عار سبقـه عار ويا للعار
بقلم: أنطـوني ولسـن
ميدان "التحرير" الذي شهد انتفاضة شعب، ظل صابرًا على حكامه طيلة ما يقرب من ستة عقود، واستطاع أن يكسر حاجز الصمت ويخرج شبابه بعزيمة وإصرار على تحقيق مطالبه التي نادى بها في هذا الميدان الذي أصبح رمزًا للحرية، واسم على ما يسمى، رافعين شعار "ارحــل"، معلنين بذلك الشعار ضرورة ترك النظام السابق وعلى رأسه رئيس النظام "محمد حسني مبارك"، وقد تم للشعب ذلك بعد ثمانية عشر يومًا، ورحل "مبارك" دون رجعة بإذن الله.
أصبح ميدان "التحرير" مكانًا ورمزًا للحرية في القول وفي مطالب الشعب، مثله مثل حديقة "الهايد بارك" في "لندن"، ومثيلتها في "سيدني"، وإن إتجه الوضع في "سيدني" إلى إتخاذ "مارتن بليس" مكانًا للتعبير رغم أنه أصغر بكثير من الهايد بارك. لكن يمكن اعتباره منطقة تجمُّع للانطلاق بالمسيرة لتجوب بعضًا من شوارع قلب المدينة والهايد بارك، على شريطة تقديم طلب للتجمع أو القيام بالمسيرة أو الإحتجاج لجهات الأمن، بها توضيح كامل عن الغرض من ذلك، والوقت المحدد، وبداية التجمع، والطرق المزمع السير بها، ولا يمكن لأي تجمُّع أن يتم دون الموافقة على ذلك من الأمن، ووجود رجال الشرطة وسياراتهم التي تتواجد وتتحرك مع المتظاهرين المسموح لهم بمكبرات الصوت واللافتات سواء باللغة الإنجليزية أو أي لغة أخرى، والأمن له يد قوية في حالة خروج المتظاهرين عن آداب التظاهر.
يحدث هذا في بلد الحرية فيه شيء مقدس، لا تقل قدسيته عن العبادة المكفولة للجميع بغض النظر عن نوع عبادة الفرد أو الجماعة أو جنسهم أو لونهم.. لكنه القانون الذي يجب أن يُحترَم ويطبَّق على الجميع دون استثناء.
في الرابع والعشرين من شهر مايو الماضي، كتبت مقالًا بعنوان "ياللعار" لما حدث للإعلامية الأمريكية "لارا لوجان" في الحادي عشر من شهر فبراير الماضي من هذا العام 2011، مندِّدًا فيه بما حدث في ذلك اليوم المقدس الذي أعلن فيه "مبارك" تخليه عن الحكم وفرحة "مصر" بشبابها الذي خرج وصمَّم على رحيل النظام الفاسد وتم له ذلك، ويحدث فيه ما حدث لها عندما أرادت تغطية الحدث من قلب الموقع ومع أبطال "التحرير"، فإذ بها تواجه حيوانات مفترسة لا ضمير لها ولا أخلاق، وتتعرض لبهدلة واستباحات جنسية بعد تمزيق ملابسها الخارجية والداخلية في شهوة الشبق الجنسي المحموم دون وازع أو ضمير، وكانت شرارة الإنطلاق صراخهم "إسرائيلية.. إسرائيلية"، وكأن الإسرائيلية تلك سبب كل ما حدث للمصريين الذين يحتفلون في ذلك اليوم بالانتصار العظيم! دون التأكد إن كانت إسرائيلية أو غير ذلك، على الرغم أنه لو كانت حتى إسرئيلية هل يليق بنا وقت فرحتنا أن نتصرف بذلك الشكل المزري؟؟!! لا أظن.. وأنقل إليكم بعضًا مما جاء في المقال.
[الأذى الجسدي لم يكن أشد ألمًا من الأذى النفسي الذي كان واضحًا وهي تسرد مأساتها].
وفي نهاية المقال كتبت:
[وأتعجب ماذا حدث للمصريين!!! استباحوا فعلتهم الشنعاء بالإدعاء عليها أنها إسرائيلية دون احترام حق الضيافة بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين، فهل هذه شيم المصريين العرب المؤمنين؟؟؟!!!
لقد جلبتم العار على مصر وكل المصريين أينما تواجدوا.. يا للعــار.
حقيقة إنها فضيحة عالمية بكل المعايير أن يُعتدى جنسيًا على إعلامية أمريكية ذهبت إلى ميدان التحرير لتشهد وتسجِّل أهم حدث في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، فإذ بها تقع فريسة حيوانات آدمية أخذت تغتصبها دون حياء أو خجل.
فهل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى مسئولية حكم البلاد في تلك الليلة أن يزيح عن مصر والمصريين الشرفاء عار تلك الفضيحة التي أصبحت عالمية ويعمل على القبض السريع لمن قاموا بذلك العمل المخزي وتقديمهم إلى المحاكمة، وخاصة أن صور البعض أظهرها الفيديو واضحة ويمكن الاستدلال على أصحابها وتقديم اعتذارا رسميًا للإعلامية لارا لوجان وعائلتها، وتقديم أوسمة تقديرية إلى كل إمرأة حرة مصرية ساهمت في حماية الضيفة التي أهانها بعض من ذوي الأخلاق المنحطة؟؟!!.
وبهذا... وبهذا فقط يمكننا أن نقول ونردد فعلًا وقولًا وعملًا... ارفع رأسك فوق.. إنت مصري.]
وتساءلتُ في ختام المقال:
[فهل حقًا يمكن للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يمسح هذا العار من فوق جبين مصر أم الدنيا؟؟؟؟؟!!!!!.]
وكأنني بذلك التساؤل المتشكك "فهل حقًا" كنت أتنبأ بعدم إمكانية المجلس الأعلى للقوات المسلحة من مسح العار من فوق جبين "مصر" أم الدنيا. وليس هذا لا سمح الله عدم حب واحترام المجلس لمصر أم الدنيا، لكن لأن المجلس رؤيته للأمور ليست بانورامية، وتركيزه فقط على إنهاء عمل محدَّد ليعود في الوقت الذي حدَّده لثكناته ليباشر أعماله الموكلة إليه بحكم العمل الوطني، وهو حماية الوطن من أي تهديدات خارجية من أي جهة قد تهدد أمن وأمان الوطن.
والحقيقة عكس ذلك، فعدم الاهتمام قد يؤدِّي- وقد أدَّى بالفعل- إلى تكرار الفعل، وأُضيف عار آخر إلى عار سبقه وفي نفس المكان.. "ميدان التحرير"، وفي يوم شبيه بنفس اليوم.. يوم جمعة الثالث من شهر يونيو هذا العام أيضًا 2011! والغريب مع إعلامية ذهبت هذه المرة لتغطي تجمعات يوم العمل مع فارق أنها مصرية والقناة CTV التليفزيونية التي تمثلها وطاقم العمل، من مخرج ومصورين وخلافه، جميعهم مصريين. والطريقة والأسلوب الذي حدث وقت الاعتداء على الإعلامية الأمريكية "لارا لوجان" هو نفسه، نفس الطريقة ونفس الأسلوب.
أرادت الإعلامية المصرية "ماريان عبده" أن تقدِّم لمشاهدي قناة "سي تي في" لقاءات حية لما يحدث في ميدان "التحرير" في يوم العمل، فماذا حدث؟ تجمعات.. صيحات "إسرائيلية.. إسرائيلية".. جحافل أعداء "إسرائيل" بدأت تزحف نحو العدو الممثل في شخص الإعلامية المسكينة سيئة الحظ... ونلف وندور في دائرة مغلقة حول من نلوم لما وصل إليه حال مصر، هل نلوم النظام السابق أو الذي قبله أو قبل الذي قبله، وكلها أنظمة مصرية؟ أم نلوم الفاسقين الذين عاثوا في الأرض فسادًا ملتحفين بعباءة الدين!
صرخت المسكينة "ماريان عبده" كما صرخت "لارا لوجان"، ومع كل صرخة كان يقابلها هياج أكثر من غوغاء الميدان.
قالوا عن "ماريان" إنها حاولت الانتحار لأنها حرة، لكنها نفت ذلك لأنها تؤمن بأن الرب يدافع عنكم وأنتم تصمتون، كما كادت أن تستسلم للموت سابقتها "لارا"، وأيضًا لأنها حرة، لكنها قاومت عندما تذكرت طفليها على الرغم من الانهيار التام الذي إنتابها.
"ماريان" كانت أكثر حظًا من "لارا"، فقد سمع صراخها ضابط مصري شجاع اسمه "أحمد سامي"، دخل وسط الثيران البشرية محاولًا إنقاذها، ولما كاد أن يفشل أخرج مسدسه الميري غير عابيء بما قد يحدث لمخالفته التعليمات، وأطلق عيارات نارية في الهواء.. كما حدث مع "لارا لوجان" عندما أرسل لها الله نسوة مصريات أحطن بها، مكونين سياجًا بشريًا لحمايتها، إلى أن جاء رجال الإسعاف وتم نقلها إلى المستشفى.
"ماريان" قالت إنها تقبِّل يد الضابط الذي أنقذها، و"لارا" بكت عندما كانت تخبر العالم عن فضيحة ما حدث لها على أرض الكنانة "مصر"، التي كانت الأمن والأمان لكل لاجيء إليها وقت الشدة أو زائر يبغي قضاء وقت شتاء دافيء أو صيف مشمس.
فماذا حدث لـ"مصر" والشعب المصري؟ أنا لا أعرف، فهل تعرفون؟؟!!
وأختم بنفس الجملة التي ختمت بها مقال "يا للعار"، وأخاطب المجلس الأعلى قائلًا: "هل حقا يمكن للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يمسح العار من فوق جبين مصر أم الدنيا؟؟؟؟؟؟!!!!!!".
نأمل أن تصله صرختنا هذه ولا تضيع وسط صخب الحياة والمسئولية، ويعمل على عدم تكرارها من أجل "مصر" أرجوكم.. ولا أنسى أن أقبِّل وجنتي الضابط الشجاع "أحمد سامي"، راجيًا من المجلس منحه أعلى وسام شرف لأنه حمى شرف شقيقة له في الوطن اسمها "ماريان عبده"...
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :