفه ملكانيين فى نواحى مصر واضطهد المصريين اليعاقبه اضطهادا كبيرا، و هجم البيزنطيون على الكنايس و الاديره و نهبوا الاوانى المقدسه و صادروا الاراضى و الممتلكات وجلدوا الاقباط بالكرابيج و قتلوهم و اعتقلوهم وأذاقوهم العذاب ألوانا، و قبض سيروس على مينا اخو بنيامين و عذبه بخلع سنانه و حرقه بالمشاعل بطريقه مرعبه ووضعه في جوال مليئ بالرمال وألقاه فى البحر.
غزو العرب لمصر او "الفتح الإسلامى لمصر" كلها اسماء لغزو عسكرى قام به جيش عربى من شبه الجزيره العربيه سنة 639 م بقيادة عمرو بن العاص، حدث بعده تدفق القبايل العربيه على مصر و احتلالها الكامل بسقوط الإسكندريه سنة 642 م. الاحتلال العربى لمصر كان 3 مراحل او فترات تاريخيه، فترة حكم ولاة عهد الخلفاء الراشدين، و فترة حكام ولاة الأمويين، و فترة حكم ولاة العباسيين. وتتابع الخلفاء وتتابع الولاة علي مصر وظل الهدف واحدا لا يتغير هو امتصاص ونهب ثروات البلاد وقوت شعبها مهما عاني المصريون من الفقر والحاجة. وذُكر المقريزي أنّ الخليفة عبد الملك بن مروان كتب إلى أخيه وواليه على مصر عبد العزيز بن مروان، أنْ يضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة حتي لوأدي ذلك لتوقف أسلمة المصريين ..!!
الحقيقة أن مصر لم تكن سعيدة تحت الحكم العربي، وأن أقباط مصر عانوا أشد ما تكون المعاناة تحت هذا الحكم البدوي الجاهل، والغزاة العرب أنفسهم لم ينظروا لمصر إلا على أنها بقرة حلوب أوغنيمة يغتنمونها من أصغر جندي إلي الخليفة القابع في جزيرة الرمال متلهفا علي وصول خيرات مصر. المغالطات المستمرة عن كون مصر لم تبادر بالثورة ضد الغزو العربي هو قول تكذبه كل حقائق التاريخ فالمصريون ثاروا 120 ثورة ونجحوا في أحيان كثيرة في طرد العرب من أجزاء كثيرة من البلاد مما كان يستدعي معه الخلفاء لإرسال جيوشا جديدة لتعاون الجيش العربي في مصر على قمع الثورات والاحتفاظ بها. ونستطيع التأكيد علي أن عزو مصر لم بكن لنشر الدين الإسلامي كما يروّجون، لكنه كان لامتصاص خيراتها وارسالها إلي موطن الخلافة. ويمكن التأكيد علي ذلك من الجدل الذي دار بين عمرو بن العاص والخلفاء حول الخراج في مواقف عديدة، لكن للأسف حين يؤرخ المؤرخون يتغاضون عن الحقيقة مبتعدين عن أمانة وحيدة التأريخ ظنا منهم أنهم يذلك بنصرون الإسلام ويعضدوه.
استمر الحكم الاستعماري العربى لمصر حتي سنة 877 م عندما استقل احمد بن طولون بمصر من الدوله العباسيه و اسس الدوله الطولونيه المستقله، تبعها الفاطميون، الأخشيديون، المرابطون، الأيوبيون، خلالها كانت مصر دولة مستقلة (877-1250م). ثم فترة حكم المماليك(1250-1715)، تلاه الاستعمار التركي (1517-1924).
خلال كل تلك الفترات التي عاشنها مصر تحت الحكم العربي البغيض سيان كان استعمارا بينا أو حكما مستقلا عن الخلفاء، ذاق المصريون في وطنهم التهميش والاحتقار من مستعبديهم، عبيدا يخدمون جلاديهم بلا رحمة، وعاني المسيحيون منهم الأشد والأقسي كموطنون من الدرجة الثالثة. وازداد الكيل إبان الاستعمار العثماني غلطة وجبروتا، ولم يري المصريون خيرا إلا بعد تولي محمد علي باشا ولاية مصر، الذي بدأ حكمه بتحقيق العدل ونشر التعليم وانشاء المصانع وتمصير الجيش وإرسال البعثات لبدء نهضة مصرية حقيقية، استمرت بعده في فترات حكم أسرته العلوية، وكان أكثرها ديموقراطية وعلمانية فترة حُكم الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان. ولن أتحدث عن نكسات مصر بعد انقلاب عسكر 23 يوليو فما زلنا نعيش كوارثها حتي الآن.
حتي نعيد لمصر أمجادها ونسير في ركب الحضارة المتسارع، علينا أن ننتفض لتاريخنا نأخذ منه العبرة والدافع، وننسي تاريخنا الحاضر بما فيه من دنايا، ننسي انتماؤنا الخاطئ للوطن العربي (القومية العربية) فنحن لسنا عربا ولن نكون. نحن مصريون قلبا وقالبا نتحدث العربية التي أُجبر أجدادنا علي التحدث بها بقطع ألسنة من يمتنع. نحترم جيراننا كلهم عرب وفينيقيون وآشوريين وكلدان وعبريون وآمازيج وأفارقة ونتمني للجميع الرفعة والرقي. مشاكلنا معقدة اقتصاديا وسياسيا ودستوريا يعانيها كل الأقباط مسلمون ومسيحيون، لكن مشاكل الأقباط المسيحيين أشد وأقسي بسبب التمييز الواقع عليهم وعدم الاعتراف بحقوقهم الدستورية. حاول الكثيرون خاصة أقباط المهجر بطرق عديدة إيجاد الحلول ولكنهم فشلوا لعدم استجابة أقباط الداخل بتلك الحلول، إما لعدم الاقتناع أو خوفا من زيادة وتيرة الاضطهاد، وإيمانهم بأن حل مشاكلهم يكمن في حل مشاكل كل المصريين. وقداقتنعت بعد زيارتي للوطن منذ أسابيع ومناقشة الأهل والأصدقاء ومن التقيت بهم مصادفة أن اهل مكة أدري بشعابها، وأن الحل أجدي أن ينبع من الداخل ويؤيده ويسانده أقباط المهجر لا العكس.
في مصرنا الآن حركة متنامية للمطالبة بالعلمانية وعودة مصر فرعونية لا عربية وهابية، اراها بداية أرجو ان تكون موفّقة ولكن لا تقف عند هذا الحد. عليها أن تتطور من مجموعة فيسبوكية إلي حزب متكامل وأقترح أن نطلق عايه حزب كميت. ومن أهم مطالب الحزب التي يجب أن يتبناها إلغاء الدستور الحالي وإنشاء دستور علماني يتوافق مع وثيقة حقوق الإنسان. عودة مصر إلي جذورها المصرية وذلك بداية بالمطالبة بتدريس علم المصريات بالمدارس المصرية أسوة بما هو حادث في كل معاهد وجامعات العالم ما عدا مصر. أن يبدأ في تجميع الكلمات المصرية القديمة المتداولة فعلا خاصة في صعيد مصر والتأكيد علي مصريتها وإضافة أسماء وكلمات أخري غير متداولة إلا في أسرة أو أسرتين مصريتين لا زالوا يتحدثونها، والاستفادة بما تمتلكه الكنيسة الأرثدوكسية من تراث قبطي يستخدم في الصلوات، والتشجيع علي عودة اللغة المصرية وإحياؤها.