عمل الرحمة
مقالات مختارة | الأنبا مكاريوس
الاثنين ٧ مايو ٢٠١٨
عندما تقدم أحد الفقراء نحو الإسكندر الأكبر طالبًا صدقة، نفحه الأخير بعضًا من القطع الذهبية، فلما أنكر عليه مَن حوله ذلك متعلِّلين بأن قطعًا من النحاس كانت تكفى، أجاب ببشاشة: «ولكنى أعطى ليس بحسب طبيعة السائل، وإنما بحسب كرم المعطى. إنى أفعل ما يليق بى».
■ فيما يظن السائل أنه خدع المعطى يكون الأخير أشد ذكاءً منه، لأنه تاجَر بأمواله حسنًا واستبدل الباقى بالفانى، وكلما أمعن السائل فى الخداع ازداد المعطى بهجة وربحًا، إذ بينما يسرق الأول ماله يكون هو قد اقتنى أجرًا صالحًا. وبينما باع بعض الناس آخرتهم بدنياهم، باع آخرون دنياهم ليقتنوا آخرتهم.
■ استمرار عطاء البعض مرهون باستمرار مدحهم والثناء عليهم، ومن ثَمّ يتضح أن الكبرياء هو المحرّك الحقيقى لما يفعلونه، وبالأحرى قد استوفوا أجرهم. وعلى الجانب الآخر، فإن شكر الذى يأخذ يحرك الذى يعطى ليبذل المزيد، فليست عطية بلا زيادة إلّا التى بلا شكر.
■ وإذا أعطيت فقيرًا بعد إلحاح شديد فهذه فضيلة، فذلك يعنى أن قسوتك لها حد!، وأنك لم تغلق أذنك وأحشاءك إلى النهاية دونه. أمّا مَن يسد أذنيه عن صراخ المسكين، فقد يصرخ لاحقًا ولا يُستجاب له، فإذا لم تتمكن من العطاء فعلى الأقل لا تحتقر السائل ولا تنهره. إن تحرُّك القلب بالرحمة لهو أثمن من أى عطاء. كذلك ليس مهمًا كم تعطى ولكن كيف تعطى.
■ إن المال هو ملك لله، فهو مالك كل شىء: الأرض وما عليها ومَن عليها، وهو سيرث كل شىء. وبالتالى فاليد التى تمتد إليك هى يد الله، فى حين يتحمل الفقير مسؤولية ما ناله منك أمام الله، وهو صادق حين يقول لك: أعطنى «لله»، ومن ثَمّ إيّاك أن تندم على عمل رحمة قمتَ به، حتى لو أعطيتَ مائة شخص، فربما بينهم محتاج واحد حقيقى. اختر أن تكون كريمًا حتى لو خُدِعت، ولا تدع العقل يمنعك من فعل الخير، فنحن نؤثر الكريم على الحريص، فالبعض يشغلهم البحث عن الفقير الحقيقى. وإذا راودتك الأفكار بأن الذى يطلب منك هو غير مستحق، تذكر أن الله يعطيك ليس لكونك مستحقًا أو محتاجًا، وإنما لكونه خيرًا وصالحًا، للأشرار والأبرار معًا.
■ أفضل استثمار للمال هو إنفاقه على الفقراء والمُعوَزين، وقد قيل فى ذلك عن الأموال: «فهى بالإنفاق تبقى، وهى بالإمساك تفنى». كما أن العطاء يبهج المعطى أكثر من الآخذ، لذلك فعندما تعطى فأنت تعبّر عن شكرك لله، الذى منحك أن تحسن إلى آخرين. من ثَمّ لا تقل إنك «فاعل خير»، بل قل: «من يدك وأعطيناك»، أو «مِن مديون».
■ من ثَمّ يجب أن تشتمل الصدقة على شروط ثلاثة، أولها: أن تكون فى الخفاء، وثانيها: أن تكون بسرور ورضا، وثالثها: أن تكون من الأعواز. ويقول جبران خليل: «الكرم لا أن تعطينى ما أنا فى احتياج إليه، بل ما أنت فى احتياج إليه». هناك مَن يعطون من قُوتهم الضرورى ومن دمهم، بل بعض أجزاء من أجسادهم.
■ إن الفقير الذى يأتى إلى عندك يقدّم لك فى الواقع خدمة جليلة، إذ يحمل عنك عطاياك إلى الله، وبدلًا من أن تبحث أنت عن فقير تصنع معه رحمة يأتى هو إليك مُسهِّلًا مهمتك، يحمل إليك البركة حيث توجد، يبحث عنك بين السيارات، وفى المكاتب، وفى الطرقات، وفوق الأرصفة، وإشارات المرور.. يقدم خدمة الـ«دليفرى»، فكيف ترده وترفض البركة التى يحملها إليك من لدن الله؟!، وقد يكون من اللائق أن تصف الفقراء بأنهم «إخوتنا المُتعفِّفون».
نقلا عن المصري اليوم